المرأة ودورها في المجتمع ح2



عباس علي العلي
2017 / 6 / 28

فلا الرجل في المجتمع الطبيعي يستطيع أن يتحمل قساوة الألتزام تجاه المرأة والمجتمع وحاجاته الأساسية وهو المكفل الطبيعي بالعرض، ولا المرأة يمكنها من الناحية الأخلاقية أن تقبل أن تمارس التكليف الذكوري ومسئولياته، فالزوج مثلا الذكر بالطبيعي هو المكلف ببناء البيت والأسرة وسد الأحتياجات في نظرة جزئية كما هو مكلف بالدفاع عنها وعن المجتمع والخروج الدائم لتأمين حقوق العائلة والمجتمع، وهذا يرتب ألتزام حسي ومادي أكثر مما يرتبه وجود المرأة المعتاد في دائرة الأسرة، ولكن هذا لا يمنع في حالة الضرورة أن تخرج المرأة للعمل وأن تشارك الرجل في الجهد ويبقى الأمر أستثنائي وليس حصري.
من حق المرأة أن تعمل كشرط لممارسة إنسانيتها وأداء دورها الأجتماعي، ومن حق المرأة الخالية من ألتزامات الأسرة والخصوصية النوعية أن تخرج للدفاع عن المجتمع وعن نفسها كقاعدة عامة، ولكن ليس كواجب حتمي، فهي مخيرة به ومختارة على أداءه بقدر ما يمثله من أهمية، ولكن تشريعا لا يمكن أن نلزمها بما يخالف طبيعنها ولا يمكن للمشرع أن يخرجها من هذه الطبيعية كقاعدة وقانون لأنه بذلك يكلفها خارج ما خصصها بالتنويع أبتدأ.
هذا الفهم ليس أنتقاصا من عقل المرأة ولا تفريطا بحقها، ولكن نظرة المشرع الألهي تنحصر في أن ما يخالف الطبيعية الخلقية لا يمكن سنه بتشريع وإن كان ممكنا، ولكنه أيضا أتاح لها ذلك حين تختار هي أو تضطرها الوقائع والظروف لذلك، أما ما وصلنا من مفاهيم تناقض هذا المبدأ فهي بالتأكيد قراءات تتبع فهم صاحب الرأي والفكرة وليس بالضرورة هو موقف المشرع الأصلي طالما أنها أي الأفكار تجانب حقائق التنوع ولا تستجيب لها.
ربما يعترض البعض على هذه القراءة ويرى فيها تطرفا ونظرة جزئية تعتمد أحادية الصورة والقراءة مع وجود نص قاطع بتفضيل الرجل على المرأة درجة، الحقيقة أننا لا ننكر أن الله فضل الرجال عليهن درجة ولكن ماهية التفضيل ونوع الدرجة والعلة كلها ترتبط بمفهوم المساواة أصلا، والتفضيل هنا له دلالة غير منحازة للرجل دون المرأة ولنقر أ النص أولا{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}البقرة228.
من النص أعلاه يمكننا أن نفككه ونلتقط الأشارة القصدية منه بتماها أرتباطا كاملا بمفهوم التفضيل ومفهوم الدرجة:
• ألنص يتحدث عن الرجل ولا يتحدث عن الذكر مثلما جاء بآيات المواريث، وعندما يأت سياق كلمة الرجل في النص مع ذكر الزوجة فأنه ينصرف فقط لشؤون الأسرة تحديدا كالنص التالي{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}النساء32، وهذا السياق يختلف عما في سياق نص آية مشابهة في موضوع الأنصبة{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً}النساء11، فسياق الآية يتحدد كمستثنى مخصوص من قاعدة عامة تتناولها نفس الآية { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، فلا يمكن جعل الأستثناء بظرفيته وعلته بدل القاعدة الأصلية التي تعني المماثلة.
• هذه الظرفية محكومة بقاعدة المعروف التي تعني إبداء المساعدة أو التكريم أو ترتيب ألتزام بناء على رابط حقيقي، فالرجل الزوج هنا في النص ومن مبدأ أخلاقي ملزم بالمعروف والمرأة الزوجة ملزمة أيضا به، ولكن الدرجة التفضيلية الأولى تقع على الرجل كعمل وليس كونه ذكر، فمن يلتزم بعمل بموجب وظيفته عليه أن يمنح هذه الوظيفة حقها، فالرجل الزوج وحفاظا على مؤسسة العائلة أن يبادر إلى أصلاح ما تهدم لأنه وأيضا لأعتبارات نفسية وحق الزوج الذي أستعمله أن يبادر بهذا العمل إذا كان مالك حقيقي له، أما لو كانت الزوجة هي مالكة الأمر فالخطاب موجه لها وإن كان الزوج هو الأحق من غيره في إصلاح ما فسد.
• في موضوع الدرجة أو الدرجات ورد هذا المعنى في سبعة عشر نصا بذات السياق الذي يعتمد العمل كمعيار للتفضيل مع تساوي بالأساس بين الفاضل والمفضول كقاعدة عامة، منها مثلا ما يخص الأنبياء والمؤمنون {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}البقرة253، وأيضا {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }آل عمران163، {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}النساء95، وكل النصوص التي ورد فيها موضوع التفضيل بدرجة تدور على معنى ودلالة وقصد العمل وليس شخصنى خاصة للمفضل على المفضول.
