ختان الاناث في بعض جمهوريات روسيا : جريمة لم يلتفت لها القانون



فالح الحمراني
2016 / 11 / 12


اثار الكشف عن معطيات باستمرار ممارسة ختان الاناث في بعض مناطق جمهورية داغستان الواقعة في شمال القوقاز ضجة واسعة وردو فعل متباينة، في روسيا. وراح الوضع يتطور بسرعة بعد 15 أغسطس، حين قدمت منظمة حقوق الإنسان "المبادرة القانونية لروسيا" في هذا اليوم تقريرا بحوالي 60 صفحة عن " عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث". واعتمدت فيها على نتائج بحوث أُجريت في داغستان. وتقول الوثيقة : ان العمليات تجري في كثير من الأحيان بعيدا عن عيون الجهات المسؤولة،وخفية في المنازل، وفي حالات نادره في المستشفيات، ولكن مقابل اسعار فاحشة، دون التقييد بالمعايير المطلوبة، والناس الذين يقومن بها - ليس لديهم الخبرة ولا التأهيل الطبي. وفي الأساس تتخذ الوالدة أو أقاربها الكبار من جهة الإناث - العمة أو الجدة قرار اجراء عملية جراحية للفتاة. ويجري الختان للفتيات دون سن ثلاث سنوات، وفي حالات نادرة يصل إلى 12. ويُدعى ان الغرض الرئيسي من إجراء العملية هو خفض الحساسية الجنسية. ومنذ فترة طويلة ثمة تصور خاطئ بأن الرغبة الجنسية لدى الفتاة تنخفض بعد الختان وتكون اقل درجة.
وعلى حد قول "الكسندرا سيراجالدينوفا" التي شاركت باعداد التقرير : ان تقاليد ختان الأناث في داغستان بدأت في اعوام ال 2010 وانتشرت في المناطق الجلبية النائية بالجمهورية القفقاسية. وعلى حد معطيات سيراجالينوفا فالمرء لا يصادف عادات ختان النساء في مناطق روسيا الاخرى، وفقط في جماعات مغلقة وفي حالة منفردة بالشيشان. وتؤكد سيراجالدينوفا : ان هذه العادة كانت منتشرة في بعض مناطق شمال القفقاز حتى في عهد الاتحاد السوفياتي السابق للفترة من ثمانينات وحتى تسعينات القرن الماضي. وتربط انتشارها بانتعاش التيارات السلفية الغريبة على المنقة التي غزت تلك المناطق.
ومن الضروري التوضيح أن ختان الإناث منتشر في بعض البلدان الأفريقية والشرق أوسطية، وهذا التقليد غريب جدا على روسيا ولم تلتفت له قوانينها، وحسب البيانات المتوفرة فتجري تلك العمليات بشكل رئيسي في داغستان والشيشان بشمال القوقاز.
تباين في التاويل
وعلى خلفية جذب هذه القضية إهتمام الرأي العام، تحدثت عنها العديد من الشخصيات الشهيرة في مختلف المجالات، فيما بزر تباين حاد في المواقف منها حتى بين الدوائر الاسلامية الروسية، وتفاعل معها رجال دين مسيحيين وفعاليات اخرى. وعلى وجه الخصوص قدم رئيس مركز "التنسيق لمسلمي شمال القوقاز" - المفتي إسماعيل بيردييف دعما لختان الإناث، وشدد على أن الإسلام لم يقضِ بختان الأناث، بيد انه مطلوب لضمان "تصفية كافة اشكال الفسوق من على الارض، ولكي تنخفض الممارسة الجنسية." علاوة على ذلك، دعا الى ختان " كافة النساء". بيد انه وعلى خلفية الضجة التي اثارها تصريحه تراجع عن كلامه، مشيرا الى استحالة ختان كافة النساء على الكوكب الارضي. واضاف " ان هذا غير ممكن".
وتفاعل رجال دين من الكنيسة الروسية مع المشكلة. ودعم الشخصية الاجتماعية المعروفة القس "فسيفولد تشابلين" المفتي. واشار الى ان هذا التقليد متواصل على مدى قرورن، وتعترف به النساء في العديد من الدول ويحق للمسلمين ممارسته. وفيما قارن ختان الاناث بختان الذكور اعتبر تشابلين " ان الامر لايتطلب ختان كافة النساء، لأن النساء المسيحيات المؤمنات فعلا في روسيا ، لا يمارسن الفسوق."
