بيت هيدرا15



مارينا سوريال
2017 / 3 / 21

كانت ايزيس تطالع الصحف التى رحبت بالحماية البريطانية وعدت انها خطوة فى اتجاه الحكم الذاتى لمصر فى المستقبل وعدتها خطوة تدعو للتفاؤل ،كان كل شىء من حولها يسير بوتيره سريعة فقد وجدت نفسها تعمل فى مجلة الجنس اللطيف ومطالبة بكتابة مادة عن المراة مرة كل اسبوع وهى لم تعتد ان تتقيد بوقت محدد منذ ان كانت معلمة ،ورغم انها احبت التعليم الا ان كرهت ان تكون مححده مراقبة تحت اعين الزميلات وناظرة المدرسة الانجليزية ،لم تكن اللغة العربية حينها موضع اهتمام ورغم حب ايزيس لها لم تنجح فى اجتذاب طالباتها اليها .
من فاطمة
عزيزتى ايزيس
انا لا ازال اقاوم هنا كل ما كان يحيط بنا عندما غادرت بل زاد سوءا ليت الناظرة الانجليزية قد بقيت فمنذ ان جاء ذلك الناظر وحال المعلمات يتبدل ،اشعر بالسخف لما اراه انه يتلاعب بمشاعر بعضهن ممن اجبرهن القانون على ما لايطقن لم يتبقى سوى القليلات غير مستسلمات ،ربما اصغر معلمة لدينا هى اكثرنا جراءة تذكرنى بك لم تحضريها مع الاسم تدعى مارى لقد نقلت حديثا مدرستها الينا وهى خريجة لمدرسة الراهبات كثيرة الاحتشام .
لايدرى كيف خرج من هناك من جديد وعاد يبحث عنها عرف انها قد نقلت من مكان علمها لمدرسة اخرى بالفيوم ،كان على صديقه ان يخبره برفق انها لم تستطع ان تقنعهم بالبقاء طويلا فقد ارسلت له خطابها الاخير تقول انها فقط لو علمت طريق للذهاب اليه لفعلت لكنها لم تجد باب اخر تسكن فيه حتى يعود ولم تعد تحتمل مضايقات زميلاتها وزوجة ابيها فوافقت على ذلك القريب الذى اتى الى زوجة الاب دون موعد ..ولم يكن لها حق الاختيار او الرفض.
كانت تشعر بالحزن عندما علمت ان فاطمة ايضا تفكر فى هجر المهنة قالت لها ومن ستبقى ان كنا جميعنا سنتركها اما بخيارنا او مجبرين .لست بمفردى اكتب عن ذلك القانون ملكة سعد مثلى تؤمن ان على المراة ان تنال المساواة الكاملة بينها وبين الرجل فى ذات المهنة وان كان الفرق فى الدراسة كما يخبروننا فليفتحوا المجال امام المراة ايضا مثلما فعلت نبوية موسى هى اول من تفعلها لكنها ليست المراةالوحيدة الجديرة بذلك .نحن لسنا بمفردنا هناك صحف اخر تؤمن بالحرية مثل السفور والامة التى لتوفيق طنوس واللطائف المصورة لاسكندر مكاريوس والبيان والمستقبل التى تدعو الى حرية المراة وسفورها ومساواتها مع الرجل فى الحقوق والواجبات ورفض السيادة العثمانية والحماية البريطانية ترى هل نعيش لنرى المراة ايضا تصرخ تنادى بحقها مثل الرجل فى الشوارع مجاهرة دون خوف..فاطمة عليك ان تثبتى ولا تستسلمى لان احدهم لا يحترم تلك المهنة التى تنشأ جيلا نحن فى امس الحاجة الية عدينى بذلك انتظر منك خطابا لتطمئنينى انت لاتزالين ثابتة واعدك قريبا لن تكونى وانا فقط بل هناك نساء عديدات سيطالبن بحقوقهن.
كانت تراقب همس الخدم وتذمر بسبب نقص الموارد فى البيت الواسع لم تعد الاموال تصل من مقار مثل السابق ولم تعد البضائع متوفرة امام الجميع ايضا بسبب الحرب .كانت خائفة لكنها الان ليست بمفردها فى الخوف فالكل خائف من الجوع القادم ان كان الاغنياء يعانون صعوبة الطعام فكيف هم الفقراء ..رحل الجميع ولم يتبقى معها سوى واحدة ودعنها بعيون حزينة همست احداهن كنا مضطرات ابتسمت لهن ايزيس لابأس ربما يعود بيت هيدرا كالسابق حينها يمكنكن العودة هذا البيت لا ينسى اناس قد خدموا فيه بامانتكن .
