تأنيث الهجرة المغربية هل تعكس تحولات اجتماعية وثقافية بمجتمعها الأصلي؟



نزهة الوفي
2017 / 3 / 14

ملخص المقال : تأنيث الهجرة المغربيةهل تعكس تحولات اجتماعية وثقافية بمجتمعها الأصلي؟
مقاربة سوسيولوجية

الوجوه المتعددة لهجرة المرأة المغربية (تضفي تعقيدات على الهجرة النسوية وتتطلب مقاربات ترتكز أكثر على النوع. و Vaus (2009) ميز في عمله بين 4 زوايا للمقاربات التي خصصتها دراسات المرأة المهاجرة: التجمع العائلي، سوق الشغل، الاستراتيجيات العائلية، وشبكات الهجرة) . و هذه الدراسة تقارب موضوع الهجرة النسوية المغربية من زاوية جديدة تختلف عن المقاربات الغالبة في البحوث والدراسات التي اهتمت بالمرأة المغربية المهاجرة بالخارج. وتتجاوز النظرة المحدودة التي تتجاهل أو تفصل التحولات التي عرفتها الهجرة المغربية عموما والهجرة النسوية بالخصوص، عن التحولات السوسيو ثقافية التي عرفها المغرب والتي أعطت الموجة الثانية للهجرة النسوية المغربية (كما سنبين ذلك)، بعد الموجة الأولى التي كانت وراءها عوامل تتعلق، من جهة اولى، بالتجمع العائلي الذي يعتبر الرجل المهاجر محوره الفاعل والمرأة تابعة ومنفعلة، و تتعلق من جهة ثانية بالتطورات القانونية المشجعة التي عرفتها الدول المستقبلة. وتخلص الدراسة إلى اعتبار هجرة المرأة في الموجة الثانية التي تحركت خلالها باستقلالية تامة عن الرجل مؤشرا عن التحولات العميقة التي عرفها المغرب من الناحية السوسيو ثقافية.

تأنيث الهجرة المغربية
هل تعكس تحولات اجتماعية وثقافية بمجتمعها الأصلي؟

مقاربة سوسيولوجية


إعداد الطالبة
نزهة الوفــــــــي

أبريل 2016

جامعة محمد الخامس
الراباط المغرب

مقدمة

الوجوه المتعددة لهجرة المرأة المغربية (تضفي تعقيدات على الهجرة النسوية وتتطلب مقاربات ترتكز أكثر على النوع. و Vaus (2009) ميز في عمله بين 4 زوايا للمقاربات التي خصصتها دراسات المرأة المهاجرة: التجمع العائلي، سوق الشغل، الاستراتيجيات العائلية، وشبكات الهجرة) . و هذه الدراسة تقارب موضوع الهجرة النسوية المغربية من زاوية جديدة تختلف عن المقاربات الغالبة في البحوث والدراسات التي اهتمت بالمرأة المغربية المهاجرة بالخارج. وتتجاوز النظرة المحدودة التي تتجاهل أو تفصل التحولات التي عرفتها الهجرة المغربية عموما والهجرة النسوية بالخصوص، عن التحولات السوسيو ثقافية التي عرفها المغرب والتي أعطت الموجة الثانية للهجرة النسوية المغربية (كما سنبين ذلك)، بعد الموجة الأولى التي كانت وراءها عوامل تتعلق، من جهة اولى، بالتجمع العائلي الذي يعتبر الرجل المهاجر محوره الفاعل والمرأة تابعة ومنفعلة، و تتعلق من جهة ثانية بالتطورات القانونية المشجعة التي عرفتها الدول المستقبلة. وتخلص الدراسة إلى اعتبار هجرة المرأة في الموجة الثانية التي تحركت خلالها باستقلالية تامة عن الرجل مؤشرا عن التحولات العميقة التي عرفها المغرب من الناحية السوسيو ثقافية.
وهذا البعد أشارت له دراسة لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج: (هجرة النساء المغربيات تبرز توجهات تحولات اجتماعية عميقة. لأنه إذا استطاعت المرأة بلوغ امكانية التفكير وتحقيق مشروع خارج الوطن وبدون وصاية من الرجل، فلأن الظرفية المغربية تميزت بارتخاء الموانع الثقافية والتوجه نحو المزيد من السماح تجاه حركة المرأة بعيدا عن الرقابة المجتمعية للأسرة) لذلك كان البحث في هذه المقال يتمحور حول قضية واحدة أساسية وهي مقاربة الإجابة عن سؤال مركزي هو: ما هي العوامل السوسيو ثقافية التي انبثقت منها هجرة المرأة المغربية باستقلالية عن الرجل؟ وأسئلة فرعية أخرى مثل: لماذا غابت الهجرة النسوية التلقائية والمستقلة في الأجيال الاولى من هجرة المرأة المغربية نحو الخارج؟
ولا تزعم هذه الدراسة القيام بما تتطلبه الإجابة عن تلك الأسئلة من أبحاث، بل تحاول إثارة الانتباه إلى بعد سوسيلوجي مهم في هجرة المرأة المغربية يتعلق بالتحولات السوسيو ثقافية التي عرفها المغرب وأصبحث هي أحد عناوينها البارزة. وتكمن الصعوبة في هذه الدراسة في قلة الدرسات التي تناولت هجرة النساء المغربيات من هذه الزوايا. ذلك أن (الدراسات المغربية الهادفة إلى دراسة المرأة المهاجرة ناذرة. وإذا تم الاهتمام بها ففي إطار عام ( kachani 2009). والإحالة على التوجهات العامة لتطورات أعداد أو أنشطة المهاجرات، والأحداث التي تحيط بحركيتهن، و وضعهن في بلد الاستقبال، وعودتهن إلى المغرب إلخ ... وهو ما حاول تجاوزه عمل الغالي (2005) في دراساته للمهاجرات إلى اسبانيا والمنحدرات من منطقة تطوان و التي تتبع فيها الدوافع الاقتصادية والسوسيوثقافية والشخصية التي تدفع المغربيات أكثر فأكثر إلى اختيار الهجرة خارج البلد كوسيلة لتحقيق مشاريعهن والقطع مع حقيقة يتحملنها بصعوبة. ومن خلال تتبعهن في مسار هجرتهن في مدريد وفي مالاكا، أبرز المؤلف فشل مشروع هجرة النساء اللواتي يجدن أنفسهن في استغلال مزدوج، بسبب الجنس وبسبب وضعهن كمهاجرات بدون أوراق الاقامة في كثير من الحالات. لكن هذه الصورة لم تمنعهن ليكن، تحت وقع صورة الرجل المهاجر، مصدر مداخل بالنسبة لأسرهن التي بقيت في البلد)
وبصفتها مكونا من مكونات الهجرة الدولية، (لم تعتبر المرأة موضوعا مفضلا للأبحاث التي ضلت منجذبة نحو تيمات ترجع إلى الذكور وتهتم بالأثر الاقتصادي لمواقع الهجرة أو تطورات تدفقاتها وتوزيعها الجغرافي. بالنسبة لـ( Vause 2009 :11) والذي يحيل إلى Boyd و Grieco (2003)، " اللامبالاة اتجاه النوع التي تحضر حين يضيف الباحثون الجنس فقط كمتغير من المتغيرات أو كمجتمع فرعي في التحليل، دون إعادة معالجة الإطار التصوري الحاضر، أو دون تطوير نماذج جديدة تسمح بتفسير الفوارق على أساس النوع. لا شيء مفاجئ إذا علمنا أن البحث في المغرب كان مدة طويلة تحت تأثير البحث في العلوم الاجتماعية الفرنسية، والتي هي بدورها متأخرة في موضوع المرأة مقارنة مع التقدم الحاصل في البلدان الأنجلو ساكسونية، أو حديثا في بلدان مثل إسبانيا وإيطاليا (Maas et al.2001)) .
وترصد هذه الدراسة تطورات الهجرة المغربية عبر مراحلها الأساسية، وكيف بدأت ذكورية مطلقة تقريبا و تتطور إلى أن تستقر اليوم في وضع يغلب فيه الحضور النسوي عن الذكوري.

