دلع الولد بغنيك ودلع البنت بخزيك



ناجح شاهين
2017 / 3 / 7

دلع الولد بغنيك ودلع البنت بخزيك
ناجح شاهين
هذا مثل قديم أحفظه من أيام طفولتي الباكرة. غالباً أنني سمعته من جدتي لأمي التي عاشت حياة طويلة مكافحة ظلت فيها وفية لابنها، ومستعدة أن تطحن عظام البنات وتضعها بهاراً في طعامه، أو تصنع منها وسادة يريح رأسه عليها. لذلك عاشت جدتي وماتت وهي تعلن على الملأ أن البنت "الأصيلة" لا يمكن أن تطلب ميراثاً، بل تقدم روحها، وليس فقط مالها، فداء لأخيها.
أختي الكبيرة أكلت شيئاً من غائط أخينا الذي ولد بعد مكابدة شديدة لعله "يعيش". وقد كرر ذلك في الجيل التالي ابنة أخي الكبرى التي فعلت الشيء ذاته مع أخيها الذي جاء متأخراً بعد نحس استمر "مدة" خمس بنات.
جاء ذلك الفتى الرائع وأصبح فخراً للعائلة بقامته الطويلة وذكورته الجميلة، أما البنات فنحن كما تعرفون لا نستطيع التباهي بجمالهن عندما نكون في موقع الأخ أو الأب أو حتى الزوج. لا يبتباهى الزوج العربي أو الفلسطيني أمام الناس بجمال زوجته ولا بجاذبيتها، ولا حتى بتفوقها العلمي أو المهني. فقط يمكن للرجل أن يشير باختصار إلى أن زوجته/أخته/ابنته خلوقة وقنوعة ومحترمة ومطيعة...الخ.
المرأة الجميلة الشهية هي عارنا السري الذي لا نرغب في الاعتراف به في العلن. نريد فقط أن نشتهيه في السر، ونخجل حتى من قول ذلك بصوت مرتفع. وهذا مرتبط بكون الجنس فعل "منحط" أساساً، وتقع تبعية انحطاطه على نحو أشد على المرأة التي يعد وقوع الفعل عليها عاراً جوهرياً حتى وإن تم في نطاق الزواج. ألم يأسف السيد أحمد عبد الجواد في "الثلاثية" لأن الله الذي يأمرنا بصيانة بناتنا هو نفسه الذي يأمرنا بأن نسلمهن بأيدينا إلى زوج سوف يقوم بإلحاق العار بهن وبنا عبر ذلك الفعل الجنسي الفاحش الذي تقشعر له أبدان الآباء والإخوة عند تخيل تعرض الأخت أو الابنة له؟
لن أنسى ما حييت: كنا نسير بشارع وول نت (شارع الجوز) قرب الجامعة في مدينة فيلادلفيا عاصمة أمريكا الأولى. كنا أربعة رجال: شاب مصري الأصل، وواحد من أصل إيراني، وواحد "واسب" أبيض عيونه زرقاء وأنا. كانت أمامنا صبية في مطلع العشرينات تمشي مع أبيها وربما جدها. كانت فاتنة دون شك، وجسدها شهي وجذاب. لن أنسى تلك اللحظة أبداً: التفت الوالد/الجد نحونا ووضع يديه على أردافها بتباه وقال: إنها "سكسي" أليس كذلك أيها الشبان؟؟
انعقد لساني من الدهشة، وذهبت ذاكرتي فوراً إلى أيام طفولتي ومراهقتي وحتى مطلع شبابي عندما كنت أخجل من مرافقة أختي في أي مشوار لأنني كنت أختنق وأنا أتخيل أن الشبان يتشهون جسدها. بل إنني طالما تمنيت في أعماقي لو كانت قبيحة أو على الأقل لو كانت بجمال وجاذبية متواضعة لا تلتفت اهتمام الكثير من الرجال وشهواتهم "الحقيرة". بالطبع لأن الشهوات "حقيرة" كما تعلمنا منذ نعومة أظفارنا. على الأقل هذا هو الموقف المعلن رسمياً من الشهوات. وقد نغفر ونتعاطف مع شهوات الشباب "الطائشين"، وربما "نتفهم" شهوات الرجال الناضجين والعواجيز، لكن إذا سمع أحدنا عن امرأة لديها شهوة تدفعها للتفكير باحتياجات الجسد، فلا بد أننا نحس نحوها بمزيج من الاشتهاء والاحتقار: نشتمها في المجلس أمام الأقران، ونسأل همساً عن عنوانها، رقم جوالها، أو "الفيس بوك" خاصتها لعلنا نحظى منها بوليمة من الولائم "الحقيرة" بعيداً عن العيون.
