ايام الكرمة28



مارينا سوريال
2016 / 11 / 25

لما عادت امامه من جديد ،لقد رحلت كانت ذكرى وخمدت لما يرتفع صوتها الان،انتفض يوحنان من فراشه ،نهض حيث الظلام الدامس يحيط به من كل جانب، الا من ضوء المشاعل الضعيف،نظرات عيناها كانت تبتسم فى وجه بتشفى ..كانت تتشفى وهى تموت!!....لم يجرؤ على ان يمضى من امامها جلس جوارها على الارض يتطلع فيها ...تلك الكنعانية التى رقصت امام الجميع واستهزات به سخرت منه عندما رفضته ورفعت خنجرها ..كان يمكن ان تقتله ....حتى زوجتة لم تجرؤ يوما على فعلها وهى مثلها....غرباء....وعندما احرق ذلك الحقل..وقتل زوجها ..ظلت تخرج بقطعانها وتقف تمنع رجاله من ان يستخدموا ماء البئر...فى كل المدينة لم يقف احدا امامه ..الكل خافوا ومن اخطىء منهم نال جزاءه حتى رئيس الكهنة عندما فعلها وتمادى مع الروم قتل ..ما تلك المراة ...اغمضعينه تمنى ان ترحل بمجرد ان يعيد فتحهما....كان بيتها هنا تحت الجبال ....تعيش بالجليل ...لم يكترث لها احدا عندما دخل بيتها المفتوح...لم تتراجع كانت تعلم ان خنجرها يحيمها..ولكنه لم يبالى ولم يتراجع ....رفعت خنجرها لذقنه ...تهدد بفعله تفعلها مع اغنامها عندما يمرض احدهم ولا يكون له شفاء تفعلها كى ترحمه وتخفف عناءه ولكن ذلك اللئيم لا لاتريد له الرحمه ستفعلها ولكن بطريقة قاسية ....
وضعت حافت الخنجر كادت ان تهوى به ....لكنه سبقها ..منذ صباه وسط الجبال تعلم فنون القتل ودروبه كان اليد الاسرع والاخف التى تتخفى وسط الزحام وتقترب من هدفها وفى ثوان تنحره..تنحره بهدوء ودون صراخ ..ترحل ولا يمسها احدا ...لكنها كانت تبتسم ..تبتسم والدماء تخرج من فمها ...تعايره بذلك الدم ....امراة لم تقف امامها فقتلها ...امراة غريبة ..والا يكفى كونها امراة ....
هناك كانت ظلال منتظمة تعبر طريق الجبال ..التفت لها يوحنان من الاعلى ...خبىء نفسه حتى لا تراه ...ساروا فى صفوف ...لمح من خلفهم انه هو ..بشالوم ...ومن خلف القصير ..الزمار ...تحرك بخفه ليتبعهم ....كان يعلم ان عازر يخطط لشىء ما مع ابشالوم ولكن ابشالوم وهو اعداء ...هناك من سيقى واخر سيرحل وهو لن يكون من الراحلين اذا كان احدا هو الاحق بهذا الجبل ورئاستة فهو هو ...فقط..
من امامه سار العازفون يغنون بقصائده وحكاياته ...وابشالوم بالخلف يجلس يختال بنفسه ...تعجب يوحنان من اصحاب العمم البنفسجية لما يفعلون ذلك ....رحل الناس عنهم منذ زمن ...والتفوا نحو اعدائهم الغريمين ...ولكن هم اليس ينالهم كل ما يوضع تحت ايديهم فى الابواق ..والاسواق...ياكلون ويلبسون وينعمون ...فرضوا اموال حتى على الفقير ..ودفعها فى صمت ....
التف من حوله الفقراء ..خرجوا لاجل لرؤيتة فى المساء خوفا عليه من اعين الحاكم ورجاله فى الصباح...كان يتحدث وبجواره جلس عازف الناى والمزمار ..كان يحكى ...صفق بيده فقام الراقص ورقص امام اصحاب الناى والمزمار ...ارتفع صوته قليلا يكمل الحكايا ...
ارتفع صوت المزمار قام قليلا منهم ليرقص ...علا الصوت حتى كان المزمار يعزف وصوته يحكى وامامه الجميع يرقصون ....

