ثنائية السيد و العبد مقلوبة : تضامنا مع الفتاة السمراء صبرين



محمد محسن عامر
2016 / 10 / 6

عندما كنت طفلا في نفطة كنت في حالة وجد مع " ملعب الصطمبالي" الذي كان يقام في البيوت عند الإحتفالات أو لأساب استشفائية مرتبطة بفكرة المس الشيطاني و لبس الجن . كنت أظّل ساهبا في مشهد أؤلئك الذي يرقصون باستعمال النار وسط غمام من بخور الجاوي الكثيف الذي يخلق برزخا بين ساحة الرقص و المتفرجين و العازفين على الطبول و "الشقاشق" و أصوات الغناء الزنجي الغير مفهوم و الصراخ كلها تركب مشهدية صوفية خارقة متماهية مع إيماننا الشعبي مع هذا المشهد الشيطاني المفارق ..ما علق في بالي وقتها كلمة كانت تقال عندما تقام هذه الحفلة الصوفية في منازل السكان ذوي البشرة السمراء وهي عبارة "الأحرار على برّة" بمعنى أن الحفلة حكر عن أصحاب البشرة السمراء .
هناك نوعان من العنف الجندري و العرقي الذي ممكن أن يمارس ضد الإنسان انطلاقا من موقف معادي لجنسه و لونه و عرقه , عنف مادي واضح يكون بالتمييز أو الإعتداء الجسدي أو الإغتصاب أو حتى التصفية الجسدية و يكون الجاني هنا مستقلا أي متمايزا عن المجني عليه .. و لكن الأهم هو شكل أخر من العنف غير الواعي (عنف رمزي ) يمارس كألية للإنتهاك و الإعتداء على المختلف يكون أحيانا الجاني فيه أحيانا هو المجني عليه نفسه كأن يستبطن أحدهم أن أنه " وصيف" أو "شوشان" أو أن المختلف الأبيض "حر"..
العبودية و إن انتهت و لكن تاريخ التمييز ضدهم ضارب في العراقة في اللاوعي الشعبي . ففي وعي سؤال الذاتية مازال غائبا و قوى مجتمعية تتبنى تكتيك التماهي مع السائد , تواصل أليات التفريق المجتمعي المنبثقة من بنية سلطوية تستلهم من الأنا التقليدي العريق كل شيئ و تعرّف نفسها من خلاله . بالتالي تتواصل كل قواننين تعريف البشر و الأجناس من منطلقات التراث الذي تحول إلى "زونبي" ميت يتحرك و يؤثر في الواقع و يواصل تدخله الهنيف في ثناعة الهويات .
العنف الرمزي الصامت ضد السود مازال متواصل من استعمال النادلين السود في النزل لإضفاء جوّ استرجاعي يحيل على زمن سخرة العبيد حتى التذكير الأبدي بكونهم عبيدا سابقين عبر منحمهم ألقاب شوشان أو عتيق . هذا الشكل الرمزي من العنف يستبطنه حتى التماهي أصحاب البشرة السمراء أنفسهم بتعمدهم عدم الإختلاط و التزاوج مع البيض و نحوهم للسكن في أماكن محصورة على السود , و لإن كانت ألية دفاعية مقاومية ضد تميز صامت ضدّهم إلاّ أنها ردة فعل سلبية تعترف بطريقة ضمنية بهذا التمييز و تتماها معه .
حادثة الإنتهاك العنصري للفتاة صبرين ليست حادثة معزولة و إنما هي فصل من رواية مجتمعية ركيكة يقوم فيها العبد المستمتع بعبوديته بانتهاك إنسان يكافح من أجل إنسانيته الحرة .. هذا الوعي الذي يشبه شطحة شياطانية يتخبّط فيها المعاتيه تحجب عنهم أبخرة التخلف الكثيفة رؤية أنسهم كمواطنين متساوين مع غيره على قاعدة التشارك المواطني في الأرض و التاريخ و الثقافة فيكونون في نهاية المطاف دراويش معاتيه يزيدون على عتههم و عبوديتهم تصورا مقززا تجاه الأخر "العبد" أو "الكحلوش" أو "الشوشان " يعميهم عن رؤيته حقيقة عبوديتهم هم أنفسهم .. هذا الإنتهاك عرى عبودية و أظهر حرية في نفس الوقت ,عبودية المنتهك لوعييه المتخلف و حرية الضحية الذي يكافح و يصرخ من اجل حريته .. لستقط كل أشكال التمييز العنصري في تونس.