اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ...هل هو يوم للإحتجاج أم للفرح ؟!



صبحي مبارك مال الله
2016 / 12 / 6

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ...هل هو يوم للإحتجاج أم للفرح ؟!
يواجه العالم مشكلة كبيرة تزداد إتساعاً مع مضي الوقت بالأيام والسنين ، وهذه المشكلة ذات الأبعاد الإجتماعية والثقافية والتعليمية والنفسية والبعد الرئيس فيها التفكير السلفي الذكوري ، هي (ممارسة العنف ضد المرأة ) ، هذا العنف الذي تجلى بصور مخيفة وممارسات تتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان ، والذي أدى إلى فقدان أرواح الآلاف من الضحايا من المواطنات البريئات والذي يزداد تبعاً إلى طبيعة النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي الذي تتبعه دول العالم ، ولم يقتصر ذلك على المرأة فقط بل تعدى ذلك إلى الأطفال الذين أصبحوا بدون سكن ومشردين وعاشوا حياة قاسية سببت الكثير من الأمراض الجسمية والنفسية لهم . المرأة أمام الهجمة الشرسة للعنف الأسري والعنف الإجتماعي يضاف أليه العنف السياسي أصبحت بدون حماية ، ومعظم الدساتير والقوانين لاتمتلك القوة الرادعة ، أو تبقى المواد الدستورية والقوانين بدون تطبيق ، فتصبح المرأة فريسة سهلة للمعتدين .
لقد لعبت الأمم المتحدة دوراً متميزاً في إدارة هذا الملف الشائك ، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني غير الحكومية والمنظمات الحكومية ، للحد من تأثير هذه المشكلة وإستمرارها ، عبر العديد من القرارات والوسائل التي تلزم الدول الأعضاء افي الأمم المتحدة بتنفيذها ، لقد كانت الجهود الأممية المكثفة قد بدأت منذ فترة طويلة ، بإتجاه القضاء على العنف ضد المرأة ، تذكر الوثيقة الخاصة (بالإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة ) والتي إعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 104/48 المؤرخ في 20 كانون الأول /ديسمبر 1993 ، إن الجمعية العامة أذ تسلّم بالحاجة الملحة إلى أن تطبق بشكل شامل على المرأة الحقوق والمبادئ المتعلقة بالمساوة بين كل البشر وبأمنهم وحريتهم وسلامتهم وكرامتهم معتمدة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، وإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، وإتفاقية مناهضة التعذيب وغيره .... كما يؤكد الإعلان (القضاء على العنف ضد المرأة ) والذي يتكون من ستة مواد رئيسة ، على تعبير (العنف ضد المرأة )الذي يشرح فيه ماهية العنف وأنواعه كما جاء في المادة الأولى ، وتؤكد في المادة الثالثة حقوق المرأة في ثمان نقاط ، وفي المادة الرابعة على إدانة العنف ضد المرأة .
أصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 134/54 عن إجتماعها المنعقد في 17/12/1999 م ، بأن يكون الخامس والعشرين من تشرين الثاني /نوفمبر ، يوم عالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وطبقاً لهذا القراردعت الجمعية العامة الحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الحكومية وغير الحكومية لتنظيم نشاطات ترفع وعي الناس حول حجم مشكلة العنف ضد النساء ، لكونهنّ تعرضنّ إلى التمييز الجنسي والعنصري ، لقد جاء هذا القرار على خلفية ماحدث في عام 1960 م في جمهورية الدومنيكان ، حيث تمّ إغتيال ثلاث شقيقات (ميرايال ) ناشطات سياسيات وبصورة وحشية وبأمر من ديكتاتور الدومنيكان (رفاييل تروخيلو )آنذاك ، وبعد إنهيار النظام الدكتاتوري بعد أغتيال الدكتاتور عام 1961 ، جرى تكريم الشقيقات ووضع النصب التذكارية لهنّ فأصبحن رمزاً للنضال من أجل حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم ، فأصبح هذا اليوم ولمدة ستة عشر يوماً حيث يلتقي مع العاشر من ديسبمبر /كانون الأول يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، أيام للنضال والإحتجاج ضد العنف وأنواعه مع حملة عالمية للتثقيف والتوعية والمطالبة بالحقوق وتفعيل القوانين المجمدة التي تخص تحرر المرأة
أصدر مجلس الأمن العديد من القرارات التي تخص وضع العنف ضد المرأة ، والآثار السلبية والتداعيات التي تحدث نتيجة الحروب والمنازعات المحلية ، فكانت القرارات التي صدرت والمرقمة 1325سنة 2000، 1820/2008، 1888/2009 ، 1889/2009 ، 1960 /2010 ، 2106/ 2013 ، 2122/2013 حيث شدد القرار 1325 على أهمية مشاركة المرأة المتكافئة والكاملة كعنصر فاعل في منع نشوب المنازعات وإيجاد حل لها وفي المفاوضات ،وبناء ، وحفظ السلام ، وفي القرار 1820 يعزز مجلس الأمن القرار 1325 ، حيث يؤكد أن العنف الجنسي في حالات النزاع يشكل جريمة حرب ويطالب الأطراف المتنازعة حماية المدنيين من العنف الجنسي ، وفي القرار 1888 يكلف بعثات حفظ السلام بحماية المرأة والأطفال من العنف الجنسي في النزاعات المسلحة ، ويؤكد القرار 2106 على أهمية المساواة بين الجنسين والتمكين السياسي والإجتماعي والإقتصادي للمرأة في الجهود الرامية إلى منع العنف الجنسي ، وشدد القرار 2122 على المساءلة في تنفيذ القرار 1325 وأهمية إشراك المرأة في جميع مراحل منع الصراعات وحلها .