أولا: الهجرة المغربية: من الذكورة المطلقة إلى التأنيث الغالب

ظاهرة تأنيث الهجرة ظاهرة عالمية قديمة، وتم سنة 2005 إحصاء 94.5 مليون امرأة من بين 191 مليون مهاجر في العالم، أي ما يقارب النصف. وهي تمثل نصف المهاجرين تقريبا بالنسبة لكل دول العالم التي تعرف الهجرة خلال 2005، باستثناء دول إفريقيا والعالم العربي . و تشكل هجرة النساء الأغلبية لدى بعض الشعوب وبالخصوص شعوب أمريكا الشمالية، وأوروبا، والشرق الأوسط . وعرف تأنيث النساء تصاعدا فارقا مند بداية سنوات 90. وتتم الهجرة النسوية مند القدم في إطار التجمع العائلي بالتحاقها بزوجها أو أبيها المهاجر، لكنها اليوم في غالبيتها، تماما كما هو الشأن بالنسبة للرجال، هي هجرة عمل تتم بدوافع البحث عن الشغل أو استكمال الدراسة التي غالبا ما تنتهي أيضا بالبحث عن الشغل والاستقرار في بلاد الاستقبال. والمغرب لا يخرج عن هذه الصورة العامة كما سنرى لاحقا في هذا المقال.
ثانيا: هجرة الرجال المغاربة بداية
الهجرات الأولى للمغاربة نحو الخارج، والتي يمكن اعتبار وضعها الحالي امتدادا لها، تأطرت بشكل كبير بالعلاقة الكولونيالية التي تربط المغرب بفرنسا وإسبانيا(1912_1956)، وكانت تهم في البداية استقدام المغاربة للعمل في الجيشين الفرنسي والاسباني. ثم بعد ذلك استقدام اليد العاملة للعمل في المصانع و المناجم والحقول بعد أزمة اليد العاملة التي خلفتهما الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأيضا حين قررت فرنسا وقف تشغيل اليد العاملة الجزائرية خلال حرب التحرير (1954-1962) حيث سجل تشغيل وهجرة العمال والقاصرين المغاربة ارتفاعا قويا بفرنسا. وانتقل عدد المهاجرين المغاربة بفرنسا في تلك الفترة من 20 ألف إلى 53 ألف شخص، حسب (Hein de Haas)، في مقال علمي تحت عنوان Maroc: Préparer le Terrain pour Devenir un Pays de Transition Migratoire?، مضيفا أنه بالنسبة لإسبانيا لم يتجاوز عدد المغاربة الذين تم تجنيدهم في جيشها 40 ألف مغربي خلال الحرب الأهلية التي عرفتها إسبانيا. وبقيت الهجرة المغربية نحو إسبانيا محصورة في هذا القدر في تلك المرحلة إلى حدود سنوات 1960 حيث تحولت إسبانيا إلى مصدر لليد العاملة المهاجرة إلى شمال اوروبا.
وبقيت الهجرة التي تمت في ظل الاستعمار ضعيفة مقارنة بالهجرة التي عرفتها العشرية 1962-1972. وهي الفترة التي عرف فيها اقتصاد اوروبا الغربية نموا قويا نتج عنه طلب كبير على اليد العاملة ضعيفة التأهيل. نتج عنها ارتفاع صاروخي لحجم و أهمية الهجرة المغربية. و في إطار الحاجة المتنامية في اوروبا الغربية إلى اليد العاملة أدت اتفاقيات التشغيل المبرمة بين المغرب وكل من ألمانيا الغربية (1963) و فرنسا (1963) وبلجيكا (1964) وهولاندا (1969) إلى تنويع مسارات الهجرة المغربية خارج التراب الفرنسي. وتضاعف عدد المغاربة الذين تم تسجيلهم على أنهم مقيمين بدول إقامة اوروبية بعشر مرات. حيث انتقل من 30 ألف إلى 300 ألف. واستمر في التصاعد ليبلغ 700 ألف في سنة 1982، و مليون و 600 ألف في 1998، و 3 ملايين و 100 ألف في 2012.
تطور عدد المغاربة المقيمين بالخارج ما بين 1998 و 2006

