كفى حرب



عبله عبدالرحمن
2017 / 3 / 18

عيون الاطفال باتت تحمل ذهول الكارثة، مشاهد الحرب، بيوت الصفيح، المستنقعات الراكدة، حكايا وقصص من ماتوا. يمتلك الاطفال القادمون من نير الحرب: القدرة على تحديد نوع السلاح من خلال الصوت القادم من الفضاء الذي لم تعد تغادره رائحة الموت.
في مثل هذه الاجواء الضبابية وغير المستقرة يكبر الاطفال وتكبر المعاناة معهم. يشيخ الغد قبل ميلاده. حلم الوطن وساحة البيت، ذلك الدفئ، ما عاد الاباء قادرون على تحقيقة. والوطن اصبح يفقد ملامحه وابناءه ومحبيه وهو يضيع يوما بعد يوم.
ما زالت صورة تلك الطفلة السورية التي لم يتجاوز عمرها الست سنوات عالقة بالذهن حين اخبرتني ان احلى الاسماء بالنسبة لها هو (طفس !)، اسم قريتها في وطنها سورية!. العالم كله بالنسبة لها هو حدود قريتها. هل نستطيع ان نلون الحزن بألوان اخرى حين يكون كبيرا لعقل طفلة تكبر بعيدا عن وطنها من غير ان تعرف لماذا لا تعود الى قريتها.
طفل اخر اخبرني عن حلمه بشراء شاحنة كبيرة وحين استفسرت منه لماذا يريد ان يقود شاحنة كبيرة قال لي ما ادهشني: انه يرغب في ان يدهسنا جميعا!. ربما لا نستطيع ان نعرف مقدار العنف الذي يسكن الاطفال الذين صاحبوا الموت والقتل، كما لم نعرف ان نواسيهم حين فقدوا اوطانهم وعائلاتهم وكتب عليهم التشرد والتيه.
اما ذلك الطفل الفلسطيني الذي عانى اللجوء مثل اجداده وكبر في الشتات بقي فلسطينيا شامخا ككل الفلسطينين المهجرين حتى وهو يعاني قسوة اللجوء عن الوطن البديل الذي عرفه واحبه. اتذكر رده على سؤال احدى الناشطات عندما اخذت توجه اليه مسؤولية النجاح بالمدرسة من اجل سوريا اخبرها بهدوء وعزم انه سينجح من اجل فلسطين وطنه. غفلت كما غفل غيرها ان فلسطين هي ام البدايات!.
تتسع الحرب يوما بعد يوم، ويبتعد حلم الحرية والتحرير، والاطفال يولدون ويكبرون وهم يحملون وزر قيادات همها الوحيد تحقيق الانتصارات بزيادة اعداد الموتى والمهجّرين. والنتيجة تقسيم وتفتيت المدن الى شعب وطوائف. يقول ارنست همنجوي في روايته وداعا يا سلاح: ان منع الحرب مهمة في ايدي الشعوب ذاتها، لا الحكومات. صرخة طفل يبكي من البرد الا تعني: كفى حرب. مقتل عائلة بكل افرادها وبقاء طفلها الصغير من غير رعاية الا تعني: كفى حرب. تكرار غرق الاطفال الصغار في قوارب الموت الا تعني: كفى حرب. آن الاوان لينحاز الانسان لانسانيته ويضع حدا لهذه الحروب التي تحصد البشر والحجر من دون ان يكون هناك رابح او منتصر.
اللحظة المناسبة لانتصار الانسان لانسانيته يجب ان تكون قريبة وقابلة للتنفيذ لآن مزيد من الموت يعني اننا صرنا نسير من غير ضوء بأخر النفق.