تبقت فقط رفقة الصغيرة التى احضرتها دميانة قبل ان ترحل لتعيش فى البيت ،كانت صغيرة فاشفقت عليها الام الكبيرة جده ايزيس كانت تراقبها الصغيرة ايزيس حتى سمحت لها هدية باللعب معها فى الخفاء بعيدا عن اعين الخال وزوجته بعيدا عن غضبه ..كبرت على ان تكون خادمة كانت ايزيس تتعجب منها كيف لا تذمر ابدا ولا تفكر بالرحيل !
منذ ان اقامت بهذا البيت وهى لاتزال تبحث بداخله عن جدار يمكنها الاحتماء به ولكنها كلما اقتربت من واحدا منهم اكتشفت انه يخفى اخريين قد هجرهم دون مأوى،كانت مارى كمن استيقظ ليجد نفسه فى مكان غير معلوم ،تستيقظ فى الصباح لتدور فى البيت الذى يتركها فيه ذلك الرجل الضخم صاحب الشوارب العريضة ويذهب الى القطن لانه يحبه اكثر من اى شىء اخر فى تلك الدنيا ،اخبرها بذلك حتى لا تحزن ،لم تكن تفكر تعمل جوار كل جدار فى البيت تدعى انه بيتها وانها تحبه ،تدعى انها سعيدة فتصنع الطعام حتى ياتى الموعد المحدد لعودته نتمر الايام لا تحصى عددها توقفت عن مطالعة الجرائد التى يلقيها زوجها بعد الانتهاء منها ليغادر ،تعلمت ان تنسى الاشتياق لكتبها الصغيرة وكراستها.تعلمت ان لاتشتاق الى احد من مدرستها لقديمة حتى كانت تجهد نفسها لتتذكر تلك الغرفة التى تقاسمتها مع قتيات طيلة اعوام فى القسم الداخلى ،اسماء الراهبات اللواتى علمنها الصمت نمعلماتها فى المدرسة السنية التى لم تبقى خلالها ما يكفى لكنها تذكر وجه صديقة وحيدة تكبرها بها وزميلتها لفترة قصيرة قبل ان ترحل الى تلك المدينة ولكن ما شأن المدينة انها تحب الاخضر الذى يفتنها كلما خطت بقدمها خارج البيت لتصطدم به يحيط بها ..انه مثل بلسم يهدا من الالم ..اصبح لديها حديقة وشجرة تراقبها وهى تكبر لتحاوط نوافذها وتداعب الشمس فى الصباح .لكنها لم تنسى وجه هو ابدا ولم تشعر انها مخطئة فى ذلك فمن ارسلها الى هنا لم يسالها ان ارادت البقاء وليس على السجين لوم اذا اختار ان يظل يفكر بوجوه قد احبها فى الماضى .
سمع طرق الباب عرف ان القادم هو صديق تقدم بهدوء يفتح بابه دخل ميخائيل مسرعا يحتمى من الامطار كان يتنهد وهو يبحث عن دفء كان يراقب تلك الاوراق الموضوعة على المنضدة سال :بيان جديد؟
اجاب مصطفى :نشرح للشباب ماذا يفعل سعد زغلول وعبد العزيز فهمى وابراهيم سعيد واحمد لطفى السيد وبنود الاتفاقية التى توصلوا اليها مع الانجليز لتنال مصر جزء من استقلالها بان يراس مصرسلطان يدير شئونها بواسطة حكومة دستورية منتخبة ،ومجلس نواب منتخب،يتولى مسئوليةالتشريع ومحاسبة الحكومة على ان نتعاون معهم فى الدفاع
ولكن كثير من الشباب يرددون ان الانجليز يخدعون لاجل الحرب فحسب
رد مصطفى باصرار :انهم يعرفون هذا املنا الوحيد ان نقتنص منهم اتفاق يلزمهم بالتنفيذ واذا اخلوا به سيتحملون هم النتائج سيخرج الشباب الى الشوارع لاتنسى اننا لم نعد بمفردنا الان معنا الكثير من شباب الجامعةوطلاب المدارس والاحزاب والعمال فى كل مكان سنخرج لهم.