عدد مغاربة العالم السنوات
1 662 870 1998
2 098 187 2000
2 549 215 2002
3 185 382 2005
3 300 000 2006
المصدر: موقع المندوبية السامية للتخطيط
و السمة البارزة للهجرة المغربية خلال العشرية 1962- 1972 وما قبلها، هي أنها هجرة رجال بامتياز، حيث كان حضور المرأة في بداياته. و ظاهرة غلبة الرجال على هجرة المرأة، وكون هذه الأخيرة هاجرت كربة بيت أو ابنة انعكست على التركيبة الديموغرافية الشاملة لمجتمع المهاجرين المغاربة، ورصدتها المندوبية السامية للتخطيط في دراسة أجرتها خلال سنة 2005 في عدة متغيرات منها "رب الأسرة المهاجرة"، حيث أكدت أنه (فيما يتعلق بالتشكيلة على أساس جنس رب الأسرة المهاجرة فإن 5.9 في المائة فقط منهم نساء، مقابل 94.1 في المائة رجال) . ورغم أن الدراسة أجريت خلال 2005 إلا أن التركيبة الجنسية لرب الأسرة المهاجرة حافظ بشكل قوي على مخلفات الهجرة الذكورية والتي تعتبر المرأة فيها ربة بيت فقط وليست ربة أسرة على اعتبار أنها لا تمثل فاعلا اقتصاديا في المجتمع و بالتالي لا تمثل معيلا للاسرة.
و في تفسيرها لتلك النسبة الضعيفة لربات الأسر الإناث أكدت دراسة المندوبية أن (هذه النسبة الضعيفة لربات الأسرة النساء تفسر بكون المرأة المغربية، وانطلاقا من سنة 1980، بقيت ولمدة طويلة، الفاعل الثقافي للهجرة، والرجل الفاعل الاقتصادي لها. وبالفعل فطيلة العقود الأولى للتجمع العائلي، بقيت الصورة المرجعية للمرأة المهاجرة صورة متعددة لأم الأسرة أي غير نشطة. ودخولها في النشاط في المجال الاقتصادي في بلدان الاستقبال يشكل ظاهرة جديدة، جاءت متأخرة جدا عن الرجل، وبالتالي ظهورها في مجال الاقتصاد أصبح فعليا فقط خلال العقود الأخيرة) وهذا يبين الدور الذي لعبه التجمع العائلي في تشكيل مجتمع المهاجرين ليس فقط على مستوى التوزيع الجنسي لبنيته الديموغرفية ولكن ايضا لتوزيع الأدوار حيث هيمن الدور الاقتصادي للرجل والدور الثقافي للمرأة.
وما يعزز أيضا الترابط بين الهجرة والزواج من جهة وبينها وبين تشكيلة مجتمع المهاجرين على أساس الجنس كون (72,5 في المائة من الأزواج تزوجوا في المغرب قبل التجمع العائلي، فيما 27,5 في المائة عاشوا في الهجرة قبل الزواج)، حسب دراسة المندوبية السامية للتخطيط، والتي أضافت أنه (في سنة 2005 حيث أجري البحث، كان 85,6 في المائة من رؤساء أسر المهاجرين المغاربة متزوجين، و11,4 في المائة عزابا، و2,2 في المائة مطلقين، وأخيرا 0,8 في المائة أرامل). وفي تفسيرها لهذه التركيبة الجنسية التي تعطي الغلبة للزواج أكدت الدراسة أنه (خلال السنوات 1960و1970، كانت الهجرة عاملا مهما في التشجيع على الزواج، بينما يتأخر أكثر بالنسبة للأجيال المهاجرة المـاخرة. وهذا يعني أن أجيال الهجرة القديمة تتشكل أكثر من المتزوجين مقارنة مع الأجيال الحديثة).
ثالثا: التحول نحو غلبة التأنيث
حسب تقرير "مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج"، "مغاربة الخارج 2013"، أصبحت المرأة واقعا مهما في الهجرة المغربية، وذلك مند سنوات 1970 ونتيجة التجمع العائلي. ووضعها كمهاجرة تطور من ذلك الوقت وأصبحت له عدة وجوه.
و نجد بالفعل أن الهجرة التي تمت قبل سنة 1980 كانت من حيث الاتفاقات المنظمة لها مؤقتة، لكنها انتهت باستقرار المهاجرين الرجال في بلدان الاستقبال بأوروبا، و بتشجيع من السياسات المرحبة بالتجمع العائلي المعتمدة من طرف دول الاستقبال الأوروبية انتقلت الهجرة المغربية بين سنتي 1970 و 1980 من هجرة متنقلة أو هجرة العمل، إلى هجرة بطبيعة دائمة و أسرية. مما فتح المجال لظهور المرأة المغربية المهاجرة بشكل واضح على مسرح الهجرة كزوجة أو كإبنة. وهذه الهجرة الأسرية بالخصوص هي التي تفسر مضاعفة أعداد المغاربة الذين يعيشون في اوروبا الغربية بأربع مرات، والذي انتقل من 291 ألف في 1972 قبيل الصدمة البترولية، إلى قرابة 1.2 مليون في 1992.
ويرى( Hein de Haas) أن التجمع العائلي اتخذ شكلين مختلفين: التجمع العائلي "الأولي"، في إطاره يقوم العمال، الذين هم بالأساس ذكورا، باستقدام نسائهم وأبنائهم. والتجمع العائلي "الثانوي" الذي يتم حين يتزوج ابن مقيم في بلد الهجرة من شخص في البلد الأصل. وفيما انتهى تقريبا التجمع العائلي "الأولي" نهاية السنوات 1980، تكرس التجمع العائلي "الثانوي" طيلة سنوات 1990 كعامل مفتاح لاستمرار الهجرة من المغرب. و في 1998، ارتفع عدد الأشخاص المنحدرين من المغرب والقائمين في الدول الاوروبية إلى 1.6 مليون شخص. و ارتفع أيضا مجتمع المغاربة المقيمين رسميا في اسبانيا و في إيطاليا، بعد اعتماد نظام "التأشيرة" وتسوية الوضعية للمهاجرين المغاربة المقيمين بصفة غير قانونية والذي انتقل من حوالي 20 ألف شخص خلال 1980، إلى 1.2 مليون خلال 2010، حسب التقديرات.
و إذا كان مجتمع المغاربة المهاجرين يتكون أساسا من الرجال، فإنه انطلاقا من سنة 1970 سيعرف نسبة متزايدة من النساء المهاجرات، ليس فقط كمصاحبات للرجال المهاجرين في إطار التجمع العائلي ولكن أيضا كمهاجرات مستقلات إلى جنوب اوروبا ليعملن كخادمات بيوت، مربيات، خادمات النظافة، أو في قطاع الفلاحة وفي الصناعات الصغيرة. ثم سوف تتوسع هجرة المرأة المغربية من خلال استكمال الدراسة، والبحث عن العمل، لتظهر مسارات جديدة لهجرتها شملت كل القارات وخاصة الأسيوية في اتجاه دول الخليج.

