العنف ضد المرأة بين القانون و التشريع



أحمد الهدهد
2016 / 12 / 4

على الرغم من إقرار وتأكيد الأديان والمذاهب الإنسانية على الرحمة والرأفة والرفق بين بني الإنسان, وعلى الرغم من حجم الأضرار التي تكبدتها وتتكبدها الإنسانية جرّاء اعتماد العنف أداة للتخاطب, وعلى الرغم من أن أي انجاز بشري يتوقف على ركائز الاستقرار والألفة والسلام.. إلا أن الإنسانية مازالت تدفع ضريبة باهظة من أمنها واستقرارها جرّاء اعتمادها العنف وسيلة للحياة والتخاطب.
إن رواسب المنهاج الهمجي والعدواني مازالت عالقة في أذهان وسلوكيات البعض في التعامل والحياة معتمدين أرضية منهج العنف المضاد للآخر, فهي مشكلة قديمة جديدة لا تلبث أن تستقر في ساحتنا الإنسانية كل حين لتصادر أمننا الإنساني وتقدمنا البشري من خلال ممارسة السيطرة والعنف القسري ضد الأضعف.
بالإمكان تعريّف العنف بأنه / سلوك أو فعل إنساني يتسم بالقوة والإكراه والعدوانية, صادر عن طرف قد يكون فردا أو جماعة أو دولة, وموجّه ضد الآخر بهدف إخضاعه واستغلاله في إطار علاقة قوة غير متكافئة مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى.
اما العنف ضد المرأة يعرّف بأنه / سلوك أو فعل موجّه إلى المرأة يقوم على القوة والشدّة والإكراه, ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية, ناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء, والذي يتخذ أشكالا نفسية وجسدية ومتنوعة في الإضرار.
أما الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي وقعته الأمم المتحدة سنة 1993 فقد عرّف العنف ضد المرأة بأنه (أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحريـة، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة).
وتشير الوثيقة الصادرة عن المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995 أن العنف ضد النساء (هو أي عنف مرتبط بنوع الجنس، يؤدي على الأرجح إلى وقوع ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة بما في ذلك التهديد بمثل تلك الأفعال، والحرمان من الحرية قسراً أو تعسفاً سواء حدث ذلك في مكان عام أو في الحياة الخاصة). وربط المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان والذي صدر عنه ما يعرف بإعلان وبرنامج عمل فينا (1993) بين العنف والتمييز ضد المرأة وأشار إلى ذلك في الفقرة (38) بأن مظاهر العنف تشمل المضايقة الجنسية والاستغلال الجنسي والتمييز القائم على الجنس والتعصب والتطرف وقد جاءت الفقرة كما يلي" يشدد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بصفة خاصة على أهمية العمل من أجل القضاء على العنف ضد المرأة في الحياة العامة والخاصة والقضاء على جميع أشكال المضايقة الجنسية والاستغلال والاتجار بالمرأة والقضاء على التحيز القائم على الجنس في إقامة العدل وإزالة أي تضارب يمكن أن ينشأ بين حقوق المرأة والآثار الضارة لبعض الممارسات التقليدية أو المتصلة بالعادات والتعصب الثقافي والتطرف الديني".
ومن خلال التعريفات يتضح لنا أن العنف ضد المرأة يتنوع بين ما هو فردي ( العنف الأنوي) ويتجسد بالإيذاء المباشر وغير المباشر كأن يكون باليد – الضرب بدون وسيلة أو باستخدام وسيلة أو أداة أو ... – أو باللسان – توجيه الاهانة أو السب أو الشتم أو ... – أو بالقدم – الركل وغيره – أو بأي فعل آخر والذي يصل حد القتل, وبين ما هو جماعي (العنف الجمعي) الذي تقوم به مجموعة بشرية بسبب عرقي أو طائفي أو ثقافي أو جنسوي والذي يأخذ صفة التحقير أو الإقصاء أو التصفية أو ..., وبين ما هو رسمي (عنف السلطة) والذي يتجسد بالعنف السياسي – كأن يكون ضد المعارضة أو ضد أي فئة أو لأي سبب سياسي أو... –
ومهما كان نوع العنف الموجه ضد المرأة فأنه يشكل بحد ذاته جريمة ولا يمكن أن يخرج عن كونه جريمة يجب توصيفها للوصول إلى الحد منها وعلاجها. فلكل جريمة أركانها الأساسية وهي الركن المادي والركن المعنوي ولها جاني ولها ضحية وهذا كله متوافر في العنف ضد المرأة.
فالركن المادي فيها / يعني القيام بأفعال مادية يمارسها المجرم على الضحية وهو هنا يتمثل بشكل واضح في كل عمل عنيف يأتيه الجاني ضد الضحية, المرأة.
أما الركن المعنوي / فيعني نية الجاني القيام بفعل عنيف موجه ضد الضحية وتوجيه إرادته نحو ذلك, وهو هنا واضح إذ أن الجاني يكون قاصدا – يعلم ويريد – ارتكاب فعل أو تصرف أو سلوك عنيف ضد الضحية.
وفيما يتعلق بالجاني أو مرتكب هذه الجريمة / فهو هنا الرجل والذي قد يكون زوج الضحية أو شقيقها أو والدها أو أي قريب من أقارب الضحية من الأصول أو الفروع أو الأقارب الآخرين وقد يكون غريبا عنها المهم هو الرجل في الغالب حتى وان كان العنف الممارس ضد المرأة هو عنف سياسي فأن من يوجهه هو الرجل.
أما الضحية / فهي هنا المرأة التي قد تكون زوجة الجاني أو شقيقته أو ابنته أو أمه أو أية قريبة من قريباته أو قد تكون غريبة عنه.
وأداة الجريمة هي متنوعة فهي كل ما يمكن استخدامه في الاعتداء على الضحية أو إيقاع العنف عليها كالضرب باليد أو بالعصا أو أية أداة مؤذية أو بالركل بالأقدام أو الحبس أو محاولات الخنق أو الاهانات والشتائم أو بالتهديد بالإيذاء أو القتل أو التحقير أو الاهانات والإيذاء النفسي أو الاغتصاب أو ممارسة الجنس بالقوة أو التحرشات الجنسية أو أية وسيلة أخرى تشكل عنفا ضد المرأة بحسب تعريف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.
ولكن لابد من أن نشير إلى أن اشد الأسلحة أو الوسائل عنفا ضد المرأة يعتمده الرجل عند ارتكابه للعنف ضد المرأة هو ( القانون أو التشريع ) فهناك عدد لا يستهان به من القوانين والتشريعات التي تشكل عنفا وتمييزا ضد المرأة وتسمح للرجل بأن يمارس عنفه ضدها أو تبرره له فضلا عن غياب نصوص تشريعية تجرّم أفعالا يمارسها الرجل ضد المرأة وتشكل عنفا وانتهاكا لحقوقها وآدميتها وكرامتها.