وإن كان الرحم قَيداً فالنسل سجون



إيرينى سمير حكيم
2016 / 8 / 20

نُدين ونعتب على من يتطاول من الذكور على حرية المرأة، ونجلد كل فكر عنترى يقيد المرأة بذكورية طاغية التأثير على تصرفات المجتمع ونظرته للمرأة.

ولكن هنا اود ان اتحدث عن نفس الامر انما من زاوية اخرى

وها انا أخبركم من البداية اننى لن اتجمل

فإن ابتغينا التغيير لابد وأن نكون واضحين صادقين ومواجهين لحقائق الوقائع بشجاعة فائقة، فالتجمل ليس بإمكانه شفاء القبح!.

وانا فى كتاباتى عن حقوق المرأة لا ادافع عن المرأة لاننى امرأة او لمجرد انها امرأة، فى محاولة منى للتحيز الى جنسي، ولكن هذا هو من ضمن دوافعى للدفاع عن المظلومين والمقهورين عموما ومن هم فى موقف ضعف واستغلال بشكل عام.

ولكنى احدثكم اليوم عن احدى مشاكل المرأة فى مجتمعنا، انما من رؤية مختلفة

وهى .. المرأة القيد
نعم .. المرأة القيد .. تلك المرأة التى ابتعلت طُعم القيد واصبحت تنقله وتُلقنه لثمارها الصغار!، ومن كلمات الشاعر الكبير حافظ ابراهيم اود ان انتقى هنا ما وصف به المرأة حيث قال: "الأم مَدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق"

اذن
فماذا اذا كانت تلك المَدرسة .. سِجن؟!

سِجن من مجموعة من القيود الفكرية والنفسية، حيث امرأة تحت نير تعليم جاهلية، تحتل حريتها المعنوية والجسدية وتحطم ارادتها تحت مسمى الرضا والطاعة، بقناعة تامة لانسانة تشربت تلك التعاليم منذ الصغر كالثمرة التى ترعرت على الماء!.
كيف لتلك الانثى ان تتحرر من قيودها والا تراها مجددا كأسوار حماية لها؟!، متى تدرك تلك المروية بالعبودية ان العبودية التى طالما عرفتها على انها الحرية هى عبودية فى حد ذاتها وليست هى الحرية؟!، كيف يتم ازالة هذه المفاهيم لإحلال مكانها تلك؟!

والحقيقة هنا هى أن الاجابة تنقسم الى جزئين .. هما
الوعى والارداة

الوعى يعود إلى المجتمع وإلى الشخص المصاب بغيبوبة الجهل

يعود الى المجتمع حيث انه من واجب مثقفى المجتمع ومؤسساته التعليمية والثقافية والخدمية، ان يقوموا بنشر التوعية الحقيقية الخاصة بتعريف المرأة وتعريف المرأة بمكانتها فى الطبيعة بشكل عام وبيئتها التى نشأت فيها بشكل خاص، والا يكتفوا بترديد شعارات مُهاجِمة للجهل، وان يساعدوا المرأة على معرفة حقيقة كرامتها وحقوقها، ويعملوا على مساعدتها الفعلية لاسترداد تلك الحقوق المجتمعية.

ويعود الوعى الى الشخص المصاب بغيبوبة الجهل، حيث انه عليه ان يلتفت لانذارات هلعه من تطورات نتائج جهله، فجهله بالمعلومات لا يلغى ادراكه بأن هناك تحذيرات من ضمير فطرته، حيث توجهه تلك المحاذير لاستكشاف الحقيقة وتقصيها رغبة فى الوصول الى النتائج السليمة، وذلك هو ما يقوده الى العمل على الوعى الشخصى، فالانسان بالفطرة يخشى المجهول، وإن كان هذا الانسان لا يلتفت الى تنبيهات الفطرة فلن يجديه استغاثات التوعية للمؤسسات المختصة من حوله.

