العنف من منظور الموروث الشعبي / القسم الاول



ماجد البصري
2017 / 5 / 22

العنف بكل اشكاله وصوره منافي لطبيعة الانسان الواعية لانه يجرد الفرد من تلك الصفة ليكون أدنى درجة من غريزة الافتراس
والعنف ممارسة التعدي عن القصد ويعني " القسوة والشدة "، وغاية العنف إلحاق الضرر بالفرد والمجتمع، وما نشهده من سلوك داخل بنية المجتمع العراقي اليوم الذي يواجه كل اشكال العنف التقليدي ومنها العنف الجسدي وهو " كل ما يقع على جسد من الضرب بواسطة اطراف الفرد او راسه او اسنانه " ما يعرف بالعض "او استخدام الأدوات المختلفة بشكل واعي بقصد إلحاق الأذى، اما العنف المعنوي او النفسي الذي يمكن ان يتسبب بضرر اكبر، والمتمثل بالسخرية والاهمال الاحتقار والتعذيب النفسي بإظهار العيوب وغيرها من الوسائل.
اما ممارسة العنف الديني والمذهبي، والتي تكون اشد واكثر قسوة لانها ظاهرة ممنهجة ومحصنة بالقدسية وتتمثل بصورة جلية بالاٍرهاب الذي سوف نؤجل الكلام عنه، و العنف الاسري منتشر في جميع المجتمعات يمارس بشكل يومي بأنماط واساليب قد تصل للعدوان داخل الاسرة الواحدة وضحيته في الغالب من الاطفال، كما ان العنف الجنسي يعد ظاهرة متصاعدة في المجتمعات المحلية العربية بصورة خطيرة والمتمثل بالاغتصاب والتحرش الذي انتجته سياسة العزل والكبت التي فرضت على المجتمعات نتيجة هيمنة الجماعات الدينية بفكرها المتطرّف مما يؤشر بشكل جلي على تراجع القيم المتحضرة والغياب القسري للطبقة الوسطى التي كانت حلقة التوازن المجتمعي ثم تراجعت مع بداية العقد السادس من القرن الماضي، وثمة ظواهر عنفية متعدّدة تمارس من قبل الفرد ابتداء من الذات مرورا بالأسرة والمدرسة والعمل والتساؤل هو كيف ينظر الموروث الشعبي ( الفلكوري) لأشكال العنف ؟
البحث عن مضامين المعنف المستند لمفاهيم الموروث الشعبي والميثولوجي الذي يمارس التعنيف والذي يجد له مساحة كبيرة من التبريرات المقبولة التي تمنحها المعتقدات الشعبية المؤطرة بالمقدس ، فضرب المرأة سواء كانت الزوجة او البنت وتعنيفها يستند الى ما يعرف بحق الولي بتأديب المرأة والولد والأجير، فيما تمارس الأساليب من التعنيف الجسدي النفسي واللفظي والتهميش داخل الأسرة، حيث يتلقى الطفل في الريف و المدينة شتى صور التعنيف التخويف من من صورة الله الذي يعلق ويشوي الطفل المشاكس بالنار المحرقة حيث تلقن الام العراقية طفلها عند تاديبه بقولها " اللة يذبك بالنار . ثم تلجأ الى استدعاء المخلوقات الغبية المفترسة بصورها المرعبة " راح يأكلك السبع .. اجاك الواوي ياكل خشمك ( انفك) راح اصيح الجلب يعظك في السابق كانت المرحومة السعلوه والطنطل العملاق. التي تلتهم انف الطفل او تقلع عينية هذا الرعب لا يفارق الذاكرة العميقة " خوف مؤجل "
كما ان العادات والتقاليد تمنح الذين يمارسوا التعنيف الحماية العرفية التي تنمو في بيئة صالحة ، حيث تعكس التعابير والامثال المتداولة حجم الأشكال العنفية الممارسة في حياتنا اليومية ، فهناك مثل شائع في الوسط الشعبي للدلالة على التربية وتلقي التعلم اذ يقول الخوف يعدل الطوف ) اي الحائط يجعلة مستقيما، ومثل اخر يقول : (اذا ضربت أوجع ) يعني اضرب بقسوة شديدة، أما في بيئة العمل الشعبية يتعرض العامل لكل أساليب الاهانة والسخرية وسماع الشتائم المؤلمة " ابن القندرة " فضلا عن الألفاظ الجنسية " ابن الكحبة " وينادى عليه بألقاب التحقير " جلوب .. قرنوص ..ثور ، طرطور " والمدهش هنا التبرير الذي يقال على لسان الناس من ان الأسطه او الاستاذ يريد ان يكسب العامل اسرار المهنة ويتعايش معها بالتعبير الشعبي " يطلعلة كلب" ويعتقد أفراد الطبقة الشعبية ان القسوة الشديدة تنتج الرجال او تصنع الرجل وهذة القاعدة الشعبية كانت تمارس بشكل واسع في وحدات الجيش العراقي قبل عام ٢٠٠٣ " نظام العقوبات الانظباطية ، لان النسبة الأكبر من ضباط الصف والعرفاء قادمين من بيئة قاسية تؤمن بقيم المغالبة والقوة وشعارهم المفضل " الك يا طويل الذراع" و " لما ياخذ حكة يطيح بحلك السبع "
الايمان بنظام العنف !