المهاجرون المغاربة حسب الجنس وبلد الإقامة
البلد السنة الجنس
ذكور إناث المجموع
عدد نسبة% عدد نسبة% عدد نسبة%
فرنسا 1975 190,6 75,3 69,4 24,7 260 100
1982 263,2 61,1 167,9 38,9 431,1 100
بلجيكا 1977 44,4 54,8 36,6 45,2 81 100
1981 58,4 55,6 46,7 44,4 105,1 100
1984 64,9 54,5 54,1 45,5 119 100
هولاندا 1984 62,6 58,8 43,8 41,2 106,4 100
1985 67,4 58,1 46,6 41,9 111,3 100
ألمانيا 1985 30 62,4 18,1 37,6 48,1 100
البلدان الاسكندنافية 1982 3 62 1,8 38 4,8 100
1984 3,3 59,6 2 40,4 5 100
المجموع 1982 408,4 59,9 273,4 40,1 681,8 100
1984 464,7 59,8 311,7 40,2 776,4 100
المصدر : وزارة التخطيط، الرباط 1986
ويقدم الجدول السابق تنامي تأنيث الهجرة المغربية بين السنوات 1975 و 1985، ويلاحظ أن نسبة النساء بين المهاجرين تتراوح حسب دول الإقامة بين 24.7 في المائة (فرنسا 1975) و 45.5 في المائة (بلجيكا 1984).
وتؤكد المندوبية السامية للتخطيط في دراسة لها سنة 2005 أن التغييرات على أساس الجنس الذي عرفه مجتمع المهاجرين المغاربة في الخارج لصالح المرأة يظهر أيضا في التوزيع على أساس الجنس لمجموع مجتمع المهاجرين، والذي يعطي للرجال حصة 54.6 في المائة للنساء 45.4 في المائة. وهذه المؤشرات تسطر أن الهجرة المغربية أصبحت هجرة عمل، بدافع البحث عن الشغل. ويقدم الجدول الموالي خريطة التوزيع الجنسي حسب الفئات العمرية.




