الخمار قيد في رأس المرأة



محمد شودان
2017 / 1 / 18


الخمار قيد في رأس المرأة
كتبت قبل أيام مقالة تحت عنوان "نار تحت البرقع" وقد تعرضت هذه المقالة لهجوم متعدد الجوانب، والآن أريد أن أصحح بعض المغالطات لأن البعض ذهب إلى أني وقعت في تناقض لما انطلقت من مبدأ الحرية وخلصت إلى أن اللباس الشرعي الإسلامي لا يمثل حرية شخصية، أو أني غلفت المقالة بالذاتية وما إلى ذلك. والواقع أن القارئ المتعصب ضد فكرة لا يلاقها إلا بالرفض، والبحث عن منافذ للتوغل والتغول عليها، ومن وجهة نظر شخصية أحتفظ لهم بحق الرفض والانتفاض والتعبير عن غضبهم، لا بأس في ذلك كله لأنني أقدمت على مغامرة لما عريت ما يهولهم منظره منهم أولا، ولأن المتشبثين بالفكر الأصولي والذين يعانون من حساسية مفرطة اتجاه الحرية والتحرر دوما يرفضون مواجهة الرياح الملقحة ثانيا. وسابقا رفض هؤلاء نظرية التطور، بل لا زال منهم من يؤمن بمركزية الأرض في الكون، هل مع هؤلاء يصح النقاش؟ وإنه لا يمكن إرغامهم على الركوب، بل يكفي الانطلاق دونهم.
لا زلت متشبثا بأن اختيار المرأة اللباس الذي يروق خاطرها، ويناسب ذوقها وجسدها حق لا مزايدة عليه، وننطلق في ذلك من مبدأ أساسي يرى أن للمرأة الحق في التمتع بكل حقوقها الكونية كالرجل دون تمييز، ولكن يبقى أن كلمة "حق" تتطلب شرطا آخر وهو الحرية في الاختيار، لأنه لا يمكن أن نقول إن رضيعا قد اختار لباسه، لأنه لبس باختيار غيره، وربما أمكننا قياس الأمر على الأحمق لو رأيناه في حلة ألبسها إياه أهله أو إدارة المستشفى.
وإذن فلن تكون المرأة حرة في لباسها إلا أن تكون قد اختارته بحرية تامة، وهذا الشرط الأخير لا يتوفر للمرأة المسلمة المنقبة، لأنها تضع ذلك الزي/الواجب نزولا عند رغبة أهلها وربما استجابة لأمر أسرتها إن كانت تنتمي لوسط متشدد، أو حتى طاعة لأمر ديني، رغم أن مؤولي النص الديني قد اختلفوا في وجوب بعض الأزياء كالنقاب والخمار والبرقع، كما أن بعض الدول تفرض على نسائها البرقع بقوة القانون والسوط، وهنا استحضر صورة مضيف طائرة عثر في مطار أوربي على لباسين شرعيين تركتهما خليجيتان بعد وصولهما إلى ديار الحرية. وبهذه الصورة أدفع ادعاء من سيقول إن المسلمة تختار وهي حرة تماما وضع ذلك اللباس الخانق للأنفاس.
وإليك ليطمئن قلبك إلى أن البرقع وما إليه لا يمثل ارتداؤه اختيارا حرا: المنديل الذي تضعه أغلب المغربيات أيضا مفروض عليهن، ولكن كيف؟ بالتفييئ والتصنيف إذ يعمد المجتمع المحافظ (ولو في لا وعيه الجماعي) خاصة في التجمعات القروية أو الحواضر الصغرى، إلى تصنيف المرأة السافرة والحاسرة ضمن المغضوب عليهن، ولتجنب ذلك تضع البنت منذ صغرها المنديل على رأسها، إما خضوعا لأمر أسري حتى تعبر عن الحشمة والحياء، أو تضعه تجنبا لنظرة المجتمع المحافظ السلبية، (فالمرأة إما محتشمة محجبة أو قليلة الحياء ومنعدمة التربية) نعم، تصنف المرأة المغربية المنفتحة والمتحررة على أنها باغية، وفقط لظهور شعرها دون منديل.
يتمسك أغلب المدافعين عن اللباس الملتزم بالجانب الأخلاقي، ويذهب البعض إلى تشبيه المرأة بالحلوى، وهكذا فالتي لا تضع الحجاب تصير عرضة للاعتداء كما أن الحلوى دون غلاف تجلب الذباب، ولكن هؤلاء ينسون أنه ليس للمرأة في هذا من ذنب لأنها ليست مسؤولة عن تدني أخلاق الذكور الذين تسيطر عليهم الغرائز. ومن هنا فأولى بالمجتمع أن يربي أبناءه على الاحترام، وأن يعلموا أبناءهم الذكور أنهم سواسية والإناث، وأن يخضع المتعلم لتربية جنسية تجعله قادرا على التحكم في غرائزه، وهذا كله يحتاج ثورة ثقافية.
إنما الخمار والبرقع والحجاب والمنديل وما إليها قيد اجتماعي يشل المرأة، وقد صار لازما أن نحدد موقعنا من المجتمع الأممي، إما أن ندع القطار يمر وننتظر القافلة التي ضاعت في دهاليز التاريخ، أو أن نصارح أنفسنا ونساهم جميعا في التخلص من رزايا الماضي، وأهم ما بإمكاننا ويجب علينا فعله الآن على استعجال هو المساهمة في تحرر المرأة وكسر قيودها حتى نبني مستقبلنا المشترك يدا بيد.
محمد شودان ــ المغرب