الهزة التي احدثتها ايفانكا ترامب في السعودية



حسين القطبي
2017 / 5 / 24

لم تنفع عراضة السيوف التي اداها الملك سلمان مع كبار الامراء في البلاط السعودي، ولا قسمات وجهه التي اعتادت الوقار، لم تستطع ان تفرض الهيبة الذكورية على المجلس الملكي، هذه المرة.
الاجواء نفسها، زينة الجدران التي تفتقد للالوان، وجوه الامراء التي لم تبتسم حتى في الاعياد.. حتى الصمت المطبق على الحاضرين.. لكن حضور الفتاة الامريكية الشقراء، ايفانكا، برفقة والدها، الرئيس ترامب، كان له حضور اقوى من هيبة المجلس، ومن وجل الحاضرين، ومن صرامة تقاطيع الملك نفسه، فقد استطاعت بابتساماتها الجريئة، وحريتها في الحركة وعفويتها بالتلفت، ان تعصف بشخصية المجلس الذكورية، وكانها تسونامي من الانوثة، جرفت في طريقها مملكة الرمال الذهبية، بكل تراثها البدوي.

ولا شك، من خلال قراء مزاج الشارع السعودي، ومتابعة ردود الافعال الحقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي، المفتوحة هناك، يستشف المرء حدوث زلزال اجتماعي، او هزة فكرية اجتاحت الثقافة السعودية، وارثها الديني، وحتى تطرفها المذهبي المعروف عبر القرون.
تبين للسعوديات، للمرة الاولى، بأنها، المرأة انسان كامل، يستطيع اختراق حاجز التزمت الذكوري، والجلوس في مجتمع عام، مختلط، تستطيع احتساء القهوة البدوية، على طريقة الرجال، باسترخاء، وابتسامه توحي بثقة بالنفس، كانت تنقص اكثر الحاضرين من الذكور، ان لم نقل كلهم.
نعم، في مجتمع مغلق، لا يحق للمرأة الظهور في الشارع دون ان غطاء الوجه، فان مجرد ظهور تلك الخصلات الشقر، والرقبة الفضية التي تشبه رخام التماثيل الاغريقية، في مجلسىالملك سلمان، نفسه، يعتبر حدث يمكن التاريخ من خلاله، لاجيال قادمة، مثل عام الفيل، وظهور لورانس العرب، ودفق اول براميل النفط، الملوث بالرمل من بئر في الجزيرة.
الى ما قبل زيارة ترامب، كانت المراة السعودية تطالب ومنذ عقود بابسط الحقوق الممنوحة للنساء في البلدان المجاورة، مثل قيادة السيارة، او كف هيئة الامر بالمعروف من ملاحقة غير المنقبات، او الحق في العمل بالمتاجر العامة...
البلاط الملكي، كان قد لعب دورا رئيسيا في فرض هذه القيود الموروثة، وترسيخها. كما يعتبر المجلس هذا، الذي لم تدخله امراة بهذا الوجه السافر من قبل، رمزا للسلطة الذكورية في المجتمع السعودي. واذا بالشعب، رجاله قبل النساء، يشاهدون تلك الاريحية التي تستطيع المراة ان تقتحم بها عالم الرجال المغلق، الذي ظل موصدا لقرون.
لا شك ان ابتسامات ايفانكا في المجلس الملكي، التي شاهدها الملايين، قد احدثت هزة في كيان المراة السعودية، تلك التي تتطلع الى الحق بحرية الابتسامة في الاماكن العامة. تعتبر حافز معنوي لاجراء المزيد من التغييرات في البنية الاجتماعية، وكسر الجمود الذكوري الموروث من مجتمع البداوة..
الهزة هذه لابد لها من تبعات... وهي تعني، للنساء، حافز جديد للمطالبة بالحقوق المدنية، وللرجال عامل لتفهم انسانية المراة، وتذليل معارضتهم لمطاليبها.