التوزيع حسب الجنس والفئة العمرية لمجتمع المهاجرين المغاربة سنة 2005
الفئة العمرية الرجال النساء المجموع
أقل من 15 سنة 50.6 49.4 100.0
26.9 31.5 29.0
من 15 إلى 59 سنة 55.1 44.9 100.0
68.8 67.4 68.2
60 سنة فما فوق 83.0 17 100.0
4.3 1.1 2.8
المجموع 54.6 45.4 100.0
100.0 100.0 100.0
المصدر: بحث ميداني، الإدماج السوسيواقتصادي لمغاربة العالم ببلدان الإستقبال من إنجاز المندوبية السامية للتخطيط ومركز الدراسات والأبحاث الديمغرافية HCP-CERED 2005 .
وإذا كانت الفترة ما قبل سنة 1970 فترة هيمنة الرجل على مجتمع المهاجرين، فإن حضور المرأة في الهجرة، من خلال التجمع العائلي بالأساس، توسع بشكل تدريجي لينقلب الوضع اليوم إلى تأنيث متدرج كبير بلغ نسبة 45.4 سنة 2005، ثم إلى تأنيث غالب من حيث عدد المهاجرين المغاربة في الخارج، وأصبحت النساء اليوم يمثلن 51في المائة من مجموع المهاجرين المغاربة في الخارج ، والبالغ عددهم الإجمالي سنة 2014، حسب الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، 3 ملايين و 800 ألف.
رابعا: موجتان لتأنيث الهجرة

مما سبق يظهر أن عملية تأنيث الهجرة المغربية بالخارج تمت عبر موجتين من هجرة النساء، الموجة الأولى تمت بالأساس في العشرية 1970-1980 واعتمدت بشكل رئيسي آلية رئيسية واحدة هي التجمع العائلي، والمرأة في إطاره مجرد مصاحبة للرجل كزوجة أو كإبنة. ويمكن نعتها بـ"الهجرة التابعة" لكون هجرة النساء تتم بتبعية تامة للرجل وبإثارة منه.
و الموجة الثانية جاءت بشكل واضح بعد سنة 1980 ولا تزال مستمرة إلى اليوم، التجمع العائلي أصبح فيها ثانويا، و سمتها الرئيسية هي انتقال المرأة إلى خارج البلد الأصل باستقلالية عن الرجل، سواء كطالبة تسعى إلى استكمال دراستها والاستقرار غالبا ايضا في البلد المستقبل، أو كباحثة عن شغل في مجالات مختلفة، وهذا النوع من الهجرة النسوية يمكن نعته ب، "الهجرة المستقلة" كون هجرة النساء تكون لها نفس الوجهات من حيث المقصد الجغرافي، لكنها تتم في استقلالية عن هجرة الرجل.
وفي هذا المستوى تطرح عدة أسئلة منها:
لماذا غابت الهجرة النسوية المستقلة في الأجيال الأولى للهجرة المغربية وحضرت في الأخيرة؟
لماذا لم تكن المرأة فاعلا تلقائيا مستقلا في الهجرة مثلها مثل الرجل؟
ما هي طبيعة الموانع التي تقف دونها والهجرة مثل الرجل؟
وما الذي تغير في المغرب بين موجتي الهجرة النسوية؟
وإذا كان التجمع العائلي يفسر هجرة النساء الأوائل تحت مسؤولية الرجل وبعد تطورات في قوانين دول الاستقبال، فإنه لا يفسر "غياب" الهجرة التلقائية المستقلة حينها وحضورها الكبير اليوم، فما الذي تغير؟


خامسا: المدخل السوسيو ثقافي لفهم تعدد أشكال هجرة المرأة المغربية

أ‌. الحقل السوسيو ثقافي كمرجع لفهم ديناميكية هجرة النساء
يشدد تقرير "مغاربة الخارج 2013"، لـ "مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج"، أن (المرأة أصبحت واقعا مهما في الهجرة المغربية، وذلك مند سنوات 1970 ونتيجة التجمع العائلي. ووضعها كمهاجرة تطور من ذلك الوقت وأصبحت له عدة وجوه. وجه مهاجرة الجيل الأول والتي تعبر الهجرة فيه كحركة مصاحبة الأب أو الزوج. وبعد مغادرة تحت الخضوع، والذي استمر لمدة طويلة في الخفاء، نجحت تلك النساء، مع مرور السنين في وضع الهجرة، في اكتساب سلطة داخل الأسرة، معززة في الغالب بوجود أبناء و استقلالية مالية نسبية. والبنات اللواتي ولدن في المهجر تنتمين إلى الجيل الثاني أو الثالث. وأصبح لهن إمكانية ولوج التعليم والشغل الذي أعطاهن وضعا مختلفا عن وضع أمهاتهن. ورغم أنهن يعتبرن "فاعلات اقتصاديات أو اجتماعيات"، لم تتحرر حياتهن من إكراهات الأسرة. وبعضهن تحررن واعتنقن قيم العصرنة لمجتمع الاستقبال، في حين أن الأخريات لم يستطعن تجاوز الضغوط الثقافية و/أو الدينية التي يفرضها عليهن المجتمع الأصلي. وعلى ضوء هذا الحقل السوسيو ثقافي الصراعي يتحدد موقع النساء المنخرطات في حركة الهجرة الحالية، بسبب الدراسة، أو الزواج، و/أو العمل. وتنضاف إلى هؤلاء المهاجرات النساء اللواتي تم تهجيرهن في إطار العمل الفلاحي الموسمي بإسبانيا، أو اللواتي يتم النداء عليهن للعيش في دول الخليج بناء على عقود العمل المنزلي، أو فنانات أو متخصصات العناية).
وهذه الفقرة تشير إلى الحقل السوسيو ثقافي كمرجع لفهم ديناميكية هجرة النساء، وإذا كان التجمع العائلي وتطور القانون في دول الاستقبال يفسر هجرة المرأة المغربية خلال السنوات ما قبل 1970، فإن الذي يفسر هجرتها خارج التجمع العائلي عوامل سوسيو ثقافية واقتصادية أيضا.
وفي هذا السياق تشير المندوبية السامية للتخطيط في دراسة توقعية نشرت على الموقع الرسمي للمندوبية تحت عنوان "مستقبلية مغرب 2030 أية ديمغرافية؟" إلى العوامل السوسيو ثقافية في فهم ظاهرة تأنيت الهجرة الداخلية أيضا، وجاء فيها (لقد عرف مكون الهجرة الداخلية حسب الجنس تحولات كبرى باتجاه تأنيث متصاعد. وهكذا تساهم المرأة في الهجرة على عدة أصعدة. وذلك، أولا من خلال مبادرتها الخاصة، في إطار هجرة مستقلة، بحثا عن شروط عيش أفضل، وكذلك باعتبارها مرافقة للرجل كزوجة أو عضو من العائلة أو ربة أسرة.
إن التأنيث المتزايد لموجات الهجرة الداخلية، سواء من حيث الحجم الذي بلغته، أو التغيرات التي أثارتها والتحولات التي رافقته على مستوى وضع المرأة المغربية وشروط عيشها، قد ساهم في تحديث سلوكها الديموغرافي).
وربطت المندوبية السامية بين الهجرة المستقلة للنساء و بين بحثهن "عن شروط عيش أفضل".
وهذه الإشارات إلى العوامل السوسيو ثقافية في تفسير انخراط المرأة المستقل في الهجرة، تطرح السؤال عن طبيعة تلك العوامل؟

