نعمة الاخيرة



مارينا سوريال
2016 / 10 / 22

انا الان فى طريقى الى هناك لو صديقتى كانت هنا لاخبرتنى اننى مجنونة وبحاجة لرؤية طبيب فى الحقيقة انا ارى طبيبى منذ سنوات منذ ان عدت هاربة بمفردى وتركت زوجى وابنى هناك فى بلاد الثلج بمفردهما دون ان اترك من خلفى حرفا واحدا حدث هذا فى صبيحة اول يوم دراسى لابنى حازم فى صفه السادس اوصلته صباحا بسيارتى مثلما اعتاد واتجهت الى البيت حملت حقيبتى التى اعددتها بعناية بعد ان سافر رشيد ليلقى محاضرة فى ندوته عن الشرق الاوسط ..راقبت يدى المتورمة بعد ان تعمد اغلاق احد الادراج عليها حتى اصرخ فلم افعل ..اعلم ان نعمى ماتت سأعود حيث المدينة القاهرة بلا نعمى ولا نعمة واخواتها ولا قصة سليمان الذى سحر ابى من خلفه ورحل ..استأجرت تلك السيارة لانى لم اعد استطيع القيادة بيدى ..لايزال الطريق مرهق وطويل سيارات مكدسة طرق غير مرصوفة اراقب الحيوانات والفلاحات فى الاراضى على الجانبين هل تغيرت حياتهم عما كنا فى السابق لايبدو,,قديما قالوا لنا ان جدى الاكبر كان من الرحالة الكبار وانه لم يمقت فى حياته اكثر من الفلاحين وان لعنة اصابتنا حتى نزرع الارض ونمث الى جوارها ترى كيف كنت سأبدو اذا كنت بدوية تتجول خلف راعى او ترى اغنامها وتعيش وسط الصحراء مع الذئاب والثعابين وتنام الخيام ولاتخشى هبوب الريح..هل كنت حينها ساتخلص من نعمى واحظى باخرى تحبنى بدل تلك ..لما كرهتنى الى كل هذا الحد وضحت بى ؟ لم اعرف اجابة كلما اشتد بى الامر لعنتها فى سرى ثم بصراخ مرتفع غيرمهتمة بمن يتطلع لى من حولى يرددون مجنونة لا باس لقد استطعت ان احيا برغم كره نعمى لى..تصطدم راسى اشعر بالدوار لااتذكر ان الطرق كانت بهذا السوء كيف كنت اسير فى الاراضى غير المرصوفة ..كانت صورة كبيرة معلقة على مدخل قريتنا رايتها من قبل كانت مرسلة لى عبر الايميل انها لمنصور ولد جليلة الذى مات هناك وسط النيران احترق جسده باكمله ..مات دون ان يعلم انه يشبه جده كثيرا ربما اخبروه ولكن لالا جليلة لم تكن لتتحدث عنه ابدا..
كما هى تجلس ممددة على اريكتها تراقب كنت اعرف جليلة اكثر من الاخريات بل هى فقط من عرفتها كنت على بعد خطوات منها راسها ارتفعت قليلا حدقت بعينى عرفتنى ..
كانت فتاتاها يحضرن ما تبقى لديهن من طعام العزاء وضعن طبليتهن حرصن على كل شىء كما لضيف اعتقدوا اننى صحفية او موظفة جئت اخبرهم عن موعد استلام معاش منصور واموال الشهيد التى استحقها يقولون انه مات واقفا مع زملاء اخريين علمت ان هناك فتى اخر من البلدة رحل اسمه سعيد ..
راقبت هالات الفتاتين السوداء وهن يراقبن جليلة لم تحرك عيناها عنى ..لم اكن نعمة التى هربت منذ عشرون عاما واكثر بل اخرى قريبا ربما تصبح جدة لفتاة او فتى لن تعرفه وابن هجرها ليعاقبها على هجرها لانه لم يفهم الخوف بعد كل تلك السنوات لاتزال عيونك مثلما كانت دوما يا جليلة ..لمحت اندهاش الفتاتين انسحابهما سريعا..
اين الباقين ؟سألت
جليلة انها انا نعمةاتذكرين من قبل قلت سأعود ..اعرف ربما تاخرت ولكن حدث الكثير لم اكن بمصر وعندما عدت كنت متاخرة ..حسنا لا ارى زوجك اين هو ؟
كانت تحدق بى ولا تجيب سمعت احدى الفتاتين من بعيد تهمس انها لم تعد تتحدث بعد المرحومة ..رددت كلمتها الاخيرة بحدة وكأنها تلومنى لااعرف لما شعرت بانى مسئولة ربما لو جئت مبرا لساعدت حنان هل كنت لامنع الموت عنها ..كلانا انا والبنات يعلم ان جليلة من حملتها على الرحيل انا اعلم عينى جليلة ونعمى كلاهما بداخلها
همست لما فعلت ذلك ان كنت احببتها كل هذا الحب؟
ردت ببطء:انها ..ابنتى
اعلم لم ارها اكانت تشبهك ام تشبهنى ؟ابتسمت لم تبادلنى الابتسام
نعمى زارتها اختارتها واخدتها منى
لاحظت اننى نسيت حتى لكنتنا اصبحت امراة من اللواتى اكرههن متكلفات لم انسى انى ولدت هنا فلاحة
عمرها انتهى ياجليلة نعمى ماتت
نعمى مامتتش نعمى لسه عايشة هنا .اشارت لقلبها وعقلها
نعمى نفحت فيا روحها من زمان وانا بخبى وادراى عرفاش سيبته ليه ..تطلعت الى دكان نصحى البقال
واكملت عشان متاخدوش منى هتاخده زى اى حاجة حبتها محبتش اكثر من منصور وراح وحنان كانت انا يا نعمة وخدتها امك ..بتكرهنا كدة ليه مش هى دى امنا مش زى كل امهات الدنيا ليه مفتحاش بيتها لعيالها ليه يا نعمة..
صدقينى بره مش امان لو كنت قدرت كنت رجعتلك يا جليلة ابنى هناك مش هشوفه تانى معوزنيش وانا مش نعمى قالوله سيبته وانا مسبتوش مسمعنيش يا جليلة .
عايش يا نعمة لو منصور كان بعيد ويعيش خدوه منى للموت هناك هناك كان بيته دورين طوب احمر شقا سنينى بنتهمله عشان يتجوز كانت حنان هتكون هناك كمان مع جوزها...اخدوه منها هو التانى مكنش ينفع تعيش يانعمة مكنش ينفع كان لازم تموت وتحصله قبل ما تفضحنا ..
سافرت ورجعت ولسه الناس
عارفة لسه مينسوش نعمى من سنتين راحوا الباقيين حتى بصيرة راحت كمان كانت امى يانعمة زى ما كنت امك.
تجولت فى قريتى ابحث عن تلك الشجرة التى اعتقدت انها ماتت وجدتها قوية ضاربة فى الارض رأيت فتاة تبكى الى جوارها سمعت صوت انها الشجرة تنادى من بعيد ارتعشت ..نعمة..نعمة .