فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(2).



ماجد الشمري
2017 / 4 / 2

ان جذور الخوف من المرأة هي أكثر عمقاً و تعقيداً مما أفترضه ،و نظر له فرويد مثلاً . حيث عزا هذا الخوف و نسبه لعقدة الخصاء المنبثقة بدورها من رغبة المرأة الملحة بأمتلاك قضيب! . هذه الرغبة بالقضيب كما تصور فرويد ، ليست اكثر من مفهوم وتصور سيكولوجي لا يرتكز على ارضية واقعية ثابتة و صلبة
في الظاهرة النفسية. هذا الفهم أدخل عنوة و فرضاً الى حيز التحليل النفسي ، بحكم التفوق و السيطرة الذكورية كفكرة قارة و تمييزية لدى الرجل حتى في مجال التحليل النفسي الكلاسيكي!. و اعتقاد او تصور فرويد الذهني هو ايضاً فكرة ذكورية بدورها !. و لكن على الجانب الاخر ، كان فرويد محقاً في اشارته الى ان كل شيء في الجنسية الانثوية: " غامض .. و صعب الدراسة تحليلياً ". و حتى سيمون دوبوفوار و هي امرأة ايضاً ، تعترف بدورها:" ان الجنس الانثوي غامض ، و حتى بالنسبة للمرأة بالذات ، و انه مخفي و ملتو.. ولان المرأة لا تتعرف نفسها فيه تراها لا تتعرف أيضاً الى حد كبير رغباتها". و ستبقى المرأة - الأم لغزاً غامضاً و دائماً بالنسبة للرجل . و قد تقدمت كارين هورناي - المحللة النفسية النسوية- بفرضية هي أقرب للمنطق في تفسير الخوف و الرهبة من المرأة ، مفادها : ان الخوف الذي توحي به المرأة للجنس الاخر ، مرده هذا اللغز ، الذي هو مصدر الكثير من المحرمات و الشعائر و الاحوال و الذي يشد المرأة أكثر من الرجل بما لايقارن الى عمل الطبيعة العظيم، و الذي يجعل منها - المرأة- تجسيداً لعتمة المجهول . و من هنا نجد للشريكين في التجربة البشرية ، مصدران مختلفان و لكن متكاملان . فالعنصر الامومي يمثل الطبيعة ، في حين يمثل العنصر الابوي التاريخ . و لهذا السبب تبدوا الامهات على نمط متوحد في كل زمان و مكان ، في الوقت الذي يبدوا فيه الرجال أكثر تحدداً بالحضارات و الثقافات التي ينتمون اليها . ونحن نعتقد ان هذا الطرح هو أكثر محافظة و أقرب للرؤى الميتافيزيقية و الدينية ، و فيه شيء من التعسف و النمطية تجاه المرأة . فهو يختزلها و ينمطها الى مجرد دورها البيولوجي كمنتجة و حاضنة للاطفال و يعتم على دورها الانساني كشريك يتكامل مع الرجل ، فحسب هذا الفهم ، تبدوا المرأة هي الاقرب و الاكثر التصاقاً بالطبيعة و علاقة بأسرارها و مظاهرها . فقد أعتبرتها المجتمعات و ثقافاتها التقليدية و المدعومة بالدين و على الدوام قادرة على التنبؤ، وشفاء الامراض ، أو القدرة السحرية على ايذاء أو لعنة الأخر بما تملكه من قدرات خارقة و سحرية و مخيفة !. وقد عمد الرجل من أجل تثبيت مكانته و الرفع من شأنه و قيمته كسيد و قوام الى ان يحدد ذاته بتمييز تراتبي ، على أنه : ابولوني عقلاني و منضبط بالحكمة و المنطق ، و بخلاف المرأة الديونسيوسية الغريزية المنفلتة ، و الاكثر خضوعاً للجهل و اللاشعور و هلاوس الاحلام !. و لأن التناقض بين الرجل و المرأة عميق و سحيق ، نجد اثاره و تبعاته واضحة في كل مستويات العلاقة بين الطرفين عبر التاريخ المدون و لكون المرأة لغزاً خالداً محيراً يعجز الرجل عن فهمه ، لأنه يجهل رغباتها كما يجهلها هي ككينونة بشرية مماثلة له فصورتها المتذبذبة في الذهن الثقافي ترسمها كفوضى في السلوك و تناقض في الرغبات : فهي ترغب بالرجل السوبرمان ، و لكنها تعمل المستحيل من أجل اصطياده و أسره في المنزل!. واذا ما خضع لارادتها احتقرته و ازدرته!. انها تلك النظرة التقليدية للمرأة كتجسيد حي و أبدي للتنافر و التناقض و اللاتوقع ، مع انها مصنوعة و مقولبة من قبل الرجل نفسه و على مر الزمن . و ستظل كذلك، ما لم يدرك الرجل أن المرأة وفي نفس الان هي : موضوع رغبة الرجل وصبوته للبقاء و الاستقرار و خلق نسله . فهذان الشرطان ضروريان لأنجاز عملية