كانت عيناى شماى على ذلك الكاهن الشاب الصامت ..كان ابن رئيس الكهنة الجديد ،يجلس من خلف والده يسمع ولا يتحدث كثيرا ..قيل انه جاء من مناطق بعيدة وانه عاش بارام لفترة وعاد ومعه بعض من اهلها يريدون زيارة الهيكل الذى حكى لهم عن سيده فاتوا لتقديم تقدماتهم اليه ....كان جوزيف يراقب المحيطين بوالده ...لمح شماى خنجره الموضوع تحت خاصرته ..زمجر من دون صوت ..الى هنا وصل الخنجر الى بيت رئيس الكهنة ....كان شماى يعلم ان الحرب على الابواب والابواب الواسعة لن تصمد ...كلا يوما يخرج الناس مهرولين وتنوح النساء بصوت مرتفع على قتيلهن ...كل يوما هناك قتيل ....خائن ...ليس معهم ....اراد اليوم ان يتحدث معم عن شماى الذى دخل بالامس الى البهو ومن خلفه اتباعه ..وقدموا لهم النحائر عند قدميه ..غار شماى وكاد يخرج لهم ليطردهم لكن ايدى اتباع رئيس الكهنة منعته من الانفعال وقالت له لاتغضب ....صمت ...كيف لا اغضب ...ذلك اللص خرج من خلفه اتباع وانتم تخططون لقتال ...لا ..لن يموت غرباء سيموت نحن ..نحن من سيموت ..تمنى شماى لو خرجت الكلمات ولو على غير ارادته افضل له من صمته الذى اشعر بالذل ....
الكل يعلم ان ابن الرئيس من رجال الجبل الا تعرف...استدار شماى نحو غمالائيل ..وقال ولكن من رسمه لم اراه يحضر..رد يوساف
صرخ شماى مستنكرا :ماذا يوساف هناك ؟.....جزريم ..هل وصل بنا الحال لهذا لقد خرج عن قبيلتنا والتحم بقبائل غريبة كيف له ان يدخل بقدمه الى هنا ....
المستنكرون منهم كثر راقبهم شماى يرددون خلف رئيسهم دون ادنى تذمر ..كان عليه ان يصمت ..اليس بمفرده ؟
تراجعت ثيودوا عندما راته..لاتدرى لما لم تدعه يراها ...كان ماحدث معها فى الصباح يخيفها ...كانت الكسندرا سيدة صغيرة تعرفت عليها فى السوق واحبت عملها الذى تفانت فيه ثيودورا ..كانت تعلم افضل الموضات التى تخرج من هناك ..الاسكندرية ..كانت زوجة حارس من حراس القصر الحاكم تاتى اليها من قيصرية كانت ثيودورا الوحيدة التى تعلم بيهوذا..كان ينظر لها من بعيدا ..تشير له فتدعى ثيودورا عدم رؤيتها ....كانت اخبار اصحاب الخناجر على كل لسان يقطعون الطرقات وينهبون ويخطفون ...كان معلوما ان للغريبات اولوية لديهم ..حاولت تحذيرها لكنها صمتت ..خافت..هى ايضا غريبة وشماى رحل...
كانت فى ذلك الصباح ميتة ..لا تعلم كيف وجدتها بالقرب من دكانها ..قاتل رحيم !..يقتل ويريد لضحيته الدفن ....
قتلت لانها غريبة ...فقط غريبة ..اختبئت بعيدا عن شماى ..كان غاضبا بالرغم انه مر من بعيد الا انها تعرفه ...من خلفه كان ولده الاكبر يسير فى سرعة متجاوبا مع ابيه ..كانت المدينة ملبدة بالغيوم ..كل يوما يخرج منهم اعدادا كبيرة تتجه نحو الجبل الذى يقال له الزيتون ...ولا تدرى ماذا يفعلون هناك لن تفعل مثل الغريب من عاملين القصر ارسل خفيه ليكون وسطهم ..لكنه كشف ..قيل انه كان تقدمه هناك فى السفح اوقدوا فيه النيران ....
