حكاية امرأة من بين ملايين النساء



فؤاده العراقيه
2016 / 9 / 6

جلست تحاول ان تجد لحياتها معنى ,لإيجاد ذاتها التي ضاعت بعد ان انكشف وجه زوجها الحقيقي مؤخرا, وجدت نفسها لا شيء في هذه الحياة لكونها رهنت حياتها بهذا الزوج ,وحيدة هي مع ابنائها التي كانت تحلم بصورة لمستقبلهم زاهية, لكن الاحداث الاخيرة جعلت من تلك الصورة في أن تكون مجرد سرابا ,فأضافوا لطعم حياتها مرارا اضافيا .
سرق منها خمسة عشر سنة من عمرها وهي فترة تُعتبر طويلة نسبيا في عمر الإنسان ,عاشت معه تلك السنوات تحت سقف واحد وفي سرير واحد لكنها لم تكشف عن هويته وخفاياه إلا بعد حين , كيف لها ان تعرف هوية رجل أتقن فن الكذب والتلاعب بالألفاظ ليحصل على رغباته ,وكعادة اغلب الرجال الذين ترعرعوا في خضم مجتمع لا يبالي للعقول بقدر مبالاته بالغرائز وكانت النساء تتصدر المرتبة الاولى في قائمة تلك الرغبات ,تعلّم كل انواع الخداع لينال رضاها ومن ثم بدأ الملل يتسرب إلى روحه الخاوية من معالم الحياة وبدأت معه رحلة البحث عن أي امرأة باستثنائها وصار يلجأ اليها في حالة اضطراره فقط.
عاشت سنوات ولم تكن تُصدق أي حكاية من شأنها ألمساس بأخلاقه وستتهم ,كل من يتفوه عنه ولو بكلمة سوء, بالغيرة والحسد وما شابه من خرافات عششت في عقلها منذ طفولتها , افكارها كانت نمطية وساذجة رغم انها طبيبة لكن دراستها كانت محصورة بالطب فقط ولم تضيف لها شيئا سوى معلومات بيولوجية محصورة بجسد الانسان فقط دون أن تقترب من بقية العلوم الضرورية كالفلسفة التي تجعل من العقل نشطا ومتوقدا ,وعلم النفس الذي يُقرّبنا من مكامن النفس البشرية ودراسة سلوكها اجتماعيا والخوض بسيكولوجيتها والبحث في اخلاقياتها ,ودون البحث في تاريخ وحضارة الأمم ليمتد البحث الى آلاف السنوات ولكن بأسلوب مختصر لا يبعث الى الملل ولا يحشر معلومات ويفرض أسماء وتواريخ لا تقدم للعقل أي نفع يذكر بل هو في غنى عنها لكونها مجرد عملية استنزاف مقصود كما هي كتب التاريخ التي ندرسها اليوم .
علاوة على هذا فهي لم تسمع أي كلمة سوء عنه لكون المحيطين بها قد تعلّموا فن السكوت وعدم التدخل إزاء تلك المواقف بتبرير التزامهم للصمت أمام ما يشهدوه من أخطاء بكونهم يفعلون خيرا ويحافظون على تلك العائلة من الخراب بالرغم من ان جدرانها خربة بعد أن بُنيت حجارتها على اساس هش ووضعت فوق بعضها البعض وترتفع شيئا فشيئا لتكوّن جدران متآكلة تكبر وتعلو بتغاضيهم وسكوتهم ورضاهم وقناعتهم عن بناء آيل للسقوط في اي لحظة لكنهم يرممون تلك الجدران كلما اقتربت من السقوط ببضع من كلمات معسولات ليمدّوا بالزمن بها أكثر , ولكن هيهات للخطأ في أن يستمر وخصوصا فيما لو كانت الزوجة طبيبة ولا تزال تحتفظ ببقايا من كرامتها بالرغم من ضيق تفكيرها وبالرغم من كل المحاولات للانتقاص من شخصها وللنيل من انسانيتها كأنثى وكزوجة في مجتمع تنص قوانينه على ان الزوجة درجة ثانية لكنها لا تزال تحتفظ بتلك البقايا .
اختلطت الافكار في رأسها وتعمقت اكثر بعد أن تأكدت من خيانته لها وأول شعور شعرت به هو الندم لوفائها, ومن ثم اختلال بموازينها وانعكاس بمفاهيمها المطلقة فصار الوفاء يمثّل لها غباء ,وما أسموه عدلا صار يُمثّل لها الظلم بعينه .
توقد عقلها لدقائق وبشكل لم تعرف له مثيل من قبل حيث دوران الحياة العقيم لديها كان يمنعها من التأمل والدهشة بالرغم من كل الآلام التي كانت تحيط بها لكن عقلها كان مبرمج على نمط حياة ثابت يمنع عقلها من التفكير السليم.
الم الخيانة اصابها بصدمة جعلتها تتوقف وتتأمل وترفض بشكل قاطع فعل الخيانة ,وألمها هذا شحذ فكرها ونمّى بصيرتها فبدأت ذكرياتها تنهض وكأنها شريط سينمائي يدور مسرعا .
مجتمعها لا يعترف بالنساء مهما تفوقنّ على ازواجهنّ ,رضخت هي للمجتمع وانقادت له واعتبرت نفسها ادنى من زوجها أو صدّقت فكرة دونيتها لكثرة ما تكررت عليها فكانت تغسل له ملابسه برحابة صدر وتنهض صباحا لتُحضّر له فطوره وتُهيأ ابنائها لمدارسهم وبقية الامور التي كانت تقع على عاتقها.
فهل كانت تغسل له ملابسه وتكوي له قمصانه ليُقابل بها عشيقاته ؟
كيف استهانت هكذا بكيانها وبعقلها وقبلت في ان تكون خادمة له بالرغم من انها كانت تعمل خارج البيت اكثر منه ؟
كيف اقتنعت بفكرة مجتمع يُقسّم الادوار ويعطي الحقوق على اساس الجنس دون اي اعتبار للعقل وخصوصا هي كانت تتفوق عليه في مهنتها وفي عقلها ؟
تعالت ضربات قلبها معلنة احتجاجها على الجسد الذي تلوث بيديه على مدار سنوات كانت غافلة بها عنه ,وأعلنت خلايا ذلك الجسد احتجاجا ليس كبقية الاحتجاجات ,حيث انتفضت كل خلية به واقشعرت من تلك الذكريات ,فالإنسان عندما يتحرر تزداد مسؤوليته ومعاناته ,وشعوره بالمرارة يتركز في حالة المساس بكرامته, وتقل تلك المرارة بالعبودية وبانعدام الشعور والكرامة ,وما شعرت هي به كان بطعم لاذع لا يضاهيه أي طعم .
فهل تلتزم الصمت وتستمر في تمثيل دور الغبية وتتغاضى عن خياناته ,وكأن شيء لم يكن, وتضحي بنفسها وتستمر بحياتها حالها حال بقية النساء , هو يمتلك الحق والقانون بأمر سماوي ولكونه كان يعمل محاميا ويعرف كل منافذ القانون الذي حتما سيسخره لصالحه وتخرج هي خالية اليدين, فكيف يحق لها طلاقه او حتى قتله كما يحق له فيما لو تبادل معها الادوار؟
فكرت ,طالما هي من اختارته فلتحافظ على بيتها وأبنائها من الانهيار ؟
لكن الخطأ الأكبر هو ان نحكم على انفسنا بالإعدام وندفع الثمن حياة كاملة لخطأ واحد ارتكبناه لإرضاء مجتمع هو اصلا غارق في أخطاء ومشاكل لا تعد ولا تُحصى ,
فهل هناك من يتعلّم بدون أخطاء والطبيعة تُحتّم علينا ان نخطأ لنتعلم ؟
وهل هناك انهيار اكبر من طعنة السكين بالظهر؟
مهما كانت الحقيقة مرّة فهي احلى من الاوهام ,شعرت بحلاوة الحقيقة رغم مرارتها وشعرت وكأنها كانت في غرفة مظلمة وقذرة والظلام كان يخفي قذارتها .
رغم توقد عقلها لكنها مشوشة وغير قادر على التفكير بعقلانية باستثناء فكرة الانتقام التي سيطرت عليها