ومن ناحيته اكد مجلس افتاء مسلمي روسيا ان ختان الإناث غريب تماما عن التقاليد الاسلامية. وقال نائب رئيس مجلس الافتاء الشيخ "روشان عباسوف": "ان سبحانه وتعالى يحرم ممارسة أية عملية تلحق الضرر ببدن عبده"، وليس هناك اي أساس للقول الذي يدعي بان ختان الأُناث يساعد على ترويض الشهوات البدنية. وقالت "يوليا انتونوفنا" التي شاركت بوضع التقرير المشار اليه الى انها وزملائها كانوا يتوقعون انطلاق اصوات بين رجال الدين لصالح الختان. واضافت : بيد ان الكثير من منهم لم يتمكن من العثور على آيات صريحة في القران الكريم وفي النصوص الاخرى توجب وتحلل مثل مثل هذه العملية، وان الخبراء يشيرون الى ان هذه الممارسات تجري في مناطق داغستان الجبلية النائية ، وليس لها اثر في السهول.


و أصبح معروفا أن مكتب المدعي العام سوف يحقق بمعطيات التقرير عن ختان الإناث. وناقش الراي العام على نطاق واسع كشف الحقائق، كما تساءل كثيرون عن لماذا لا تزال في القرن ال21 في بلد مثل روسيا، تقاليد تعود جذروها الى العصور القديمة. واندلع الجدل في المشهد الإعلامي الروسي بقوة متجددة حول هذه الطقوس تلك الغريبة القاضية بتشويه الأعضاء التناسلية بصورة بشعة، وتزايدت نتيجة لهذا تعليقات الأشخاص الرافضين والذين يحاولون اقناع العام بعدم التهويل بتداعيات تلك العمليات رغم تنافيها مع القيم الدينية والطبية. .وتصاعدت الانفعالات الساخنة حول اجراءات ختان الاناث، بعد ان كشف صحفي غير معروف بقايا ممارسات العادة الخبيثة. واثارت تقاريره صخبا واسعا، ووصل صداها الى اروقة الامم المتحدة التي طالبت بالتحقيق بها. والتقطها كتاب الرأي والمغردون في الانترنت، وواصلت منظمة حقوق الإنسان "المبادرة القانونية لروسيا" التحقيق بالموضوع ونشرت تقريرا مثيرا بشانه.
تقيمات اولية
ورغم الصعوبات التي واجهت دعاة حقوق الانسان في جمع المعلومات عن حقيقة مدى انتشار الظاهرة اللانسانية، واستطلاع رأي سكان المناطق التي تمارسه وتحفظات الخبراء في الادلاء ببيناتهم، فان التقرير، وبعد المسح الذي قام به واضعوه، خرج باستنتاج مفاده ان 25 ألف من النساء في المناطق التي جرى فيها الاستطلاع تعرضن لمثل تلك العمليات وان ممارستها فعلا تجري في بعض المناطق السكنية في أعالي الجبال والقرى المتنقلة في سهول داغستان.
وتنتشر ظاهرة ختان الأناث على الأغلب وسط سكان شرق داغستان، ولاسيما بين ابناء القومية "الافارية" التي تشكل المكون الاساسي لسكان الجمهورية، وبدرجة رئيسية من مناطق "تلياراتين ـ 30" و " تسومادينسك" وبين الاقليات القومية التي تقيم في كنفها. ومن الصعوبة الان حصر عدد النساء اللواتي تعرضن لمثل هذه العمليات. وحسب البيانات الشحيحة المتاحة، يمكن الاستنتاج بان عشرات الاف النساء تعرض لعمليات ختان الاناث. واظهرت التحقيات ان تقليد ختان الاناث مورس في وقت سابق ايضا، في مناطق "آفارية" اخرى بتاثير من سكان مناطق "اندياسك". وكممارسة الزامية مورست في مناطق "جومبيتفسك" و" اونتسكولسك" حتى عام 1990
واعتمادا على اراء النساء من المناطق الجبلية النائية اللواتي شاركن في الاستطلاع يمكن القول ان السكان المحليون يدعمون تماما ممارسة ختان الاناث في مناطقهم. ويعتبر في الوقت الحالي طقسا ملزما يتوجب على كل فتاة المرور من خلاله، وينبغي الحفاظ عليه مستقبلا. وافادت غالبية النساء المشاركات في الاستطلاع : ان بناتهن اجرين الختان او انهن سيجرين العملية. ولسان حالهن يقول " على كافة المسلمات القيام بذلك، فمن دونه لا يمكن ان تكون المراة مسلمة. هذا واجب، وسنة، لقد اجري لي وساجريه لبناتي وحفيداتي".
