المرأة بين وطأة الأديان و أيديولوجيا الحضارات



بان علي
2016 / 10 / 10

لن أخفيكم سرًا فكرت مُطولًا بعنوانٍ أجملٍ وأكثر حِبكة من هذا لكني لم أصل لغايتي، فكلُّ العناوين كانت تبدو للوهلة الأولى جميلة ومُلفتة لكنها لا تعبر بالقدرِ الكافي عن واقعِ المرأة المُريب، أحتاج في هذا المقال لعناوين طويلة، وعريضة أو ربما ليافطة أكتبُ فيها (لستُ مواطنًا من الدرجة الثانية) !
حسنًا، لا جدوى من اليافطة والعنوايين المُملة، وحتى النقاشات الجادة أصبحت غير مُجدية مع هؤلاء فلديهم من الدلالات ما يكفي لإسكات صوتي وفق الدين، و المنطق الّذي يستسيغه أصحاب العمائم الوضيعة وعُباد المنابر الوثنية، إنّني ناقصةُ عقلٍ ودين ولا أصلح للولاية كما يزعمون وغيرها من الأقاويل الساذجة، لا أعتقد أن هناك إمرأة واحدة على الأقل لم تسمع أو تُنعت بـ (ناقصة عقل) وفقًا لما جاء به الحديث النبوي، بل إنّني أرى بعض النساء يتغنيّن به من بابِ الفخرِ والقناعةِ التامة لأن الحديث لم ينقص من قيمتهن شيئًا -بحسبِ رأيهن- بل زاد منها كما مُلأت عقولهن بالزيفِ من قبلِ الكهنةِ وتجارِ الدين، فلقد أستغل شيوخ الدين والفقهاء الهيمنة الذكورية الّتي كانت ولا تزال مسيطرة على جلّ المُجتمعات بشكلٍ عام والمُجتمعات الشرق أوسطية بشكلٍ خاص، ذلك من أجلِ ترسيخ مفاهيم خاطئة و مُفبركة تُهمش دور المرأة وتحطّ من قيمتها كأنسانة أولًا، وأنثى ثانيًا وذلك عن طريقِ تركيبِ الألفاظِ والتلاعبِ بها، ناهيك عن تجاهلِ القيمةِ الزمانية و المكانية للنص التي لا بدّ أن تكون نصب أعيينا عند ذكر أي حديث شريف أو نص قرأني، علاوًة على ذلك التجاهل المتعمد للبحوث العلمية الّتي تؤكد على عدم وجود أي أختلاف في مستوى الأداء بين دماغ الرجل والمرأة بالرغمِ من أنَّ أدمغتهن أصغر حجمًا بنسبة 8%.
يقول تريفور روبينز، أستاذ العلوم العصبية بجامعةِ كامبريدج البريطانية، إن نتائجِ الدراساتُ الأخيرة تبين أن الحجم لا يهمُ بالنسبةِ للمرأةِ، وأضاف "الحجم الأقل يمكن أن يمثلُ تعبئة أكثر كثافة للخلايا العصبية أو إشارات أكثر نشاطًا بينها. وهذا يعني أنها تعمل بكفاءةٍ أكثر"، وقال أيضًا "البحث يشير إلى أنه كلما كان الحصين في المرأةِ أصغر حجمًا كان أداؤه أفضل. وحجم البنية لا يشير بالضرورةِ إلى أي علاقةٍ بمدى كفاءة الأداء" وهذا يعني أنَّ دماغ المرأة أكفأ من دماغِ الرجل وفقًا لهذهِ الدراسة.
ما المانع إذن من عدمِ وجودِ امرأة نبيّة لأحدى الديانات الإبراهمية أو الوضعية؟ يجيبُ العلم على هذا التساؤل بشكلٍ تفصيلي لكني سأكتفي بمرورٍ صغير على أهمِ ما جاء فيه، وجدت الدراسات الحديثة في مجال الطب النفسي الجزيئي (Molecular Psychiatry)، في الكثير من البحوث أنّ معظم المجرمين من القتلة ومغتصبي الأطفال يعانون من اعتلال ومستويات غير طبيعية من الدوبامين، ففي دراسة واسعة أجريت على 11 ألف شخص بَينت الأحصائيات على وجود علاقة قوية جدًا بين هذا الطراز الوراثي والسلوك والنظرة العدائية للمجتمع عند الشخص، اللطيف هنا أنّ الدراسات أكدت أنّ احتمالية وجود اعتلال