هل تظن حقا اننا سنثور ضد الانجليز ؟
بالطبع ولما لا طالما اننا نطالب بحقنا فى الاستقلال
نعم ولكننا الان فى وقت حرب والانجليز يخافون من وقوفنا مع الالمان ضدهم لقد عادوا الى القمع من جديد تلك الاتفاقية ليس الا لتهدئة طلاب المدارس والجامعات ممن ارتفع صوتهم فى وقت الحرب وجنودهم لن يحتملوا الدفاع بالداخل والخارج ولكن وقت ان ينتهى هذا كله سيعود كل شىء الى سابق عهده .وهل نسيت ان قسمنا منا يؤيد المانيا
هذا هو دورنا الحقيقى الان ان نخبرهم ان لمصر فقط السيادة وان تلك البلاد لم تخلق للمحتلين منذ العصور القديمة وحتى الان حتى يستسلموا لمن الافضل لهم ان يحكمهم ..عليهم ان يتعلموا اننا يمكننا ان نحكم انفسنا بانفسنا وتلك الاتفاقية ستكون تجربة لهم سيرون ان لدينا حكومة ومجلس مصرى يمكنه محاسبتهم عند الخطأ ..
دورنا صعب يا صديقى اتعرف هؤلاء اذكى قوم قاموا باحتلالنا اكثر من الفرنسين فهم لم يستطيعوا المكوث الا ثلاث سنوات ولكن انظر الى الان لا نعرف متى يخرج الانجليز من هنا حتى رجلنا الوحيد الذى حاول ان يحقق ذلك الاستقلال والتف من حوله الناس ..انظر الان من يذكره ومن يفعل يقل عرابى سبب الاحتلال لقد اخبروهم انه المسئول عن ذلك وقاموا بنفيه الى الخارج فنسى الناس من هو عرابى وانه اول من قام بثورة منظمة وان كانت بدأت مع الجيش ليكون من مصريين لانهم اصحاب تلك الارض وليس الاتراك اوالشراكسة من حينها كان يتحدث فى هذا.
محق يا ميخائيل ولكن صدقينى يا صد يقى تلك المره ليست كالسابقه تلك المرة اشعر بان هؤلاء الزعماء سنعتمد عليهم انت الى الان لم تستمع الى سعد زغلول بعد اذا فعلت مثلما فعلت انا ستصدق حديثى وستعرف ان تلك المنشورات ستجد صداها فى قلوب الطلاب فى المدارس والجامعات اذا خرج هؤلاء سيكون البقية من خلفهم .
ولكن كيف ستخرج مع هؤلاء وانت مقيد تلك الغرفة هنا مصطفى منذ ان خرجت وان لاتعرف سوى الليل انسيت السير فى الشوارع وقت ضياءالشمس ياصديقى
لم اعد اثق به يا صديقى كانت هناك الشمس حينما وعدت ان تنتظرنى وانظر الان لقد تزوجت وانتهى الامر لما تريدنى ان اصدق فى النور من جديد
كيف لا تصدق فى النور وانت تريد تحرير البلاد من الاستعمار
ربما عملى معهم سيكون فى الليل ليجعلهم خائفين دائما عندما كنت هناك فى محبسهم اقسمت على هذا ان اجعلهم يخافون مثلما جعلونا نشعر فى ذلك المحبس ليس على انفسنا فحسب بلى على كل من نحب .انهم مسؤلين ايضا مثلها عنما حدث لنا بل هم الاكثر ذنبا لقد اخذوا منى من احببت مثلما فعلوا مع بلدنا باكملها واخذوها منا سهوا اتصدق لقد استيقظنا لنجد الانجليز فى الاسكندرية ثم فى مصر كلها ومن دافعوا جعلوا منهم خونه منهم من مات فى المنفى منبوذ مكروه من اهله اتصدق هذا!!
كرهك اصبح اكثرمن الحب اوحتى الغيره على البلاد يا صاحبى ان كنا سنخلص تلك البلاد سيكون بالحب فقط يا صديقى وليس بشىءاخر سنعشقها هى اكثر حينها لن نتركها ابدا تغرق العالم كله من حولنا يحارب لانه فقط يكره ولا يعرفكيف يحب بلاده والا ما قبل ان يموت كل هؤلاء من كل اوروبا لاجل لاشىء.
