رسائل انسي الحاج الى غادة السمان ..ليس من حقنا أن نصادر رغبتها في النشر



شكيب كاظم
2017 / 3 / 15

أثار صدور كتاب (رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان) عن دار الطليعة - بيروت العام 2016 الكثير من التعليق واللغط والانتقاد، ما يؤشر ظاهرة صحية إلى حد ما، هي أن هناك من يتابع ويقرأ، في وقت نعاني فيه تصحراً وعزلة وقنوطاً،لكن هذا اللغط يؤشر إلى حالة سلبية تتسقط ما يعده بعضهم هفوة، أو كسراً للقار والمألوف، ويأتي هذا اللفظ في أقصى صوره من جانب الكاتبات لا الكتاب الرجال، وكأن إصدار غادة السمان لهذا الكتاب، كان مناسبة لتصفية الحساب معها،وهي من نالت الشهرة والذيوع والانتشار ما يبقي الكثير من الكاتبات في موضع الحاسدة المتبرمة الشائنة، حتى أن إحداهن اتهمت غادة بأن نشرها هذا الكتاب محاولة منها، لاستعادة بريق آفل، وحضور كان. أرى أن غادة التي شغلت الثقافة العربية على مدى عدة عقود، وكانت واسطة العقد في ثقافتها يوم كانت تحيا في بيروت الستينيات، بيروت الفكر والحرية والمقاومة، ستظل متألقة وآخذة مقامها اللائق بها في الثقافة العربية، صاحبة «المرافئ القديمة» و»لا بحر في بيروت» و»الجسد حقيبة سفر»، فضلاً على تلك المقالات الجميلة المكتوبة بلغة رشيقة، التي كانت تطالعنا بها من خلال مجلات بيروت مثل مجلة (بيروت المساء).
ما انزوت غادة السمان، ولا غادرت الساحة الثقافية، مثل أخريات، ليلى بعلبكي مثلاً التي اكتفت بما أغدقته عليها روايتها التي أثارت جدلاً واسعاً يوم أصدرتها سنة 1962 ( سفينة جنان إلى القمر) فنامت واستنامت، بل ظلت غادة في الواجهة على الرغم من العمر الذي لا تعترف به، فما زالت تكتب العمود الثقافي الذي أطالعه بمودة وشغف، وأكاد أعرفه من عنوانه، بالنص يمتح من ذات الكاتبة وروحها، وحتى آخر ما صدر لها روايتها (سهرة تنكرية للموتى) التي تتناول علاقة العربي بالأوروبي أو الغربي،ولكن بوجهة نظر مغايرة، داعية إلى الأخذ منه والاقتراب إليه، على عكس ما كان سائداً في عقود خلت من كره.
إني وإن عبت على غادة السمان، نشرها لرسائل غسان كنفاني إليها لسبب بسيط، هو أن كان الأجدر والأجدى لو نشرت رسائلها لغسان، سيكون الأمر أكثر أمانة وقرباً إلى حقائق الحياة والأشياء، لكن لعل لها عذراً وأنت تلوم، فللمرأة أسبابها الذاتية والموضوعية، ولعل دافعاً خفياً مرتمساً في اللاشعور وراء عيبي ولومي ذاك، لعله ما رسخ في واعيتي من عدم خدش الصورة الشامية الايقونية لغسان كنفاني، ودوره في حركة المقاومة الفلسطينية، ومن ثم ذلك الرحيل المأساوي، باغتياله يوم السبت 8 تموز 1972، ويظل الأمر مختلفاً عند الشاعر أنسي الحاج فهو شخصية عامة، فضلاً عن غادة، وليس من حقنا مصادرة حقها في نشر ما تعده جزءاً من إرثها الثقافي،وهل هناك أصدق من الرسائل الذاتية، رسائل الوجد والتواجد والعشق والغرام؟ ولاسيما إذا كانت صادرة عن مشاعر
شاعر؟!
ألم تنشر منذ عقود الرسائل المتبادلة بين مي زيادة وجبران خليل جبران؟مع ذلك يظل السؤال قائماً، أما كان الأجدر، لو نشرت غادة رسائلها لأنسي الحاج، ومن قبل ذلك رسائلها لغسان كنفاني، لماذا يطريها ويدغدغ أحاسيسها أن تكون المعشوقة، وتتكتم على دور العاشقة؟