قانون لتعدد الزوجات - شرُّ البَليَّة ما يُضحك -



مصطفى محمد غريب
2017 / 3 / 15

على ما يظهر كل شيء ممكن حدوثه في العراق حتى لو كان يثير السخرية والتندر وينافي العقل والبصيرة وقلب الحقائق وتزوير الأحداث والوقائع واستغلال المقدسات والدين خدمة لأهداف ومصالح ذاتية وشخصية، كل شيء ممكن التزييف والتزوير في الانتخابات، القتل والاغتيال والتفجير والخطف، الاعتقال واستغلال القوانين والمؤسسات الأمنية بما فيها قضايا الفساد المالي والإداري، ولا يتوانى البعض لاسيما السياسيين من الدفاع عن اللامعقول وكأنه المعقول بذاته مقلوب على رأسه ولهذا ضُرب المثل " شر البلية ما يضحك " وتلك مأساة الموضوع الذي سنتناوله مما يجعل المتلقي بدلاً من البكاء واللطم على الخدود أن يضحك من الفاجعة التي تمثل حالة هستيرية تصيب الأكثرية قد تؤدي إلى الانتحار مثلما حدث في بلدان عديدة بعدما كانت البلوى السياسية والاقتصادية والمعيشية والإرهاب السلطوي قد عم مرافق بلدانهم.
في العراق المبتلي " بالبلاوي " وليس ببلاء واحد هناك فواجع تجعل المواطن يقهقه من القهر لكن على الرغم من ذلك فان الكثير من العراقيين مازالوا يستبشرون الخير للمستقبل، وحالهم حال الشعوب في الكثير من البلدان استقبلوا الثامن من آذار بالفرح والحبور لأنه يوم المرأة العالمي ودليل على المساواة العادلة، هم ليسوا وحدهم فقد عمت الاحتفالات أكثرية بلدان المعمورة، واحتفلت بالمناسبة المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية بالثامن من آذار عيد المرأة العالمي كما احتفل ملايين المواطنين في بلدان العالم مطالبين بالمزيد من الحقوق المشروعة للمرأة في الحياة السياسية والعملية والعائلية وفي المقدمة احترام إرادة المرأة وحريتها في الاختيار والرأي وإنصافها بالعمل والأجور، وبالضد من تعدد الزوجات لأنهُ نوع من العبودية يبرر بمختلف التبريرات، ولم نسمع ما عدا العراق بأي دعوة صريحة تطالب المرأة بأن تقبل برضاها تعدد الزوجات وتدق طبول الفرح والسعادة لأنه يحقق لها العدالة والعيش الرغيد.. في العراق حدث هذا الأمر على الرغم من أننا نعرف أن تعدد الزوجات حالة دينية خاصة في الشريعة الإسلامية ومعمول بها منذ حقب طويلة لكنها راحت تخف تدريجياً لأسباب كثيرة لا نريد الخوض فيها لكن في مقدمتها نضال المرأة العراقية والقوى الخيرة في سبيل تحقيق المطالب الحقوقية المشروعة للنساء بما فيها الكشف عن أضرار تعدد الزوجات الذي يطمس شخصية المراة كانسان له ما للرجل من حقوق متساوية ما عدا التنوع في الجنس البشري، ولهذا استفاق الكثيرون من ضريبة " البلاوي" العديدة على بلوى دعوة جديدة أطلقتها جميلة العبيدي النائبة في البرلمان ، دعوة تطالب جمع التواقيع لتشريع قانون يبيح تعدد الزوجات المذل بدلاً من أن رفضه لأنه يتضادد مع التجليات الإنسانية وحقوق المرأة في العصر الحديث، وفي الوقت نفسه تفسر الدعوة بشكل يثير السخرية والضحك على الذقون ومنها تقديم حوافز مالية لرجل لتخليص الأرامل والعوانس وإنقاذ المجتمع من الرذيلة!!