واشارت النساء خلال المحادثات ان الخوف يركب الفتيات قبيل العملية ولا يفهمن معناها. وذكرن ايضا ان الفتيات وبعد ان يجري لهن الختان يثرن مخاوف بعضهن البعض الاخر من هذه العملية ويتبادلن مع اخواتهن مشاعر المعاناة عن ما " فعلوا بهن". بيد ان اللواتي شاركن في الاستطلاع لم يعرن الاهتمام للجانب الانفعالي من الممارسة ولا للجانب الطبي، نظرا لانهن يرين ان " العملية كانت في السابق صحيحة اكثر، اما اليوم فيقومون بالخز وحسب".
وفي تفسير اجتماعي للقضية يرى الخبراء ان الفضاء المعلوماتي في المجتمع القروي، يمنح، كما هو معروف، فرص طيبة للفتاة التي تطمح للزواج، قائمة على سمعة العائلة. ويمكن الاستنتاج بان الختان، بالنسبة لمن شاركن في الاستطلاع، يعني البرهنة والاعتراف بانتماءهن التام لمجتمعهن، وارسال الإبنة او الحفيدة او القريبة للختان، يعني التعبير عن التضامن مع المجتمع، ودعم سمعة العائلة الكبيرة فيه، وبالتالي ضمان استمرار سلالة العائلة. ولا يعني ذلك عدم وجود حالات من النساء اللوائي يتهربن من الختان ولايرين فيهم تقليد الزامي كما كان في الماضي، وخاصة بين بنات العوائل النازحة التي لا تتقيد بطقوس وعادات سكان المنطقة.
خبراء ومحتجون
واثارت البيانات عن ممارسات ختان الأناث في بعض داغستان صدمة في الدوائر الاجتماعية الروسية. وطلبت رئيسة اللجنة الاجتماعية لدعم الطفولة والاسرة والامومة "ديانا جورتسكايا" من الادعاء العام التحقق في انباء ممارسات ختان الاطفال في داغستان. وحسب قولها ان مثل هذه الانباء " قد تجرح المجتمع" و " تعتبر محاولة لإغتيال السلام والاستقرار بين الاديان في شمال القفقاز" . ووعدت النيابة العامة لروسيا الاتحادية التحقيق بالانباء حال استلام طلب ديانا جورتسكايا.

ويرى مدافعون عن حقوق الانسان في روسيا وجوب ان يصنف ختان الأناث في روسيا، كجريمة جنائية تتهم القائم بها بالحاق الضرر بصحة من يتعرض لها، وكونها عملية عنف جنسي، بما في ذلك بحق القاصرات.
ويرى اؤلئك الدعاة ان ردود الافعال العاصفة التي اثارها تقرير لجنة منظمة حقوق الإنسان "المبادرة القانونية لروسيا" يعود الى ان حالات ختان الاناث تجري عادة في بلدان افريقيا " ولكن اتضح ان هذه العمليات تجري قريبا جدا منا، في روسيا المعاصرة". ويرى دعاة حقوق الانسان بان هناك فرصا لتغيير الوضع في داغستان. ويحثون على الافادة من خبرات الدول الافريقية في هذا المجال: " ففي بعض دول افريقيا اضيف الى القانون الجنائي والإداري مادة تقضي بالحظر على اجراء عمليات ختان الاناث، ولعبت الحملة التنويرية دورا ايجابيا في هذا الاتجاه ". ويعتقدون ان مثل تلك التعديلات على القانون الجنائي ضرورية ايضا في روسيا. وتجد تلك الدعوات دعما لها على مستوى اجهزة الوصاية والمسؤولين المدنيين" كما اعرب مفوض حقوق الطفل في جمهورية داغستان ايضا دعمه لفرض الحظر قانونيا على ممارسات ختان الاناث، وتقدم للنيابة العامة بطلب لشرعنة هذا الاقتراح. فضلا عن ان ليس كافة رجال الدين يدعمون ختان الاناث. ومثال على ذلك رئيس الادارة الدينية في جمهورية تتارستان الذي اكد عدم وجود مثل هذه الممارسات في الجمهورية الاسلامية ولايمكن ان تكون.
والى جانب ذلك اعرب عضو المجلس الرئاسي لحقوق الانسان "الكسندر برود" عن استعداده لبحث المشكلة مع المسؤولين ورجال الدين في داغستان خلال زيارته المرتقبه للجمهورية القفقازية، واضاف: " ان هذا تقليد عتيق ورجعي ولا حاجة به بتاتا". معربا عن الاسف " لتنامي النزعات الدينية المتشددة في داغستان على خلفية الصعوبات الاقتصادية والتناقضات الاجتماعية التي تمر بها الجمهورية" واضاف: "ان التفسيرات بان هذه العمليات تساعد على وتروض وكبح الغرائز وتحصن المرأة من الفواحش، لا أساس لها من الصحة ولا انسانية."