المرأة السورية والثورة



جورج كتن
2016 / 10 / 6

شاركت المراة السورية الى جانب الرجل في الثورة السلمية ضد النظام الاستبدادي الذي اذاق السوريين رجالا ونساء دون تفريق اشكالا متعددة من القمع والاذلال . وكانت مشاركتها الواسعة في المرحلة السلمية في التظاهر والاعتصامات والقاء الخطب في التجمعات الشعبية وتوزيع النشرات والاشتراك في اطلاق الاحزاب الجديدة وتحرير صحف الثورة وتشكيل التنسيقيات والنشاطات الاغاثية وغيرها. كما نالت نصيبها من الاعتقال والاختطاف والتعذيب والقتل والاغتصاب والترحيل واللجوء، وتحملت المسؤولية عن اعالة اسرتها عند اعتقال او استشهاد المعيل. وقد تراجع هذا الدور عند الانتقال لمرحلة حمل السلاح بعد هيمنة الفصائل الاسلامية المسلحة.
لكن النظام الاستبدادي رغم ادعائه العلمانية، لا يتقدم كثيرا في مجال التعامل مع المرأة قبل الثورة واثنائها، قانونه للاحوال الشخصية ترك للمؤسسات الدينية حرية التصرف فيما يتعلق بالتشريع. وهو قانون يميز بين المرأة والرجل في امور الزواج والطلاق والوصاية والارث وغيرها. فالمرأة لا تستطيع تزويج نفسها دون موافقة ولي امرها، حتى في حالة طلاقها او وفاة زوجها، علما بان حقها في الطلاق تعنرضه شروط صعبة فيما ان الرجل يطلق باسهل الطرق. وفي الزواج المختلط يحق للمسلم ان يتزوج من غير المسلمة فيما لا يحق للمسلمة ان تتزوج من غير المسلم، وترفض السلطة اصدار قانون للزواج المدني. كما ان المرأة محرومة من اعطاء جنسيتها لاولادها، وهناك قيود على تنقلها وسكنها، ولا يعاقب القانون اجبار الزوج لزوجته على المعاشرة، ويعفى المغتصب من العقوبة فيما لو تزوج من ضحيته. وطوال جكم البعث عوقبت جرائم الشرف بالسجن لاشهر الى ان رفعت ل5 سنوات، دون الوصول لعقوبة القتل العمد المشابهة لها التي تحكم بالمؤبد او الاعدام، مما شجع على ارتكاب عمليات قتل واسعة للنساء بحجة "الشرف!".
كما ضيق النظام على اي نشاط نسائي مستقل لتحصيل حقوق المرأة، وعلى الجمعيات النسائية المدنية المشكلة قبل الاستقلال وبعده وكان لها دور كبير في نضال المرأة، وحول الاتحاد النسائي من "نقابة" تدافع عن المرأة وحقوقها الى جهاز سياسي تابع للامن يقيد اي نشاط نسائي سياسي او اجتماعي او ثقافي لضبطه ضمن توجهات السلطة. فيما سمح رغم علمانيته المزعومة بانتشار تنظيم "القبيسيات" الرجعي المكرس لتطبيق قيود متشددة على المرأة والمجتمع. وانضم ل"الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة"، لكنه تحفظ على مواد فيها تناقض تعامله التمييزي ضد المرأة. كما تعامل مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية المشابهة بانتقائية تفقدها تأثيرها في تطوير حقوق السوريين من نساء ورجال.
ليست حال المراة بافضل في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، بل انها اسوأ حسب الفصائل المسلحة المهيمنة عليها والتي تتراوح من اقصى التشدد كما في مناطق داعش الى الفصائل الاسلامية المعتدلة. فبدل ان تجد المرأة حرية اوسع في المناطق المحررة تم التضييق عليها ففقدت حقوق كانت قد حصلت عليها بنضال طويل. وذلك لما يسود في اوساط الفصائل الاسلامية من مفاهيم متخلفة تصنف المرأة في مرتبة ادنى من الرجل، حيث المرأة "ناقصة عقل ودين" مهمتها منزلية فقط لرعاية اولادها وارضاء زوجها القوام عليها.
علا صوت السلاح على اصوات الناس المطالبة بالحرية للجميع، بحيث اصبحت السياسة تنبع من فوهة البندقية، فحامل السلاح لا يتحكم فقط في السياسة العامة بل عمل لفرض قيود اجتماعية متشددة على الجميع وخاصة النساء، وبرر ذلك بنصوص دينية وعرف سائد، بالاضافة لبنية مجتمعية متخلفة ذكورية التوجه وخاصة في الارياف، تنسجم مع ما يهدف اليه الاسلام السياسي من ابقاء المرأة ضمن قيودها ومنعها من تحصيل حرياتها. وافضل مثال على التعامل مع المرأة الناشطة خطف رزان زيتونة وسميرة الخليل ورفاقهم اثناء تأديتهم واجبهم الثوري في مناطق يهيمن عليها الاسلام السياسي.
التضييق على الحريات في "المناطق المحررة" يتناول الجميع رجالا ونساء، لكنه اكثر قساوة بالنسبة للمرأة. وبذلك تراجعت المشاركة الواسعة للمرأة في الفترة السلمية الى ادوار ثانوية تكاد لا تتجاوز المقرر لها حسب النصوص المستقاة من الدين، فيما عدا بعض النشاطات الاغاثية . اما في المحال القتالي فقد اقتصرت على مشاركة جزئية، كما في الملتحقات بالقوات الكردية، او قوات النظام حيث اوكل لمجندات تفتيش النساء على الحواجز، أ و اشراكها بمناطق داعش في كتائب امنية نسائية خاصة بملاحقة النساء وقمع مخالفاتهن للقيود المفروضة.
اما مشاركة المرأة في المجال السياسي وصنع القرار فقد كان محدودا جدا في اوساط الائتلاف والمجالس المحلية رغم اعتبارها المؤسسات الاكثر تقدما في اوساط المعارضة، ويكاد يكون تمثيلا شكليا او نوع من الديكور لاظهار ان الائتلاف بوجه "حضاري" امام الجهات الداعمة. وفي المجال الاعلامي للثورة تمنع اعداد من صحف الثورة في "المناطق المحررة" لاسباب تافهة مثل وجود صور ل"متبرجات" فيها. رغم الدور الكبير الذي تقوم به في تغطية قضايا المرأة السورية ودعم حقوقها ومشاركتها. وربما ينتظر المرأة مستقبل اسوأ في حالة وصول تنظيمات الاسلام السياسي للسلطة.
ما يمكن استنتاجه من مسيرة الحراك النسائي السوري ان المرأة لن تحصل على حقوقها الا في ظل نظام ديمقراطي علماني يقطع الطريق على تطبيق شرائع دينية لا تتوافق مع العصر ومع المسيرة الانسانية الحضارية.
الثورة لا تكون ثورة فعلا ان اقتصرت على اسقاط نظام ليليه آخر يعيد التضييق على الحريات وبشكل خاص حرية المراة التي يقاس بها مدى تقدم البلدان والشعوب. لن تكون ثورة ان لم تسن قوانين تقدمية، تناقش مسوداتها منذ الآن، وبخاصة قانون عصري للاحوال الشخصية يعتمد كمرجعية الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود والاتفاقيات الدولية المتممة له، والخطوة الاولى في هذا المجال تشكيل منظمات نسائية لا تتبع النظام او المعارضة او اية جهة سياسية، تمثل المرأة وتعمل من اجل حقوقها ومساواتها بالرجل.
*كاتب من سوريا - [email protected]