ب‌. العوامل السوسيو ثقافية المحفزة لهجرة النساء

لا ينفصل تطور هجرة النساء عن تطور وضعها في المجتمع المغربي، وهذا الوضع تطور في أبعاد متداخلة نتج عن عدة عوامل منها تعليم المرأة وخروجها للعمل واستقلاليتها المالية وتحملها الأعباء الاقتصادية للأسرة، واكتسابها مع الوقت حرية التنقل والسفر، داخل المغرب أولا وخارجه لاحقا.
إن اكتساب القدرة على السفر يمر بالضرورة عبر الليونة التي عرفتها الضوابط الأسرية التي تحد من حرية المرأة ومن مجال تحركها ونشاطها. وهذه الليونة ساهمت فيها بدورها تغيرات سوسيو تقافية عامة عرفها المجتمع المغربي.
لقد قاربت المندوبية السامية للتخطيط في دراستها التوقعية المشار إليها سابقا، أهم التحولات التي عرفها المجتمع المغربي والتي أدت إلى اكتساب المرأة وضع الاستقلالية والحرية، والتي تفسر اكتسابها الحق في الهجرة باستقلالية عن الرجل، سواء داخل المغرب أو خارجه. وركزت المندوبية على تطور عامل الزواج، وعامل الإنجاب، وعامل التعلم.
وفيما يتعلق بعامل الزواج، جاء في تقرير المندوبية التوقعي (كان التقليد السائد في 1960 هو الزواج المبكر، على نطاق واسع، والذي يتم ترتيبه في الغالب في سن المراهقة، بل مند الطفولة. وهكذا فإن 94 في المائة من النساء في سن 24إلى 24 سنة كن متزوجات. وكانت هذه النسبة تقترب من 98 في المائة بالنسبة للفئة العمرية من 25 إلى 29 سنة. أما ما بعد 30 سنة فإن نسبة العزوبة لم تكن تهم سوى قلة قليلة من النساء: حوالي 1,5 في المائة فقط).
ونلاحظ كيف أن مؤسسة الزواج كانت هي المصير الحتمي تقريبا للنساء، وأن نسبة النساء اللواتي لا يلتحقن بمؤسسة الزواج قليلة جدا وكانت حوالي 1.5 في المائة. وهذه الوضعية تفسر الارتباط الوثيق بين المرأة ومؤسسة الزوجية، وأن هذه العلاقة تتأسس بشكل شبه كلي في عمر دون الثلاثين سنة.
وفي رصدها للتحول عن الوضعية التي سجلتها المندوبية خلال سنة 1960، تؤكد : (لقد بدأ التحول واضحا جليا مند الستينات، حيث نجد أن نسبة المراهقات ما بين سن 15 و 19 سنة اللائي كن قد تزوجن تراجعت بحوالي النصف: - على 10 سنة 1960، 3 على 10 في 1971، لتصبح هامشية ابتداء من نهاية الثمانينات (حوالي 1 على 10). ثم يشيع النزوع إلى تأخير الزواج، وذلك بسرعة فائقة، بعد سن العشرين. ففي داخل الفئة العمرية 20-24 سنة كانت نسبة العازبات في 1960 طفيفة: 6 في المائة، لتصل في إحصاء 1982 40الى في المائة، قبل أن تصبح غالبة في 1985، ولتستقر في نسبة تفوق 60 في المائة بقليل سنة 1997، بل تتجاوز 2 على 3 بالنسبة للمرأة الحضرية).
ونلاحظ كيف انهارت المؤشرات المتعلقة بالزواج نحو تأخيره خلال 37 سنة، مما يعني أن مؤسسة الزواج لم تعد هي المصير الحتمي لوضعية المرأة في المجتمع كما كان سابقا، مما سيفتح أمامها مسارات للتطور والاندماج الاجتماعي والاقتصادي مختلفة.
وفي تفسيرها لهذه التطورات تؤكد المندوبية في دراستها التوقعية أنه (بدراستنا لتطور نسب العازبات ما بين 20-24 سنة والعزاب ما بين 25-29 سنة يتبين لنا مدى التغيرات التي طرأت على زواج الجنسين للمرة الأولى. فقد ارتفعت هذه النسبة بشكل محسوس لأسباب عدة ، انتشار التمدرس خاصة لدى البنات، ولوج سوق الشغل، التطلع إلى نمط الحياة مغاير، صعوبات اقتصادية، ...إلخ).
