تحرير المرأة التنوير أية علاقة؟.....6



محمد الحنفي
2017 / 1 / 15

الإهداء إلى:

ـ الأستاذة الفاضلة: خديجة كرومي.
ـ السيد مدير ثانوية السلام التأهيلية.
ـ تلميذات وتلاميذ ثانوية السلام التأهيلية.
ـ من أجل التمرس على تحرير المرأة.
ـ من أجل المساهمة في تنوير عقول الناشئة.
ـ من أجل تكريم الإنسان فينا وفي واقع متخلف.

محمد الحنفي

وبعد تناولنا لمفهوم التنوير، ومفهوم تحرير المرأة، نصل إلى طرح السؤال:

ما هي العلاقة بين التنوير، وبين تحرير المرأة؟

إننا عندما نتكلم عن التحرير، نتكلم عن التنوير، وعندما نتكلم عن التنوير، نتكلم عن التحرير، في نفس الوقت؛ لأن التحرير لا يتم إلا في إطار التنوير، الذي لا يمكن أن يشاع في المجتمع إلا من أجل التحرير، وبناء على ما يمكن أن نعتبره شبه تلازم بين التحرير، والتنوير، أو بين التنوير، والتحرير. وهو ما يفرض أن تكون العلاقة جدلية، أو عضوية، أو تطابقية.

فالعلاقة الجدلية تفرض قيام تفاعل بين التحرير، والتنوير؛ لأن كلا منهما شرط وجود الآخر، ولأن هذا التفاعل هو الذي يؤدي إلى انتشار التحرير، أو إلى انتشار التنوير بين جميع أفراد المجتمع؛ لأنه كلما كان هناك بث للتنوير، في واقع معين، يختفي التظليم، الذي يضلل أفراد المجتمع، الذين يصيرون ممتلكين لوعيهم بأوضاعهم المادية، والمعنوية، بفعل التنوير الذي يحرك العقول، التي تنفض عنها غبار الظلام؛ لأن التظليم، هو نتيجة لغياب التنوير، ولأن التنوير هو نتيجة لاختفاء التظليم، والتنوير نقيض التظليم، والنقيضان، لا يجتمعان إلا في مجال الصراع، وما سواه: فإما أن يسود التنوير، وإما أن يسود التظليم، وكل منهما يرتبط بواقع مختلف، فإما التحرير في ظل سيادة التنوير، وإما العبودية في ظل سيادة التظليم، والمرأة لا ترى النور بعقلها، ولا تتحرر من عبوديتها، ولا تدوس دونيتها، في ظل هيمنة التظليم على الواقع. أما المرأة التي تعيش الوضوح في فكرها، وفي ممارستها، ولا ترى بعقلها إلا النور، تتحرر من قيود الظلام، والاستلاب، وتدوس دونيتها، وتعمل على تحريك الواقع الآسن، حتى يصير متحركا، ومتخلصا من نتانة تخلفه، وساعيا إلى التجدد المستمر في الفكر، وفي الممارسة، بفعل التجدد، الاتي من رحم الطموح اللا متناهي.

فالتنوير، إذن، فاعل في تغيير الواقع، وتحرير المرأة المصاحب لتحرير الرجل، في إطار تحرير المجتمع ككل، من سطوة الاستعباد، والفساد، والاستبداد، والاستغلال، وامتهان كرامة الإنسان، ومن الاستلاب الظلامي، والرأسمالي، تعبير ملموس عن هذا التغيير، الذي تدفع إلى حدوثه إرادة التحول، في اتجاه المستقبل، وإرادة التقدم نحو نحو الرقي، والازدهار، وحصول الرغبة في التحرير، والديمقراطية، والعدالة الإنسانية.

وانطلاقا من هذا التصور، لفعل التنوير في الواقع، نستطيع القول بأن العمل من أجل التحرير بصفة عامة، ومن أجل تحرير المرأة بصفة خاصة، الذي يصطدم بالتظليم، يعمل على تفكيك الواقع، من أجل فتح مجموعة من النوافذ، التي تمكن من نفاذ التنوير، إلى الواقع، حتى تصير الرؤيا واضحة في الأذهان، وتتحدد، في إطار تلك الرؤيا، كل العوائق التي تحول دون تمكين المجتمع من التحرير، ودون انعتاق المرأة من الدونية، التي تغرقها في متاهات التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ودون تحديد ما يجب عمله، لتمكين المرأة من المساهمة في الارتقاء بالحياة الإنسانية للشعب المغربي، إلى مستوى ما عليه الحياة في البلدان المتقدمة، والمتطورة، والاتجاه مباشرة إلى تفكيك العوائق المختلفة، في أفق تجاوزها، لفسح المجال أمام استكمال تحرير المجتمع، وأمام تحرير المرأة، بعد تحطيم كل القيود التي تحول دون تحرير المجتمع، لصالح الإنسان، في كيان كل فرد من افراد المجتمع؛ لأنه بدون التحرير، لا تتحرر القدرة الإبداعية: الفردية، والجماعية، ولا يتمكن لا الرجل، ولا المرأة، من إضافة الجديد المتقدم، والمتطور، لصالح الإنسان.

ونظرا للدور الذي يقوم به التنوير، في مواجهة التظليم، فإن إشاعة قيم الحداثة، لا بد أن تحدث شرخا كبيرا، وعميقا، في بنيات المجتمع المحافظ، الذي صار مستهدفا بالتظليم ،من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي، ومن قبل الدولة المحافظة، المعادية لأي شكل من أشكال التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

وما يحدث في العالم اليوم، وخاصة في بنيات الدولة المحافظة، التي صارت تتفكك أمام الهزات العميقة للحداثة، يصلح دليلا على أن تحقيق تحرر الإنسان، والمجتمع، والحد من التظليم، في أفق القضاء عليه، بالقضاء على عوامله المنتجة له. وتحقيق التحرير، عنوانه: تحطيم كل القيود التي تحول دون تحرير المرأة، ودون إشاعة التنوير في المجتمع، التي تعتبر وحدها تعبيرا عن إزاحة عوامل التظليم.

وهذا البسط الذي قمنا به، في إطار العلاقة الجدلية القائمة بين التحرير، والتنوير، يوضح بما فيه الكفاية، التفاعل المستمر، القائم بين التحرير، والتنوير، وأنه بدون التنوير، لا يكون هناك تحرير، لا للمجتمع، ولا للمرأة. كما أنه بدون التحرير، لا تتأتى إمكانية إشاعة التنوير في المجتمع، ولا يتم استكمال التحرير من أسر العبودية، ومن أسر أدلجة الدين الإسلامي، المنتجة للظلامية، ومن أسر التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.