هذه المرأة الغبية شغالة المنزل ضعيفة العقل التي يمكن أن نضرب بعضنا معشر الرجال إذا شبهنا بها، يمكن أن نفعل كل شيء من أجل وصالها وهي في أسوأ أحوالها. هو الفصام الذكوري العربي الذي لا نعرف كيف نخرج منه. يقول الذكور في مجالسهم الموقرة: المرأة "أجلك الله". وعندما يتمازحون يقولون أشياء من قبيل: "عليكم ما على النساء بعد العشاء." وهذا الشيء الذي "يقع" على النساء شيء مشين ومهين بالطبع، ولذلك يستدعي ردة فعل قوية محتجة ورافضة من الطرف الذي تعرض للمزحة. وربما بسبب أن النساء يجب أن يكن في وضع من يقع عليهن فعل الفحولة العظيمة، فإن عجز الرجل عن ذلك الفعل قد يعني له نفسياً نهايته بوصفه رجلاً. وربما يفسر ذلك أن سوقنا العربية من أكبر الأسواق المستهلكة للعقاقير الجنسية المصنعة في أمريكا وأوروبا وغيرها.
كيف يكون رد فعل المواطن العربي أو الفلسطيني لو قلنا له إن المجندات في العصابات الصهيونية -1948 أو حتى حالياً- سوف يقمن باغتصاب الرجال في القرى الفلسطينية؟ الإجابة واضحة بالطبع: سوف يقيمون مهرجانات للفرح، وسوف ينتظر الرجال بسعادة اغتصابهم. أما المرأة فهناك "أسطورة" تاريخية تزعم أن جزءاً كبيراً من اللاجئين في العام 1948 قد فروا خوفاً من تعرض "حريمهم" لانتهاك جنسي ما: "العرض قبل الأرض." على ما يبدو.
غني عن القول إن عضو المرأة الجنسي يجب أن يكون بمنأى عن انتهاكات الغرباء، بينما لا يوجد مشكلة في "انتهاك" العضو الذكري من قبل الغريبات. وهذا المعيار بالطبع معيار وضعه الرجال. ولا بد أننا نقدر أن المرأة كانت ستضع قانوناً آخر فحواه أن الرجل يجب أن يحافظ على عفته طوال الوقت، خصوصاً أنه "يفشل" في أداء واجباته معظم الأحيان دون أن يقوم بالتفريط بعفته و "بعثرة" طاقاته هنا وهناك. لكن المعايير العربية تحمي الرجل من المساءلة في الحالتين: لا تستطيع الزوجة غالباً أن تطالب بتلبية رغباتها، لأنها ستبدو امرأة "شبقة" قليلة الأدب، وقحة...الخ الخ وليس من المجدي كثيراً أن تعترض على "مغامرات" الزوج لأن ذلك قد يكلفها "السترة، والاستقرار" ويعرضها إلى دخول عالم المطلقات الرهيب.
ما تزال المرأة من المحيط إلى الخليج تعيش أوضاعاً قد تكون هي الأسوأ عالمياً، بما في ذلك المرأة في دول النفط الفاحشة الثراء بما في ذلك السعودية. بل إن هذه الدول تتيح لرجالها أن يمارسوا غزواتهم الجنسية وراء البحار. ولا بد أن جزءاً منهم قد وصل بجهاده إلى شواطئ فلسطين المحتلة بحسب ما تشير المعلومات منذ بضع سنوات.
نعلم أن أوطاننا تعيش أحوالاً مؤلمة من فلسطين وسوريا والعراق واليمن النازفة، وخليج النفط المتعفن، مروراً بمصر التي تعاني حملاً كذباً ومخاضاً أكذب منذ عقود، وصولاً إلى ليبيا التي تعود للقرون الوسطى، والجزائر وتونس التي يتهددها مصاص الدم "الداعش" بالويل والثبور.
لكن المرأة جزء من ذلك كله، ولسنا نضيف جديداً عندما نقول إن المخاض "الثوري" الأمريكي الكاذب الذي تعيشه بلادنا قد دفعت المرأة نصيباً مرعباً في فاتورته يتجاوز ما دفعه الرجل بكثير. ولا بد أن الطفولة قد تعرضت وما تزال لألام وجراح يعسر أن تجد لها مثيلاً.
لذلك كله نظن أن التحرر الاجتماعي الشامل هو المدخل الوحيد على ما يبدو لخروج المرأة من الزمن العثماني/التركي القديم المتجدد. وهو المدخل الوحيد أيضاً لتحويل الأرض إلى ملاعب فرح للأطفال. وبدون اقتلاع الصهيونية والاستعمار العالمي ودحر الأطماع التركية وبناء الاقتصاد على قاعدة مشاركة المرأة فيه على قدم المساواة مع الرجل، مع ضمان الحياة الكريمة للمواطنين كافة، لن يتحقق شيء. وذلك بالنسبة لنا يعني أن معالجة وضع المرأة في الكلية الاجتماعية في لقاءات معزوله ضمن النخب التي تتحدث الإنجليزية لن يمس في الوطن العربي والفلسطيني إلا حفنة من متحدثات/متحدثي الإنجليزية وربما الفرنسية. أما المجتمع في كليته فسيظل هو هو يردد مع جدتي الراحلة الحاجة جميلة: "دلع الولد بغنيك، ودلع البنت بخزيك."