• الفضالة هنا في النص مع كونها أستثنائية وخاصة ومبنية على التفاضل في العمل، لكنها من جانب أخر فضالة للمرأة وتكريم وإلزام فوق للمعتاد على الرجل وليس أنتقاصا من المرأة، فإن أصرت المرأة على موقفها الذي سرده النص هذه الفضالة تسقط ولا تنشيء ألتزام أخر على المرأة الزوجة، وهذا ما لا تعرفه كل النظم الوضعية ولا حتى أعتى الفلسفات والأفكار البشرية، فالعلة النهائية في التفضيل علة تكريم وليس سبب في أنتقاص من حق المرأة كونها أنثى فقط.
فالأعتراض أصلا مبني على شبهة عقلية وليس على مقصودية النص، وبالتالي فالرد هنا سيكون تأكيدا على مبدأ المماثلة والتساوي والعمل بقاعدة لكل مطلق أستثناء بعلة تفرضها طبيعة طرفي المعاملة وبناء على خصيصتهما دون أن تنتهك أصل القاعدة ولا يجري صرفها خارج مفهوم العلة وخارج أحكامها.
عليه ومن خلال قراءة مجمل ما في النصوص الدينية ومما حملت من مقاصد ودلالات عملية أراد الله منها أن تكون قواعد عمل للمجتمع الإسلامي يتضح أن دور المرأة في المجتمع هو التي:
1. للمرأة عموما خصوصية خاصة تنبع من قاعدة التنوع الكيفي، فهي تتمتع أولا بكل ما للإنسان من حقوق وواجبات وألتزامات وتكاليف، إلا ما هو أساسا خارج بطبيعته من دائرة الإلزام الطارئ تبعا للخصيصة المعنوية والنوعية للمرأة أو الرجل، كما أن لها أمتياز تكريمي أضافي بأعتبارها الشخصي مثل الأم والزوجة والبنت وألخ من الصفات.
2. للمرأة كامل الحقوق في تولي منصب الرئاسة والقضاء والفتيا والأجتهاد ولا يوجد لا مانع شرعي ولا مستند من نص على تقصير هذا الحق أو تقزيمه، أما فيما يخص النبوة فهي حالة لا تتعلق بالجنس الذكري فقط ولكنها تتعلق أيضا بموضوع الطهارة الأبتدائية، فالرجل من السهل عليه أن يكون طاهرا على طول الوقت عكس المرأة التي ينتقص طهورها دوريا، والطهر هنا يراد به الطهر من النجس والدنس المؤقت، فمن شروط النبوة هي حالة التواصل الدائم مع المقدس الغيبي بشروط الطهارة.
3. للمرأة كامل الحرية وبأختيارها الشخصي أن تستغني عن كل حق لها وتمارس الحياة العملية وفقا للمشيئة الفردية، ولكن ليس على أساس الألزام النصي به بل هو خيار محض.
4. للمرأة كامل الحق في التعليم والعمل والسفر والأستقلال الشخصي وفي أجراء المعاملات المالية إلا ما كان محرما على الإنسان أساسا، وما يعرف اليوم بظاهرة الأختلاط وتحريمها هي نقيض لقاعدة أعملوا وسيرى الله عملكم ونقيض لقاعدة (لتعارفوا).
5. للمرأة ألحق في التزويج والتطليق وممارسة ما يمنحها الوضع الطبيعي من ألتزامات، إلا ما يحرم حلالا ويحلل حراما بنص قاطع ومحكم وليس من باب الأجتهاد والفتيا أو الرأي العرفي، هنا لا يمكن تطبيق قاعدة فقهية مبتدعة تقول (المعروف عرفا كالمشروط شرطا) لأن المرأة ليست بضاعة أو سلعة، وما هي إلا حق وواجب متداول بموجب نص لا أجتهاد فيه.
6. للمرأة طبقا لمبدأ المساواة والتماثل والتكامل والمشاركة أن تتبنى ومن خلال خيارها الخاص أي سلوكيات أو تصرفات عملية تؤكد حقها دون أن يتدخل أحد في إدارة شؤون ملف المرأة في المجتمع، وطبعا وفقا للقاعدة الأساسية بالحلال والحرام، ومنها مسألة الحجاب ومعايير النمط الأجتماعي وكيفية التعبير عن حقها فهي صاحبة النصف والمستقلة في التقدير والتقرير حتى في موضوع الولاية الشرعي للأب فقط بأعتبار أن العلاقة غير منفرطة ولا مستقلة وتقدر بحدودها لحين أكتمال أستقلالها كإنسان قد ملك أمره ماديا وأقتصاديا ومعرفيا، ودون ذلك كل الروايات والأفكار والأطروحات تبقى في دائرة ما هو مظنون على أنه مساوق لمحمول النص مع بعد النص روحا وجوهرا عن هذه الأفكار والرؤى.
لقد كشفنا جنبا من أهم حقوق المرأة في الفكرة الدينية المجردة (الرسلة المحمدية ومحمولها اللفظي القرآن الكريم)، خارج كل ما قالوا وحدثوا وتفقهوا من مصادر ظنها الكثيرون أنها وحي الله، هذه الحقوق كلها لا تفرز دور مخصص للمرأة خارج كيانها الإنساني أبدا، بل تؤكد أنها هي نصف الكيان كاملا وما يفرض عليه من لعب دور هي شريكة ومكملة ومتممة وعلى مستوى المساوات مطلقا ، وكل من حرف أو أستبعد المرأة وغيب وجودها الأجتماعي والفكري، هو محرف ومدلس ومعتدي على الله وأحكامه قبل أن يكون معتد على الإنسانية عموما والمرأة خصوصا، إنها سقيفة بني كهنوت التي صيرت المرأة سلعة في أسواقها الدينية.