ونلاحظ كيف أن عوامل سوسيو ثقافية هي المحرك الأساسي لتطور وضع المرأة نحو الاستقلالية التي سمحت لها بحرية السفر داخل وخارج المغرب لاحقا، وذكرت على رأسها تمدرس البنات، وولوجهن سوق الشغل والتطلع إلى نمط حياة مغاير و الصعوبات الاقتصادية، ولا شك أن تظافر هذا العوامل تسمح للنساء باكتساب كفاءات تدعم تحررهن من الضوابط التقليدية التي ترهن مستقبلهن بمؤسسة الزواج كربات البيت. مما يعني انقلابا في القيم الاجتماعية التي تؤطر نظرة المجتمع إلى المرأة ووضعها في المجتمع. وهو ما أكدته دراسة المندوبية في تعليقها على التحولات التي عرفتها مؤشرات الزواج، وأكدت أن (الزواج المبكر لم يعد هو المقياس، بل إن مؤسسة الزواج نفسها تزعزعت، وأصبح الزواج يرتكز أكثر فأكثر على عواطف الزوجين أكثر من ارتكازه على قواعد الأعراف العائلية (زواج دموي، مع هاجس الحفاظ على الأملاك الخاصة)، كما أن العزوبة المطلقة، سواء كانت اضطرارية أو عن اختيار، فإنها تتكرس أكثر فأكثر، سيما من قبل النساء ذوات الشواهد العليا).
المدخل الآخر الذي أشارت إليه الدراسة التوقعية للمندوبية السامية للتخطيط، تتعلق بمؤشرات محو الأمية بين النساء وولوجهن سوق الشغل، و جاء في تلك الدراسة (تميزت العقود الأخيرة بنوع من التحسن على مستوى التمدرس، وخاصة تمدرس الفتيات، وعلى مستوى محو الأمية بين النساء، فقد انتقلت الأمية وسط النساء من 96 في المائة سنة 1960 إلى 55 في المائة سنة 2004، أي بانخفاض 41 نقطة خلال 44 سنة. ويرجع ذلك، أساسا، إلى انتشار التمدرس بين الأجيال الصاعدة، حيث بلغ تمدرس الفتيات في التعليم الأساسي 77,5 في المائة سنة 2004)
ويلاحظ الانقلاب الكبير في نسبة محو الأمية في الفترة ما بين 1960 و 2004، من نسبة أمية بين النساء تبلغ 96 في المائة إلى نسبة تمدرس الفتات تبلغ أزيد من 77 في المائة وما تخلل ذلك من تراجع نسبة الأمية نفسها بين النساء بنسبة 41 في المائة خلال 44 سنة. وهذه التحولات في مجال دراسة وتعلم المرأة كانت له آثاره الكبيرة والواضحة التي مست وضعها في المجتمع، وهو ما أكدته نفس الدراسة حين سجلت أن (تحسن الرصيد الدراسي للنساء بالمغرب سمح بمراجعة بعض المعايير التي تجعل من المرأة مجرد عاملا للإنجاب. كما أن مواصلة الدراسة حتى تبلغ مستويات عليا نسبيا، قد فتح أمام المرأة آفاقا جديدة أمام استقلاليتها واندماجها المهني، الأمر الذي أدى إلى ظهور تصور جديد للمرأة، و سيؤثر هذا التمدرس المؤهل الذي ينعث بـ"الهدر الدراسي" في استراتيجيات النساء بخصوص الزواج، ذلك أن التوفر على شهادة عليا من شأنه أن يدفعهن إلى تبني اختيارات فردية لتطوير وضعهن و إلى ممارسة نشاط مهني، الأمر الذي لا يخلو من تأثير على سلوكهن الانجابي).
المستوى الدراسي
6,8% 8 بدون
18,8% 22 الابتدائي
6,0% 7 الاعدادي
30,8% 36 الثانوي
37,6% 44 NC
100,0% 117 المجموع

المصدر البحث الميداني للأطروحة التي ننجزها حول المواطنة العابرة للحدود: دراسة سوسيولوجية لحالة مغاربة العالم.