الخلق و البقاء و أعادة انتاج الوجود البشري ، و الذي يقع على عاتقها الجزء الأكثر اهمية و صعوبة فهي سر الامومة و لا بقاء لجنسنا لولاها ، بل اكثر من ذلك فهي سر الفيزولوجيا الانثوية المرتبطة بالدورة القمرية !. فالرجل منجذب للمرأة بحكم الطبيعة ، و لكنه يشعر بالنفور منها و يتجنبها في حالات : الطمث و ما تفرزه من روائح و أفرازات و سوائل سابيائية مقززة ،وما يخرج منها اثناء الولادة من مشيمة و دماء . و قد استبطن الرجل هذا التجسس تجاه المرأة و مظاهر تلك التحولات و عبر التاريخ و في مختلف الثقافات . فأبتدع العديد من التحريمات و المحظورات من عزل و اجتناب . فالمرأة نجسة في فترة حيضها ! و تترتب على ملامستها خطورة و شؤم و نجاسة تحيق باللامس والقريب ، و تتسبب بكوارث و مصائب وأذى !. لذى يجب اجتنابها و عزلها بعيداً . و أيضاً هي نجسة بعد الولادة !. فللمرأة النفساء نفس دنس الحيض و نفس التطير منه !. فيجب القيام بتطهيرها و تأهيلها حتى يتم قبولها من جديد داخل الاسرة كشخص طبيعي !.. ولكن مع كل طقوس التطهير و النظافة ذات الطابع الثقافي - الديني المتوارث كأعراف، ظلت المرأة كائناً دنساً و قابلاً للتدنيس لأن جوهرها خطيئة و أثم و مرض و لا فكاك لها من ذلك المصير المصاحب لها حتى موتها!. فمن التحريمات المحظورة عليها بتاتاً هو القيام ببعض الطقوس العبادية ، و لا يحق لها ممارسة عمل الكهنوت أو الامامة في الصلاة ! -لان انتاج الدين والألهة هو حصرا ابداع ذكوري،فنحن نعرف ان الله استقر اخيرا كمذكر وخاصة في الديانات الكتابية،وعلاقته بالرجل اكثر رصانة و قربا وحميمية،في حين كانت علاقته بالمرأة مهزوزة و يشوبها العداء والنبذ !.ونعرف كذلك مفهوم "رجال الدين"ولكن لم يمر علينا مصطلح"نساء الدين"!-و لا المشاركة في الحرب . كل هذا و غيره هو من مظاهر الاقصاء و النبذ الذي تحفل به ذهنية و سايكولوجية الرجل الثقافية الدينية في تشكيله لصورة المرأة النمطية المشوهة و الناقصة و القاصرة . فالمرأة هي أقرب للطبيعة و المادة منها للرجل، فهي تتماهى معهما !. فهي الهشة سريعة العطب و الهلاك ، في حين أن الرجل هو الاقرب للمطلق و المثال المتعالي و الروح الالهي !.-وهذا عكس الحقائق البايولوجية التي نعرفها الان!-.و هذه المحمولات الثقيلة الراكدة في عقول الرجال كموروث متجذر عم النساء ايضاً بعدواه وا نتشاره في نهش وغسل عقولهن وبنيتهن النفسية في النشأة والتربية- و هذا ما يفسر الطابع التقليدي القديم و القار حتى في ميدان الادب و فن الرسم في الاستخدام المفرط لموضوعة المرأة و جسدها الفاتن و المغري في مظهره، و قد دبت فيه العفونة و النتانة في ظهرها او /و ثديها أو بطنها !-هذه الثيمة المبطنة بالازدراء و العداء أستخدمت بعد صبغها بطلاء ديني - اخلاقي- مسيحي الهوى و الهوية وتمظهرات اخرى في بقية الاديان!- ذلك الترميز الذكوري المهين للمرأة و التي تدعوه للغواية و الدنس و الخطيئة و جسدها تعج به الديدان الشيطانية !. الا نجد في استعمال النساء للعطور من منظور الذهنية الذكورية التشويهية ما يعزز محاولاتها لتمويه و أخفاء الرائحة الكريهة و التفسخ و التعفن الكامن في جسد المرأة !.. هذا الازدواج الجوهري و الذي يطبع المرأة بميسمه ، و هي التي تهب و تمنح الحياة ، و تهدد و تنذر بالموت في نفس الوقت ، تجلى بوضوح عبر القرون ، و وجد تعبيراً له في عبادة - الالهات - الامهات . فالارض - الام هي البطن المغذي الخصب ، و لكنها أيضاً هي عالم الموتى السفلي ! انها كأس الحياة و الموت .و هي اشبه ما تكون بمرامد جزيرة كريت التي كانت تحتوي على الماء و الخمر و الحبوب . و أيضاً على رماد الموتى !!!........
.........................................................................................
يتبع.

وعلى الاخاء نلتقي...