زهرة



مارينا سوريال
2017 / 3 / 12

كان يضرب الهواء بقدميه بعنف يحاول الصراخ فيخرج فحيحا قوى قبل ان يفقد حماسته مع الوقت ..تتراخى اطرافه الى جوارها بينما ثبتت قدماها على كتفيه بشده ..تراخى سقط راسه الى الامام استرخت تركت الحبل المشدود يفلت من بين اصابعها تاركا اثار دماء على كفيها تلهث بينما يسقط على وجه بلا حراك ..لايزال ضوء القمر هناك يرسل بعض من ضوء ينير امامها ملامح الغرفة الخالية عدا من فراش ومنضدة وزجاجة موضوعة عليها ..ارخت جسدها على السرير ويداها مفروتين الى جوارها فى سكون تراقب انتظام انفاسها من جديد قبل ان تتحرك بهدوء ساحبة الحبل الرفيع واثارها من الغرفة تاركا ذلك البيت العتيق تحاذر ان تراها عين حارس امن باحدى العقارات وهى تسير وحيدة ..منذ بضع سنوات لم تتخيل انها ستفعل هذا ..تركت الهواء يدخل رئتيها بقوة لم تشعر براحة مثل تلك منذ سنوات مضت كان هو هناك وكانت هى وهو من يخبر وهى من تنصت مضى ذلك الوقت وانتهى هى فعلتها ولم يعد هناك غير ممكن..
مرت فى طريقها على الاحتفال لايزال الناس فى منطقتها ينتظرون المولد ويحضرون لاجلها لاجل مولد السيدة ..وسط الزحام سارت تمر بين النسوة اللاهثات من فرط الرقص والابتهاج يدرن من حول انفسهن يذهبن حيث مكانا اخر ..لمحت ذلك اللص يلتقط مايستطيع فى الزحام..
صعدت وضعت ثيابها فى المغسلة ثم خلدت الى النوم فى غرفتها ببيتها العتيق فى ذلك الحى الذى هدأ عند الفجر كانت اخر ليالى المولد ..
فيما مضى اطلق على هذا البيت صاحب الطوابق الخمس على ناصية الشارع العمومى فى قلب الاسكندرية القديمة بيت العايقة حيث قيل ان صاحبته العجوز جاءت ببقايى اموال عرق الفتيات فتياتها ممن اوقعت بهن عندما كبرت وبنت هذا البيت ..هاربة من ذكريات قديمة وقت ما كانت لها قوتها بين زبائن الليل خاصتها ولكن القانون لم يعد يبيح عملها كان عليها ان تعمل فى الظلام وتبتكر طرق اخرى قبل ان تجذب فتيات جدد اليها قيل انها كانت كريمة مع فتياتها فلم تحرمهن الطعام مثل اخريين وكانت تتابع الكشف الطبى الخاص لكل واحدة منهن ومن يثبت مرضها كانت تتكفل بها حتى تموت يمتن صغارا بسبب هذا المرض بلا شفاء ..قالت لهن ضريبة العمل كل عمل وله ثمنه ..كلما مر الوقت وزاد وزنها وخصلاتها البيضاء فقدت من قوتها لاحظت فتياتها يعلو صوتهن حتى استيقظت يوما على هروب اصغر الفتيات ذات الخامسة عشر بعد ان سرقت مصوغاتها لطمت وجهها كان صراخها يرج جدران البيت :شقا عمرى ..شقا عمرى وخرجتى يا بنت ...
منذ ان خرجت زهرة لزمت غرفتها لم يحاول طرق غرفتها سوى امها ..كانت كبرى اخوتها ..صوت ابيها الغاضب لايزال فى الخارج ..تسمع صوت اخيها يسبها ..كيف خرجت ؟ ماذا فعلوا بها هناك تلك فضيحة وليست اخت لما نبقى عليها ..
بالامس القريب كان كل شىء مثلما اعتادته منذ ثلاث وعشرون عاما ولكن الان لم يعد شىء تعرفه هاهنا ..منذ ان خرجت لم تحدثهم تنصت مثلما اعتادت فى السجن اربع سنوات نسيت انها ستخرج مرة اخرى كان الكل يضحك ويسخر منها سنبقى هنا لن يتركونا نرى النور من جديد لست مشهورة مثل الاخريات ثرثرة ثرثرة ومن سيتذكر انت هنا مثلنا ؟ولكنها ليست مثل احد لم تعرف لما عليها ان تكون معهم او الضد هى لم تبالى لم تعتد ان تفكر من قبل ..
كان عليها ان تستذكر دوما لتحصل على الدرجات المطلوبة لم تعرف ضحكات الفتيات ولا همسهن لم تكن تبالى لم تعرف سوى كتبها ثم مدرجاتها بعد طابور التنسيق الطويل تمسك والدتها بيدها حتى اول يوم فى الجامعة ..لم تعتد ان تنفر تطيع دوما..حتى عندما تظاهروا من حولها ظلت تراقب تحضر اوراقها تحتضن كتبها ثم ترحل لم تعرف فى ذلك اليوم انه لهم لم يخبرها احد..عندما ركضت كانت منهم لاحقوها سقطت لانها لم تعتاد الركض من قبل كانت هناك وسطهم بكت وصرخت ..لم لم يتصلوا بها لم يحضر احد مر يوم واثنين انين تزداد الغرفة مع عددهن ضيقا ..رحلوا عنها والتصق الجدار بها ..لم ترى احد منهم ..اخبروها لن يحضروا احد اليك ..اعتادى الامر انت وحيدة.
عندما احضرها محروس ضربتها حتى رفعوها عن قدمها لم تسمع سوى كلماته :كفاية ياعايقة هتموت فى ايدك
تموت بنت..سرقت شقا عمرى فينهم
ما راحوا اخدهم منها وراح
والبيت البيت اللى هعيش فيه بعد العمر انام فى الشارع
ماعاش اللى يسيب العايقة للشارع مكانك هنا معايا
معاك معاك بعد ما كبرت
الدهن فى العتاقى لا انت مكانك هنا ست البيت تحت ايدك بنات بنات تربيهم من جديد على ايدينا تحت الفرازة.

لم يسألوا كانت تسمعهم يتحدثون عنها فى الخارج ..لمن عادت مات ابوها بعد ان حبست بشهر تتذكر كلمات سلوى انها فقط من صادقتها نحن حبسنا لاجل افكارنا ولم نخطىء تذكرى هذا ..لكنها لم تفعل لم تكن افكارها لم تعرفها ولم يسالها احد هى خرجت لجامعتها لتحضر اوراقها ما كان يحدث يحدث من بعيد تظاهر صراخ اما هى فلا تحب الضجيج..اخريات بجوارها لاتعرفهن تحاول الصمت عدم التنفس رائحة الهواء محملة بالعرق تريد ان تختنق ان يتوقف كل هذا لاتعرف لما احضروها الى هنا ولاتريد ان تسال ان تراهن ان تدخل المحكمة التى تراها فى التلفاز العيون المتلصصة اخفائها لوجهها بينهن لم يحضر احد لرؤيتها تعلم ان امها ارادت ومنعت ..تسمع اسمها من بين اخريات ..تدمير منشات تحريض قتل ..عمن يتحدثون هى لم ترى اى من هذا..
مر يوم اثنين لاتدرى كم من الوقت مر ..تراهن ينتظرن زيارة..