حيث تعتقد نسبة كبيرة من الشعب العراقي ان العقاب القاسي الوسيلة الاكثر فعالية في تريسيخ مباديء التربية الصالحة دون ان يدرك النتائج غير المنظورة، اما أبناء المناطق الشعبية و الوعاظ يعتقدون ان ضرب المرأة والطفل والمجنون ضرورة يفرضها " منطق العقل " كما يقول : واعظ ديني من البصرة ، ينتقد ثقافة الغرب التي تجعل الاولاد يتمردون على اخلاق أهل البيت ، وأن من الواجب التأديب بالضرب والحبس عن أصدقاء السوء .
العنف ضد المرأة :
لا تزال المعتقدات الشعبية تصف المرأة بمطية الشيطان اذا تركت بدون تأديب لا يمكن ان تستقيم بمعنى ان لا تتاح لها الحرية ويجب ان تُضرب و تهان من كل الذكور ونجدها حتى اليوم تسمى حرمة وهذا المعنى يحمل دلالة تنال من مكانة المرأة خاصة في المناطق الجنوبية ،
حيث نجد تطبيقات العنف تتجسد في العادات والتقاليد و لا تزال حاضرة خلال مراسيم ليلة الزفاف حيث يدخل العريس على عروسه متوشح بالمسدس بل في المناطق الجنوب يحمل البندقية، " في الماضي كان الخنجر " وقد تطور الامر الى ان استبدال زي العريس الابيض المعتاد بالزي العسكري كما شاهدنا على شاشة الفضائيات " زفة بالباس العسكري " اما مشهد رمي الرصاص خلال المناسبة تلك الظاهرة التي تلوث العقل وتشير الى تعبير مشوه عن مشاعر الفرح. ومن خلال الملاحظة المباشرة نجد ان المرأة في الاحياء الاكثر الشعبية تتعرض يوميا الى سلوك يتصف بالعنف المنتهك لحقوقها ويكاد يكون العنف اللفظي من الأشياء المعتادة " السب والشتائم " لأي سبب لا يحمل معنى تقول ام علي- ٣٥ سنة ) ان زوجها يسبها ويعنفها اذا تأخرت عن احضار الشاي لمدة دقائق.
العنف ضد المعاق والمجنون:
نسبة مرتفعة من المجتمع العراقي تنظّر الى الأشخاص ذوي الإعاقة والمصابون بالجنون نظرة غبيية مستندة الى المعتقدات الميثولوجية التي تحمل مفاهيم عنفية بوصف صاحب الإعاقة منحوس " أي ذو فأل يجلب الشرور" هذة النظرة القديمة لا تزال تتحكم بعادات الناس، حيث
لا يزال الجنون يعالج بأساليب عنفية قاسية يمارسها العراف " السيد " يستخدم فيها الضرب لإخراج الجن من جسد المريض او الكي بالنار، حتى يغادر الجان، وقبل عقد من الزمن شاهدت جلست علاج لامرأة بائسة تعتقد بوجود جن متلبس في جسدها فكان المعالج المزعوم يضربها بعنف مع القراءة السريعة لسورة "الزلزلة " حتى تفقد الوعي في مشهد هستيري متكرر وللاسف رغم التقدم العلمي الا ان الترويج لما يعرف بالعلاج الروحاني منتشر في مجتمعاتنا.