كان شماى يندب طوال الطريق ..كيف ينتهى الهيكل سيطلقون يد الغرباء الى الفناء ..كان يتطلع فى السماء وهو يمضى ويسال ترى هل ساجد ملاكا ليدافع عنى مثلما حدث مع يشوع ام انك ستسقط ...سيسحق كل شىء ..كان يهزى وابنه من خلفه يتبعه وهو صامت ...لم يخبر والده بعد ان سوف يرحل نحو الزيتون مع كثر ..ليس بمفرده يصدق فى ابشالوم ولما لا ..هم بحاجة الى ذلك حقا الى من يرشدهم ويتبعونه كان من الكهنة وابن كاهن ولكن لناس بعيدين جدا والغرباء يحاوطوننا حتى كادوا ان يسرقوا انفاسنا ...نظر شماى نحو ولده ماذا ماذا قتل؟جفل اليشع ولده نعم قد يكون ابشالوم محقا ..هل تخاف على سلطانك ان يزول؟ماذا ماذا تقول يا اليشع انسيت اننى ابوك ؟
لا لم انسى كذلك لم انسى الغريبة ..هل تعتقد انى لااعلم .لا اعلم ان هناك زانية ..اتعلم لهذا نعانى ويعانى الناس لانكم سمحتم لغرباء وقبائلهم ان يعيشوا ....نعم ان يعيشوا ..هنا لا يمكن ان يعيش سوانا اتسمع ..انا لست مثلك ...سارحل الى الزيتون ...انا ابحث عن الخلاص ولن اكف ..كل الشباب سيذهبون الى هناك ..هذا الوقت وقتنا وليس وقت الغرباء بعد ....لن نمكث ونحيا مع امم ....كان عليهم ان يبادوا منذ زمن ..منذ زمن اجدادنا ولكنهم كانوا مثلك تزوجوهم وادخلوهم الى ديارهم اكلوا من طعامهم وتعلموا منهم التجارة ...كنا رعاه واصبحنا فلاحين جوار الارض ...لا نحن عابرون ...وان كنا هنا فنحن عابرون ......ركض اليشع غاضبا من وجه ابيه لم ينتظر ان يسمع منه ردا ...وقف شماى مذهولا وعين ثيودورا لاتزال تتبعه من بعيد ...صمتت لم يعد هناك شماى كانت تعلم انه سيرحل منذ زمن ولكنها تمنت ان يحدث العكس ....كان يقول لها على احدهم ان يحيا وهاقد اتى الميعاد.....
لم يفهم الاب كان يصمت عندما يريد تأديب ولده ...لكن ولده عندما تحدث لم يفهم كلماته وهاهو يعذبه بالصمت مثله ...انه لا يفهم ابوه ...شماى كان يخاف الدمار ...ان يكون وحيدا لكنه لم يقلها ..كان يشعر بالقوة عندما ينادى عليه اكبر ابناءه ابى ..كانت تشعر بالقوة اما الان فصمت ابنه يعذبه ويشعر بالندم ...بالندم على طيلة الصمت الذى اتبعه معه .....
تمتم شماى :اه ياولدى حتى لو رفعت خنجرا لتقتلنى ستبقى ولدى ......
لكنكم ابدا لن تفوزوا ........
سار شماى اخذته قدماه ناحية الكوخ لايعلم ان كانت هناك تنتظره ام لا ...لكنه تمنى رؤيتها ....تبعته ...فتح باب الكوخ فوجدها ...جلست تبتسم ربما تراه اخر مرة وعلى الوداع ان يكون مثل يوم اللقاء الاول ....
وجدها هناك ...تنتظره ..كانت تبتسم ...تقدم اليها ..كانا هناك بالكوخ ..فى ذلك الطرف من المدينة ..مضى الجنود على جيادهم بسرعة البرق..كان قادمين لاجل القاطنين فى سفح الجبال حيث يقولون عنه الزيتون ...لم يرفع راسه ليلمحهم كان يعرفهم ويعلم بقدومهم ....اقترب الحرس تقدموا حيث حاصروا الجبل...كانوا هناك صرخوا صرخة واحدة واخرجوا الخناجر من احزمتهم ...كان صوت الصراخ والقتال ...الانات والتوجع ...يرتفع ...كان هناك صبية ..كان هناك نساء وشيوخ ..كان هناك عجزة بحثوا عن سبيل....كان صوت الصراخ والانات ياتى منهم سريعا ..كان ابشالوم يتراجع يحاول الوصول الى اعالى الجبال ...كان يبحث عن الكهوف ...سيجدها ويعود اليها ليختبىء...لكن ذلك الجندى الرومانى لمحه ...كانت هناك مكافاة على راسة لا لن يعود الى الاسكندرية لحبيبته خالى الوفاض....تبعه وتسلق من خلفه ....القى عليه الحصى لكنه لم يتراجع تفاداها جميعا...
ارتفع من امامه ...لم يكن هناك خنجرا معه لقد سقط ...نظر ابشالوم للسيف الذى ارتفع هابطا على عنقه وصرخ صرخته وابتسم ......حمل الراس معه وهبط لقائد الفيلق .....كان صوت الالتحام لا يزال هناك ....كان شماى يسمع صوت ولده يستغيث بالناس ..باهل المدينة ليخرجوا جميعا معهم ...ليعاونوا اهلهم الذين يقتلون من اجلهم ....اخفى دموعه فى حضنها ....