إن تسجيل دراسة المندوبية يتوافق ونتائج البحث الميدني( الجدول أعلاه) بحيث أن أكثر من 44 بالمائة من المستجوبات لهن مستوى ما بعد الجامعة. وبالتالي فإن (تحسن الرصيد الدراسي للنساء بالمغرب سمح بمراجعة بعض المعايير التي تجعل من المرأة مجرد عامل للإنجاب)، يوحي بتحولات تتجاوز المرأة إلى المجتمع الذي أصبح ينظر إلى المرأة فاعلة ليس فقط في حق من ال الزوجية ولكن في حقول جديدة اعتاد المجتمع أن تكون حكرا على الرجل. وتسجيل الدراسة أن (مواصلة الدراسة حتى تبلغ مستويات عليا نسبيا، قد فتح أمام المرأة آفاقا جديدة أمام استقلاليتها واندماجها المهني) يوضح بجلاء دور التعلم في اكتساب المرأة الاستقلالية والكفاءة المؤهلة للانخراط في سوق الشغل المهني. كما أن تسجيلها أن (التوفر على شهادة عليا من شأنه أن يدفعهن إلى تبني اختيارات فردية لتطوير وضعهن و إلى ممارسة نشاط مهني)، يعطي إشارات إلى الآفاق التي يفتحها حصول النساء على الشواهد العليا والتي سيكون من بينها بشكل طبيعي التفكير في الخارج لاستكمال الدراسة والبحث عن متنفس لتحقيق المشاريع التي تبلورت في دهنيتها عبر مسار طويل من مقاومة الأمية والضوابط المجتمعية التي يربع عليها الرجل.


ج. هجرة المرأة عنوان التحولات السوسيو ثقافية الكبيرة بالمغرب:
إنه باستحضار البعد السوسيو ثقافي المهيمن في فترة هيمنة الهجرة الذكورية إلى الخارج واقتصار هجرة النساء على الهجرة ضمن التجمع العائلي، نجد أنها تنظر إلى المرأة كما أشارت إلى ذلك دراسة المندوبية السامية للتخطيط، على أنها فاعل اجتماعي ينشط بالخصوص في البييت كربة بيت ووسيلة للإنجاب، فيما تنظر إلى الرجل على أنه فاعل اقتصادي مجال نشاطه الرئيسي في المجتمع/الفضاء العام. هذا القالب السوسيو ثقافي لا يسمح بالتفكير في وجود احتمال ولو بنسبة ضعيفة يستوعب إمكانية هجرة النساء إلى الخارج.
وهكذا يمكن اعتبار هجرة النساء باستقلالية عن الرجل إلى الخارج، مؤشرا حقيقيا يعكس التحولات السوسيو ثقافية التي عرفها المجتمع المغربي عبر عدة عقود من تاريخ استقلاله السياسي...


خلاصــــــة

من اجل فهم عميق للتحولات المتفاعلة في حسم مغاربة العالم من الضروري الاحاطة المتعددة الجوانب بالهجرة المستقلة للنساء التي تعتبر اهم مؤشراتها لاعتبارات أولا فهي تعكس حجم التحول والمتغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي كمنطلق لهذه الدينامية التي امتدت الى بلدان الاستقبال حيث البحث العلمي بالأدوات الوصفية والكمية وحده الكفيل بتعرية هذا التحول والتعرف عليه وقراءة تداعياته وخلفياته الاجتماعية حول البنية الاجتماعية والنسق الاجتماعي الحديد الذي اصلح يؤطر المجتمع المغربي من جهة ثانية المشاريع الاستثمارية التي أطلقتها النساء المهاجرات بالمهجر بمشروعهم الهجروي كرأسمال يبطن مركبا معقدا وجب تحليليه كما وكيفا، لانهن لم يرحلون فقط للتجمع العائلي٠٠٠ مسار تأنيث الهجرة المغربية احد اهم المؤشرات الناطقة بالتحولات الحبلى بالمعاني المركبة من الاندماج الى المثاقفة و التجنيس وازدواجية الإنتماء والتعددية الثقافية والهوياتية وعلائق الجندرية بالسلطة وتوزيع الادوار٠
ما أفرزته الهجرة بالمؤنث من دينامية في الولوج الى سوق الشغل تقودنا الى سؤال العلاقات الاجتماعية والسلطة بالنسبة لنساء المغرب بالمهجر وسؤال استقصاء والبحث عن الذات وعن الاستقلالية، لهجرة النساء باستقلالية تعكس مشروعا استثماريا تطرح فيه المرأة المهاجرة تحديا يستنفر ويستفز أدوارها التقليدية والهندسة الاجتماعية الموروثة بالبلد الاصلي، ويبقى السؤال هل مشروع استثمار رأس ماله الاستقلالية المادية لإقرار مساواة وثورة على المرجعية الثقافية المؤطرة لدورها داخل الجماعة التي هي جزء منها أو ما يسمى بالجالية المغربية أو هو بحث عن وأدوار مفتقدة تبحث عنها عبر مسلك الاستقلالية المادية لكنها تبقى متمنعة ثقافيا على الأقل بالنسبة للجيل الاول من النساء المهاجرات حيث يترجم ذلك بالمقابل في البحث عن احتياجات هوياتبة لاشباع هوية منقولة مجتثة على تعبير بورديه ؟

وحيث أن التغيير الإجتماعي هو انتقال من وضعية الى أخرى ، مع هذا البروزالسريع للمرأة المغربية بالسياق الهجروي ببلدان الإستقبال بدأ اهتمام جديد بهذا التغيير الإجتماعي المتمثل في التأنيث المتزايد للهجرة المغربية سواء من طرف الباحثين أو من طرف المغرب وبلدان الاستقبال أيضاً من اجل إدماجهم اللغوي والثقافي وفك العزلة عن النساء المهمشات بالمهجر ، واسثتمار كفاءاتهن في عالم المنافسة المعرفية التي باشرها المغرب ومواكنة هذا التحول بدراسات موضوعاتية لهذا المعطى المستجد من الهجرة بالنظر لمركزيته في مجموع التحول الذي يعرفه مغاربة العالم بتأكيد الإحصاءات الرسمية لدول الاستقبال والمغرب التحول في الهجرة المغربية.