لقد عانت المرأة من العنف المنزلي والإجتماعي والأضرار المعنوية والمشاكل التي تبعتها ، لقد أصبحت المرأة أسيرة العادات والتقاليد البالية والمتخلفة ، كما عانت من الأحكام الدينية المتطرفة التي تعتبرها عورة ضمن المنظور الجنسي والتقليل من قيمتها وإنتهاك آدميتها ، وقد تنوعت الجرائم التي أرتكبت ضدها تحت سمع وبصر القانون وأولياء الأنظمة المتخلفة ، خصوصاً في البلدان العربية ، ومن الظواهر التي أنتشرت ونحن في القرن الحادي والعشرين ، زواج القاصرات وحسب الأحصائيات هناك 93 دولة تقر بزواج القاصرات ، و100مليون أمرأة تعرضنّ للختان . والعنف أنواع منه الجنسي والإغتصاب ، والجسدي بالضرب ، وإرتكاب جرائم القتل بحجة الشرف وغسل العار ، والتحرش الجنسي ، والتهجم على المرأة بالكلمات النابية ، والمعنوي وهو أبرز أنواع العنف ، كما تعرضت المرأة للتعذيب. كما إن هناك تمييز ضد المرأة في المجتمع وعدم السماح لها بالتعليم ، والعمل ، ولايحق لها إختيار شريكها ، لإنها واقعة تحت تأثير الأفكار الدينية المحرّفة والمتطرفة فيما يخص الملبس ، وحبسها وراء أسوار المنزل ، والحجاب ، والنقاب ، كما إن أغلب الدول وخصوصاً البلدان النامية أو ماتسمى بالعالم الثالث ، لم تضع قوانين تقدمية للأحوال الشخصية بل ربطتها بالأفكار الدينية المتخلفة ، وفي المحاكم آلاف القضايا تخص الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال وحرمان المرأة من أبسط حقوقها حسب القوانين التي تحكم فيها المحاكم .وفي الهجمة الإرهابية التي أحتلت المدن ومنها العراق نموذجاً، أول ما وقع الجور و الظلم عل المرأة ، حيث سُبيت، وأُغتصبت ، وبيعت في أسواق النخاسة بثمن بخس تبعاً لقوانين القرون الوسطى وما قبلها ومن أبرز الأسباب هو إنخفاض التعليم عند المرأة والرجل الشريك وعدم معرفتها لحقوقها التي تضمن حريتها ، وإنتشار المخدرات والأدمان عليها وعلى الكحول كما إعتبرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة ، بأن العنف الممارس ضد المرأة إحدى المشكلات الصحية الكبرى ، وحسب التقارير فأن واحدة من ثلاثة نساء أي 35% من نساء العالم يتعرضن للعنف في حياتهنّ، كما إزداد التعرض لفيروس الأيدز نتيجة العنف الجسدي والجنسي .
وعند التمعن في مشكلة العنف ضد المرأة وإستلاب حقوقها ومعاملتها معاملة تمييزية وإعتبارها مواطنة من الدرجة الثانية ، وعند التعرف على الأحصائيات والتقارير ، سوف نجد واقع مؤلم وحزين ، فهذا اليوم ليس يوم للفرح بقدر ما هو يوم للإحتجاج والمطالبة بالحقوق ، والتظاهر وإقامة الندوات التثقيفية ، وان تتحرك منظمات المجتمع المدني بشكل فعال ، وإستعراض حالات العنف ضد المرأة في العالم وإستخدام وسائل الإعلام وعرض الأفلام التي تخص موضوع العنف ضد المرأة والطفل وإستذكار الشهيدات والراحلات اللواتي قمنّ بأعمال بطولية من أجل المجتمع والمرأة بالخصوص .