ان المشكلة ليس في تعدد الزوجات لأنها حالة موجودة على الرغم من انحسارها الكبير وهي مشرعة دينياً يتمسك بها على علاتها الكثير من رجال الدين والتابعين الذين يرون أن المرأة " ناقصة عقل ودين " وبتفسيرات قد تختلف لكن جوهرها واحد " الشرعي يعطي حقاً للرجل بتعدد الزوجات" والمشكلة هنا أن نائبة في مجلس النواب على افتراض أن تكون نافعة للدفاع عن حقوق المرأة تنادي بتعدد الزوجات وتدعو إلى تشريع قانون وضعي يخضع المراة للقبول بالمشاركة في الرجل!! يلزمها الفرح والسعادة إذا تزوج زوجها من امرأة أخرى تشاركها في كل شيء، والنائبة المذكورة تنتصر للرجل الواضع أكثرية القوانين الوضعية حتى باتت تلقب القوانين " بالذكورية "، النائية جميلة العبيدي تنصح أننا "نذكر النائبات بأننا غفلنا عن ما هو أعظم لنا من حق نسيناه أو لم نفهم حقيقته تعدد الزوجات الذي حاصرنا الرجل به على الرغم من زيادة ظاهرة الأرامل والعوانس والمطلقات اللواتي تجاوز عددهن الأربعة ملاين" كأنها اكتشفت حل سحري لإنصاف الملايين من الأرامل والعوانس وهو كم هائل يهز الضمائر ويدعو للاستفسار عن الأسباب لأنه لن يتوقف عند هذا الحد وسوف يستمر بالزيادة مادامت الأسباب باقية وعقلية الحروب والقتل وإهدار حقوق النساء مستمرة، وتضيف " داعية النساء والبرلمانيات "لإنصاف حالنا مع بعضنا ونشجع الزواج بأكثر من واحدة ونبذ ثقافة المرأة الواحدة على حساب أخواتنا"... أي نكران ذات عظيمة للنائبة ( لا نعرف إن كانت قد قبلت بشريكة لها وإذا لم تكن فمقترحنا أن تكون قدوة بتزويج زوجها 3 نساء !!) بتغليب ثقافة الاستعباد على ثقافة الدفاع عن حقوق النساء وتشريع قانون ينصف الأرامل وعائلات الشهداء ويقدم الإعانات الاجتماعية للمحتاجات وعائلاتهن بدلاً من ذلك هي تطالب تشريع قانون لدعم الرجل الذي يتزوج منهن ولا بأس من تعدد الزوجات بضمان النائبة جميلة العبيدي بتقديم المال للرجل وحل مشاكل النساء الأرامل والمحتاجات، وتصر النائبة جميلة العبيدي بأن "تعدد الزوجات ضروري في مجتمعنا العراقي لكثرة الأرامل والمطلقات ما يستوجب وجود معين لهن". وهي تسعى لجمع التواقيع من النائبات والنواب لتشريع مثل هكذا قانون لأنها تعتبره لمصلحتهن وهو عين العقلانية إذا تفاعلن معه ( لا نعرف من تقصد بالنائبات وهل هن على ذمة زوج له زوجة أو زوجتين أو ثلاثة...الخ ) وعليهن الصبر والطاعة لان جميلة العبيدي تعلن أن تعدد الزوجات هو " شرعا وحكما في ديننا نزله الله سبحانه وتعالى" تذكر ذلك بدون أن تذكر كلمة العدالة " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً " ثم بعد ذلك " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ " وعلى ما يبدو أن جميلة العبيدي تريد إلغاء المادة الثالثة /4 من قانون الأحوال الشخصية العراقي " لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي" ثم أن يكون للزوج إمكانيات مادية كبيرة ووجود " مصلحة مشروعة كالأولاد والعقم" لكن المادة لم توضح حق الزوجة إذا كان الزوج في هذه الحالة عقيماً وهو خلل في الحقوق الطبيعية والإنسانية.
هذه الجوانب الواضحة تتجاوز عليها وتلغيها وتحاول التمويه والمتاجرة بالنساء واستغلال الشرع والدين بشكل ملتوي في ظروف بالغة التعقيد يمر بها الشعب العراقي بجميع مكوناته وتتحمل المرأة العراقية إضافة لظروف الحياة الصعبة من الفقر والبطالة والغلاء والحرب الدائرة والعمليات الإرهابية وانفلات الأوضاع الأمنية وهيمنة المافيا الطائفية المسلحة وهي تتحمل علاوة على كل ذلك التجاوز على حقوقها الطبيعية وهي تجاوزات قانونية ودينية .