اما الارادة

فهى ترتبط ارتباطا مباشرا بالكلام السابق عن البحث الفردى عن التوعية الذاتية، حيث تنبثق الارادة مباشرة من الرغبة الفردية، والتى تتضمن بشكل اساسي ارادة الفرد المغروس فى الجهل، الذى غذَّى انفاسه التغييب والترهيب وعاش بهما كالاكسجين، وتنبعث الارادة هنا من حيث اختيار الخروج عن هذه الشرنقة الاجتماعية المريرة، وغالبا ما يحدث ذلك عند تصاعد ادخنة نتائج عبودية الجهل والتعصب والتغييب، حيث تخنق مُعتنقها بألم مباشر، فيهرع الى ملجأ تغيير الفكر برغبة الانعتاق وارادة التحرير.

لذا لابد ان ندرك

ان ليس كل سجّان للمرأة فى مجتمعنا هو ذكر، بل ايضا اناث وُلِدن فى عبودية الجهل وترعرعوا عليها وتحولوا الى سجانات لاناث اخريات، وهكذا تتحكم دوائر القهر فى مجتمعنا بنا، ومن ثم علينا ادراك تلك الظاهرة ومواجهتها بحزم، وايضا ان ندرس جيدا كيفية مواجهة تلك الانثى، التى تقهر غيرها من الاناث تحت مسمى العادات والتقاليد المتوارثة بغشم والتى تُربي اجيالا فى الظلام الفكرى والنفسي، وآلا نركز انظارنا دائما على الرجل ذو الفكر الذكورى المتحيز لجنسه، بل ننظر ونتمعن كذلك فى الأنثى التى تقبل بذهنها العبودية ويستصيغها الذهن ويُقبلها تقبيلا اراديا، ساعية بعد ذلك الى نشر تلك القيود فى صورة تعاليم وتربية، تفرز للمجتمع اناث مقيدات الهوية بسعادةٍ بالغة.

انها حقا ظاهرة عجيبة حين يشتهى المسجون سجنه ويروج له بدعايا فاخرة، تكلفه من عمره نفسيا وجسديا.

وهنا علينا ان نتأمل كيف ينشأ الولد تحت رعاية تلك الأم المسجونة لعبوديتها باستعذاب شديد، كيف له ان يكون سويا فى الكبر إن نشأ على افكار مريضة فى الصغر؟، وعلينا ان نُقِّر بأن من ساهم فى ذلك بشكل جوهرى هو تلك الأم المُشوَّهة المعايير الفكرية والنفسية الخاصة بمفاهيمها الانثوية عن نفسها وعن كيانها كإمرأة، والتى بالتأكيد ساعدت كذلك على تشوية مفاهيمه الرجولية عن نفسه، فإن كانت مفاهيمها كأنثى عن الاثنى مغلوطة، فلابد ان مفاهيمها عن الرجولة خاظئة كذلك، ومذنبة فى حقها كأنثى وحقه كرجل تحت الانشاء.

وكيف ساهمت فى تحويله من رجل الى مجرد ذكر، وعبثت بمفاهيم رجولته وحولته بقيودها الخاصة على حياتها الى سِجن لها فى المستقبل ولاناث غيرها، فهى من ساهمت بوضع حجر الاساس فى جدران هذا السجن وولته سجّّانا عليها وعلى غيرها، حيث يكبر هذا الطفل وتكبر معه افكاره الذكورية ويتوق الى تطبيق ما تلقنه من امه المُستعبَدة لجهلها، فيخرج الى المجتمع بقيود جديدة يضيف عليها نكهته الشخصية الخاصة، مضيفا اليها بهجة الافتخار بتعاليم السيدة والدته من ربته وسهرت على تعليمه النفسي المشوه هذا!.

وبالرجوع الى وصف الشاعر الكبير حافظ ابراهيم
وفى ضوء التفسير الاجتماعى السابق

يتجلى هنا دور تلك المَدرسة الجاهلة فى اعداد شعب متذبذب الهوية والهوى، ونرى كيف لتأثيرها من اذى بالغ لتكوين الفرد والمجتمع وعلاقاتهما معا!.

لذلك علينا ترقب وادراك

كيف تحولت تلك الانثى من مُقيَّد مُقاد إلى قَيدٍ مُقيِّد؟!

وأن نعى هذا الخطر ونواجهه بذوى الاستنارة من الرجال والاناث معا، لكى نرقى بهذا المجتمع البائس

فإن كان الرحم قيداً فالنسل سجون