القصيدة التاريخية -ركام الأزمان .. من سالف القدس حتى الآن- عبد الله الخالدي



رائد الحواري
2017 / 3 / 14

القصيدة التاريخية
"ركام الأزمان .. من سالف القدس حتى الآن"
عبد الله الخالدي
ما كان لنا أن نتعرف على شاعر متألق لولا الأمسية الشعرية التي اقامها "نادي بيتا الرياضي" والتي وقع تنظيمها بشكل أساسي على عاتق الشاعر "مفلح أسعد" الذي يكاد أن يكون محرك النشاط الثقافي في منطقة نابلس.
النص التاريخي في الشعر ليس بالأمر اليسير، ويحتاج إلى قدرات استثنائية، متمثلة في قدرة الشاعر على فهم التاريخ ومعرفته للأحداث بشكل موضوعي وحيادي، ومن ثم تقديم هذا المعلومات/المعرفة بشكل أدبي/قصيدة، وهذا من أصعب الأعمال الأدبية، لكن الشاعر "عبد الله الخالدي" الذي يرى وطنه يسلب ويسرق من قبل المحتلين، تجاوز قدراته وقدم لنا نص شعري تاريخي، يمتاز بلغة راقية، قدم من خلالها تاريخ فلسطين منذ بداية الحضارة الإنسانية إلى الآن، وهذه المعلومات/المعرفة التي قدمها الشاعر هي بحد ذاتها عمل ابداعي، فتقديم المعلومة التاريخية الناشفة بشكل أدبي يرسخها في الذاكرة أكثر، ويجعلها أكثر ديمومة من تلك التي تأتي بشكل مباشر/تعلمي.
ليس لي أن اقتبس من القصيدة أجزاء منها، فهي كل متكامل، وتشكل حالة ابداعية استثنائية في الشعر الفلسطيني المقاوم بالمعرفة والحقائق التاريخية، فالشاعر يرد على المحتل بسرد شعري جميل، وهذا يضاف جمالية إلى المعرفة التاريخية التي جاءت في القصيدة، فالشاعر عندما قدم معلوماته التاريخية بشكل شعري، أكد للمتلقي بأن تلك الحضارة التي تمتد إلى آلاف السنين ها هي فاعلية إلى غاية الآن من خلال وجود شعراء من تلك المنطقة الجغرافية ، فلسطين ـ التي يدافع عنها الشاعر. والتي خصها بقصيدته " ركام الأزمان .. من سالف القدس حتى الآن" ما زال عطاءها الابداعي حاضر وفاعل ومستمر، فهل هناك دليل أكبر وأقوى من هذا على الدليل؟.



"ركام الأزمان .. من سالف القدس حتى الآن"
...................................
ما شابها من سالفٍ تأسيسُ ..
قلْبَ العوالمِ تستقرُّ " يَبُوسُ"
من آل كنعانٍ قبائل هاجرت ...
حتى أنيختْ للقبائل عيسُ
قبْلَ المسيح ثلاثُ آلافٍ مَضتْ ..
قبَسُ الحضارة أشعلتْهُ دُروسُ
" جيحون " قد نقلوه شربة مائهم ..
و العيش دون مياهه ميؤوس
فاشتد عود القوم يحمون الحمى..
فاستبسلتْ بالنازلاتِ نفوسُ
عِبريُ أقوامٍ غُزاةً أقبلوا ..
نحو اليبوس ودربهم مدروسُ
وتعاقبت أقوام في ترحالها ..
من مصر "موسى" باليهود يسوسُ
بعد الهزيمة شُتتوا و تفرقوا ..
فأصاب " يوشعَ " نقمةٌ و عُبوسُ
ثمْ سادَت العرب الديار بسلمها ..
ذي "أرض سالم" خصها القدوسُ
و من الغزاة تعاقبت غزواتها ..
في كل ناحيةٍ دِما و رؤوسُ
رومانُ عطشى للدماء يقودهم ..
شبح الظلام بجرمه " تيتوسُ "
عَربٌ ملامحهم على بنيانها ..
لم يسعف الغازي لها تدنيسُ
حجَّ "المسيح" لها يقدس أرضها ..
ذي "إيلِياءٌ" بالحجيج عروسُ
و الطهر زينها بليل قداسةٍ ..
معراجُ "أحمد" في الدجى فانوسُ
قد جهز "الصديق" ينوي فتحها ..
يرموك أمٌّ للحروب ضروسُ
" و ابن الوليد " مهندٌ من ضربه ..
يغشى بلاد الفرس ذا الكابوسُ
قد أسقموا أهل الصليب برعبهم ..
حتى دعا "الخطابَ" "صَفْرونْيوسُ"
إذ قال قولته بملئ دموعه ..
جرع الندامة والهمومُ كؤوسُ
" العدل دولته تُخلدُ في الورى" ..
أسفارهم شهدت كذا الناموسُ
جنحَ الصليبُ عن السلام بغفلةٍ ..
حين الملوك أقضهم تدليسُ
و إذا به من مصر كبَّر مقبلاً ..
يوم الكريهةِ فوزه تنفيسُ
هذا "صلاح الدين" خيرُ مُجنّدٌ ..
و لكل يعرب قائدٌ و رئيسُ
حتى بنى "الأتراك" سورا حولها ..
يحمي القداسة دولةٌ و تروسُ
غرقت بلاد العُرْب باستعمارها ..
"بلفورُ" قُبّح ذكره مدسوسُ
أهدى البلاد إلى اليهود بوعده ..
ما ليس يملك إنه لخسيسُ
سقطت ديار القدس ذات عروبةٍ ..
في نكبة من بعدها التنكيسُ
" غوريونُ " تنهش كالكلاب حياتنا ..
" مائير " كل الرجس حيث تدوسُ
" موشي" و "شاميرٌ" و "شارونٌ" قضوا ..
قيسوا مجازرهم بنا ثمْ قيسوا
و من انتفاضة شعبنا طاب الردى ..
خصمان هنَّ قذائفٌ و فؤوسُ
و من الحجارة رجمُ شبلٍ يرتقي ..
نحو الشهادة حتفه محسوسُ
ثم غردت في القدسِ كل بنادقٍ ..
وكذا بغزةَ طهرُها ملموس
مهما قضى الخصمان ثمَّ حميةٌ ..
ما زال للشرف النقي قاموسُ
عَزَمَ الرجال بأن "أقصانا" لنا ..
و بأن "هيكل" زعمهم مكنوسُ
ما زالت القدس العتيقة تعتلي ..
عرش العروبة مذ بدا التأسيسُ