مصطفى اخر من خرج من محبسه وليس من عرفته ياصاحبى ولكن تلك البلاد بحاجة الى غيره ربما غضب وكره لنجرح الانجليز مثلما فعلوا بنا وكانهم هم من اختطفوها منى بلدى وحبيبتى واريدهم اتفهم ..عليهم ان يرحلوا عنا حتى اعود لاحب من جديد والا لن تجدنى سوى فى تلك الحجرة الضيقة اراقب الظلام وقت الغارات وانا اسمع لصوت الرصاص والانفجار يقترب من اذنى واشعر انه سيحط بتلك الغرفة البائسة ربما كل هذا يرحل مثلما اتى ولكن سيكون عندما نخرج جميعنا امامهم فى الشوارع اتعرف ماذا ؟ حتى تخرج النساء والفتيات ايضا من بيوتهن وحتى الصغار ولا يبقى واحدا فى داره حتى نطردهم مثلما اتوا.
النساء!!هل سيخرجن من بيوتهن حقا ..هل قرات لتك الفتاة
من تقصد؟
مى زيادة انها تكتب شعرا لها ديوان منشورا تمنيت لو اراها .
كانت تسمع تلك المشاورات التى تقام فى المجلة كل اسبوع والتى تعقد لتناقش تكوين جماعة من اهل الراىالبارزين لقيادة البلاد حتى الاستقلال تصم سعد زغلول وعدلى يكن ومحمد محمود وعبد العزيز فهمى وعل شعراوى للتفكير فى اوضاع مصر وقت الحرب كان بعض الحاضرين يؤيدون ان يتم تكوين حزب يجمعهم وكل من يريد من الشباب فى كل القطر المصرى الانضمام اليهم حتى تكون هناك جبهة تتحدث باسم المصريين .
كانت ملكة سعد متحمسة لتلك الخطوة وهى تردد والنساء ايضا سوف يقفن وقت الحاجة وراء تلك الجماعة وساخرج انا الى الشارع اذا اقتدى منى الامر ذلك لاننى جزء من هذا المجتمع ولن ابقى خللف مكتبى لكونى امراة وستخرج من خلفى النساء .
كانت ايزيس تسمع صوت ساخر يقول :ولكن على النساء حينها المساندة وليس ليس الخروج الى الشوارع هو مكانهن سيدة ملكة نحن نحترم فيك حماسك سيدتى
كانت ايزيس تشعر بالغضب لكنها لم تستطع ان تتحدث فكرت هل حقا ستخرجين الى الشارع يا ايزيس ماذا كانت لتفعل هدية لوكانت هنا وحية ؟ تعلم كانت ستخرج بينما انت تفكرين لما ورثت الخوف لا انت لم ترثيه ولكن من اين اتى اذا ان كانت امك فى زمانها لم تعرفه بل كانت تقاومه حد انها خرجت عن التقاليد وتطلقت من زوجها وعاشت فى بيت ابيها ولم تخف قط من سطوة اخيها الاكبر الذى لم يتردد فى ايذائها حتى تتوقف لكنها لم تتوقف ابدا جميع اوراقها دفاترها الابعون تقول انها لم تتوقف حتى اليوم الذى توفيت فيه جوار النافذة كانت تقاتل ربما انت يا ايزيس من جرحها واشعرها بالخوف لقد خافت بسببك وهى ترحل لم ترحل سعيدة وانت تعرفين هذا ولكن ان رات ايزيس الان وهى تكتب فى الصحف مثل الرجال وهى تطالب بان تتزوج المعلمة لانها ايضا تستحق ان تكون اما وهى تفضح تحرش بعضهم وضعف بعضهن بسبب قرار المنع انهن لم يترهبن ليحدث لهن هذا ،المعلمة هى امل مصر لانها من ستعلم الفتيات كيف يقاومن هن ايضا.فاقت على الاصوات التى تداخلت فى اذنها وملكة تسألها ان تجيب عن رايها التفت الى الاعين التى تراقبها قبل ان تقول يجب ان نحرر المعلمة اولا وان تتساوى بالرجل حينها يمكن لمصر ان تخرج للمقاومة فى الشوارع.