ستحكم على نفسها بالإعدام فيما لو تغاضت عن خياناته واستمرت تمثّل دور الزوجة الغبية ,فأي معنى سيبقى لحياتها معه ؟
وستحكم على نفسها بالإعدام فيما لو انتقمت منه شر انتقام ,فأي اعدام ستختار؟
كرهته ولا تريد ان تكره نفسها فيما لو قبلت بالظلم , هي حرّة والموت ارحم لها من تلك العبودية .

كانت شمس الصباح تختلف عن بقية الايام وكأن شروقها كان للمرّة الاخير ,ارتدت ملابسها وانطلقت بسيارتها إلى عملها وفكرة واحدة كانت تسيطر عليها لا تستطيع مبارحتها ,كانت تعد الدقائق وتتمنى ان ينتهي النهار ويأتي الليل لتحقق ذاتها وتنتقم من كرامتها المهدورة وتنتهي من فكرتها.

وضعت في عشائه كمية لا بأس بها من مادة المخدّر القوي الذي كانت تستخدمه في العمليات الجراحية , وبعد دقائق أخذ المفعول يسري بذلك الجسد الشهواني ليسحب منه تلك الشهوات, توقف عقله نهائيا ليتوقف قلبه بعد أن ازرقّ جسده الى ان فارق الحياة.
اتصلت بالشرطة لتخبرهم بالحادثة وهي مذهولة من هول الصدمة , امرأة قاتلة تعني الكثير وليست كالرجل القاتل حيث جريمتها تكون مضاعفة في مجتمع يتساهل بقتل النساء , يحق للرجل قتل زوجته الخائنة غسلا للعار لكون شرفه متمثلا بها ولكن لا يحق للمرأة قتل زوجها , بعد التحقيقات والواسطات حُكم عليها بالسجن , امتلكت الوقت الكافي بسجنها للتفكير بما حدث لها .
سالت نفسها ما الذي جنته من موته الذي هو راحة لأمثاله , شعرت بأنها قد قُتلت مرتين ,مرّة عندما رأت خيانته بأم عينيها ومرّة عندما لوثت يديها به ,كان الاجدر بها لو إنها انتقمت منه وهو على قيد الحياة بعد مواجهته لا ان تلوث روحها النقية بدمه الملوث .

دمتم بوعيكم سالمين