لقد أثارت جميلة العبيدي شجون كل من تعز عليه قضية المرأة العراقية التي تحملت الكثير من المعاناة وواجهت صعوبات الحياة ومشقاتها، مهضومة الحقوق منفذة واجباتها دون الحصول على حقوقها كاملة، وهي بنكران ذات شاركت الرجل بكل ما تستطيع عليه من الدعم السياسي والاقتصادي إذا كانت تعمل وإنجاب الجيل الجديد والاهتمام بتربية الأولاد وتنظيم أمور البيت والعائلة وكانت تنتظر على الأقل من مجلس النواب تشريع قانون يراعيها ويقدم لها الدعم المعنوي والمادي وإذا بها تفاجأ بنائبة على أساس تمثل النساء في البرلمان تحرض الرجال على تعدد الزوجات بحجج لا منطقية وكأنها دعاية لها في الانتخابات القادمة لإرضاء الرجال الذين ينظرون للمرأة كأنها عورة، هذه الدعوة لتشريع قانون يسمح بتعدد الزوجات جابه معارضة واسعة من قبل المنظمات النسائية وملايين النساء ليس داخل العراق فحسب بل في خارجه، وأدى ذلك إلى رفض العديد من النائبات أمام سكوت البعض منهن مع شديد الأسف " خوفاً أو إشكالات أخرى " ومن تلك النائبات الرافضات النائبة ميسون الدملوجي واعتبرته " التفاف على مشاكل العراق العويصة الحالية" و تساءلت النائبة فيان دخيل بغضب " لماذا وفي هذا الوقت بالذات وهناك مئات الألوف من النساء العراقيات اللاتي يعيشن حياة مزرية والمخلصون يسعون إلى ترسيخ وتدعيم أسس الدولة المدنية للنهوض بواقع البلد."وتشيرالنائبة ريزان دلير في مؤتمر صحفي عقدته في 12 / 3 / 2017 في مبنى البرلمان أنها " متاجرة بالنساء العراقيات " وتضيف أنها إساءة للمرأة العراقية وتضحياتها وبدلاً من تكريمها وتكريم مواقفها البطولية يجري الحط من كرامتها بحجة المساعدات المالية ( لمن يتزوج أرملة أو عانس ) وقد تكون أخت أو زوجة شهيد أو نساء أخريات كن ضحية الظروف المأساوية التي مرت ومازالت تتفاعل نتائجها الكارثية، ومن هذا المنطلق أكدت النائبة ريزان دلير أن "هكذا دعوات تأتي في وقت يحارب العراق تنظيم داعش الذي سبى النساء وأهان كرامتهن" ودعت ريزان دلير "علينا رفع كرامتهن وليس التقليل من هيبتهن ". وعقبت " أن "كرامة النساء العراقيات مصانة في القانون والدستور، ولسنا بحاجة إلى صيانة كرامتهن بهذا الأسلوب"، منبهة إلى أن "هكذا مطالب مرفوضة جملة وتفصيلا ونعتبرها شخصية ولا تمثل نساء العراق" أما انتصار الجبوري عضو لجنة المراة في البرلمان في حديث لـ السومرية نيوز، إن "المطالبة بتشريع قانون لتعدد الزوجات قد يعقبه تبعات اخطر من حصول مشاكل زوجية نتيجة لرفض الزوجة الأولى وما يتبعه من تفكك للأسرة وتشرد الأطفال" ونتفق عندما أكدت الجبوري أن "معالجة مشكلة الأرامل تكون من خلال توفير عمل لهن أو تخصيص درجات وظيفية تمكنهن من حفظ كرامتهن وعدم استغلالهن من قبل ضعاف النفوس"
نقولها متضامنين ـــ نعم، بالتأكيد لا يمكن لقانون تعدد الزوجات وصاحبته تمثيل المرأة العراقية لا من قريب ولا من بعيد ومثلما أكدته لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية التي رفضت دعوة النائبة جميلة العبيدي وأشارت اللجنة "نرفض مبادرة تعدد الزوجات كونه مشروع يهين كرامة المرأة والانتباه إلى الحرب على داعش والعمل على إعادة الاستقرار للمناطق وعودة النازحين بدلا من تلك الدعوات"
ان كل صاحب ضمير حي يقف بكل ما يستطيع عليهِ من اجل تقديم المساعدة والعون والتضامن وهو يتتبع أحوال النساء العراقيات الأرامل لأسباب جلها استشهاد أزواجهن بطرق عديدة والنازحات والهاربات والفاقدات معيلهن وما يتعرضن له من مصائب وفواجع، وهن يصارعن من اجل البقاء والحفاظ على أولادهن وعائلاتهن متحملات الجوع والضنك وقسوة التهجير والهجرة وظروف المخيمات البائسة، هنا يكمن الموقف من الدعوة المصيبة لتعدد الزوجات ويصح المثل القائل أن " شرُّ البَليَّة ما يُضحك "
يا سيدتي النائبة جميلة العبيدي عليك العمل من أجل تشريع قانون للأحوال الشخصية يضمن حقوق المرأة العراقية وان يكون عادلاً يخدم جميع النساء العراقيات المظلومات، عليك أن تكشف حقائق التجاوز على المرأة الآزيدية والمسيحية والصابئية وغيرهن وليس المطالبة بتشريع قانون وضعي يقر تعدد الزوجات المسلمات في عصر التطور الحضاري والصناعي والتكنولوجي الحديث وكأنها دعوة للرجوع إلى الظلامية وقوانين السبي واعتبار المرأة قطعة أثاث للجلوس والجنس من أجل تنفيذ مطالب الرجل الأنانية فالشعب العراقي كبقية شعوب العالم يحتاج إلى دولة مدنية ديمقراطية وليس دولة ظلامية تحتقر المرأة وتعتبرها سلعة والأمثال كثيرة.