أين تلك المضحية في الظلّ من قوائم العظماء !؟



أماني أريس
2017 / 4 / 5

يقولون أن "المرأة هي نصف المجتمع، وهي التي تربي النصف الآخر" هذه المقولة التي يرددها البعض مناسباتيا، أو كلما احتدم النقاش حول تخصص المرأة وضرورة تسييج حيّز نشاطها بين جدران بيتها الأربع، نجده مجرد كلام إنشائي يقذف به إلى هوامش الصفحات عندما يستحضر تاريخ الشخصيات الرجالية العظيمة في كل المجالات.

فتسجل أسماءهم في ذاكرة التاريخ، وتُجرد الإحصائيات لأشهر المخترعين والفلاسفة والأدباء والعلماء، ويتم تجاهل اسم ذلك النصف الذي أنجب وربّى وسند وضحى وظل يؤمن أن أجّل الوظائف، وأعظم النجاحات هي صناعة هؤلاء العظماء والأبطال. وخدمتهم والفناء من أجل إرضائهم، وإشباع كل رغباتهم العاطفية والجسدية، ليكونوا على استعداد تام لأداء أدوارهم وتحقيق نجاحهم في الحيز الواسع الرحب الممتد بلا قيود.

والمؤسف أن الكثيرين - منهم علماء دين ومثقفون- في هوة القول الساذج بأن الطبيعة كانت متحيزة إلى الذّكر في منحها امتياز التفوق العقلي والذكاء والفطنة والقوة على حساب الأنثى، وأن هذه الأفضلية مشيئة الله وحكمه وحكمته التي لا ينبغي لمخلوقه الضعيف (المرأة) أن تعترض عليها أو تجادل فيها، كما لا يمكنها أن تشكّك في أمرها لأن إحصائيات الواقع عبر التاريخ تثبت ذلك!

إن من يؤمن فعلا بأسطورة النقص الطبيعي الذي حُكِم على المرأة أن تتجرّع على مرّ قرون من الزمن مرارة التذكير به من طرف شقيقها الرجل، هو في الحقيقة متناقض مع ذاته، وفيه من اللؤم ما يجعله يتناسى أن المرأة ما كان اسمها ليتضاءل في لوائح الاختراع والإبداع والبطولات؛ لولا امتثالها عن قناعة أو عن وراثة لأمر التخصص الوظيفي. فكم من واحدة حرمت من الدراسة، وكم من أخرى نجحت في دراستها بتفوق ولم تسمح لها ظروف البعد والجغرافيا من الانتقال لمدينة بعيدة، أو لبلد آخر من أجل إكمال دراستها في مجال الطب أو الهندسة أو الفيزياء أو الطيران .. طبعا لكونها أنثى، ولا ذنب لها سوى أن المجتمع غلّب تأثير جسدها، عن تأثير عقلها، وأبى أن ينظر إليها إلا بنظرة تشييئية، جعلت جسدها قضية عامة ومحورا إيديولوجيا، وشرف العائلة والقبيلة، والتركيز عليه أكثر من كونها إنسانا مكلّفا كامل الأهلية.

ولعل من يصرون على أطروحة "عيب المرأة الطبيعي" ومحاولة التغطية عن هذه الخدعة المسوقة عبر العصور بالقول أن عظمتها في ضعفها وعاطفتها لا في كمال عقلها، يتناسون أن المرأة كسرت بسلاسة وعفوية تلك القيود، وظلت الشريك الأساسي للرجل في التنمية الحضارية بفكرها وساعديها، ونحتت مكانها في مجال الإنتاج، وحضرت بقوة في الحكم وفي الحقول والأوراش الحرفية، والأسواق وميادين التبادل التجاري والمالي. وكانت صاحبة العديد من الاختراعات والانتصارات والتحولات التاريخية الكبرى.

ومن يستطيع تجاهل صورة جداتنا وهنّ يعملن في حقول الزيتون، أو القمح، أو يرعين الأغنام، أو حاملات للسلاح في الجبال والأحراش فداء للوطن سوى "مكابر". نعم لقد عملت جدّاتنا في كل هذه الميادين، ولم تنطفئ قناديل بيوتهن يوما، لذلك أومن أنّ أي محاولة لتقزيم دور المرأة، وحصره بين الجدران الأربعة هو خرق لسُنّة الحياة.

وكم من واحدة في الظلّ، كانت السّند الخلفي للرجل الناجح، وتركت آثارا جليّة على حياة كثير من النابغين، فـ "توماس إديسون " الذي اتهم بالغباء والعبث، وطرد من المدرسة، وجد مدرسة آمنت به وشجعته بكل ما استطاعت على مواصلة درب العلم، وتنمية ميوله في الاختراع، و كم كان كريما حينما كان يقول في كل مناسبة: "أمي صنعتني ! "