بمستوى الدوبامين نتيجة لهذا الطراز الوراثي في النساء نصف أحتماليه وجود هذا الاعتلال عند الذكور، بسبب امتلاك النساء نسختين من الكروموسوم X وبالتالي نسختين من اليل جين MAOA فإذا كان احداهما معطوب (يحمل الطراز العدائي) سيكون متنحي ليكون الآخر الطبيعي هو السائد ويشفر لأنزيم الاؤكسيديز الطبيعي، وبالتالي يكون مستوى الدوبامين طبيعي إذ يتطلب كلا النسختين أن تكون طافرة لينتج اعتلال في الدوبامين. أما الرجل فهو يحتوي على نسخة واحدة من كروموسوم X فلا يتم تعويض الخطأ إذا حدث في هذا الكروموسوم.
هذهِ الدراسة تذكرنا بمجال آخر غير العلاقة البيولوجية وتأثيرها على الأضطرابات والسلوكيات العامة لدى الإنسان، فعلماء النفس يؤكدون أنَّ النساء أكثر لطفًا من الرجال ولا يحبذن الصراعات، وأرجح أنّ هذا هو السبب الأول في أبتعاد المرأة عن قيادة الحروب والصراعات السلطوية لأن الأديان تتطلب دعوة للصراعات لنشرها والدفاع عنها فكان للرجل الأفضلية في ذلك.
لم يكن حال المرأة قديمًا أفضل بالنسبةِ لحال المرأة الآن، فأغلب الحضارات القديمة حجمت من دور المرأة ونالت منها الكثير حتى باتت ممسوخة الهوية، ومسلوبة الحريّة فالمرأة عند الأغريق شجرة مسمومة، وكانت محتقرة مهينة حتي سموها رجس من عمل الشيطان! وكذلك الأمر لبقية الحضارات كالصين والهند والرومان والفرس.
السؤال الّذي يفرضُ نفسه الآن ما السبب وراء إضطهاد المرأة على مرِ العصورِ الغابرة والمعاصرة؟ هل كان للأديان يدًا لا يستهان بها في ذلك أمّ أنَّ الخضوع غير المُبرر للمرأة لعب دوره الأساسي في أستمرارِ دوامةِ الأنقياد والمسكنة للرجل حتى اللحظة؟ في الحقيقةِ الإجابة على هذا التساؤل يتطلبُ بحثًا وتحليلًا دقيقًا للوصول إلى إجابة شمولية وشافية غير إنّني سأكتفي بالعروج على أكثرِ الأسباب أهميةً في أستمرار الواقع الهش للمرأة بشكلٍ عام والّتي تتلخصُ بالعاملِ الثقافي و الأيديولوجي للمجتمع إذ أنَّ إضطهاد المرأة لم يقتصر على مجالٍ محدد أو طريقةٍ واحدة بل تعددت بحسب التوجهات الفكّرية والثقافية للمجتمع والحضارة الّتي تدحرج منها، ويعتبر العامل الديني سببًا آخر في تعزيزِ الهيمنة الذكورية من خلال أستخدام النصوص القرأنية والأحاديث النبوية بصورةٍ دوغمائية تستخدم أسلوب الفرض والتشريع السماوي سلاحًا في سبيلِ إخضاع المرأة وإسكاتها باسم الدين ولستُ أستثني دينًا معينًا من ذلك فكلّ الديانات الإبراهمية ساهمت بصورةٍ أو بأخرى في تعزيز هذا الدور من خلال كهنة الدين ورجالاتهِ، أخيرًا يلعبُ التمييز الطبقي الّذي ساهم بصورة مباشرة في خلقِ صراعٍ طويل الأمدّ سببًا مهمًا في جعل المرأة مسيرة أمام خيارٍ واحد يحددُ من هويتها بحسب الطبقة الّتي تنتمي إليها كأرتداء الحجاب من عدمه، أو الذهاب للعمل والأهداف الّتي تقعُ وراء كل منهما.
منذ اللحظة الأولى الّتي تدرك بها الأنثى إنها أنثى يبدأ سيل من الأسئلة المتراكمة ينهمرُ في ذهنها، ولعل أكثر السؤالات ضياعًا هو: لماذا ولدتُ أنثى ؟!

المصادر العلمية: مجلة ديلي تلغراف البريطانية
و مجلة الطبيعة Nature