فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(7).



ماجد الشمري
2017 / 6 / 30

وحتى لانتهم بالتجني والتحامل،ومن اجل تجنب الوقوع في التبسيط والاحادية،نجد ان العصر الوسيط مجد المرأة-لكن ليس كل امرأة طبعا!-من خلال الانثى المقدسة"السيدة العذراء"وخلدها بروائعه الفنية المبدعة والمبهرة،والى جانب ذلك مجد وبارك الحياة الاسرية والحب العائلي-العائلة المقدسة،مثل خارق-.وأعاد الاهتمام بجمال المظهر الشكلي للملامح والوجه،ورفع من مقام المرأة كصورة حية للكمال-البتولي الطاهر-وبتأثير ديني داعم عبر عبادة مريم،وادب الشعراء الجوالين،والذي ترك اثرا ملحوظا،وساهم في تعميق الهوة والتمايز بين النساء بشكل عام ،وبين بعض الشخصيات النسوية الخارقة للمألوف،واللاتي لايمثلن بنات جنسهن بأي شكل من الاشكال فالمعيار كان هو :مدى اقتراب النساء من المثل الاعلى الذي جسدته الام الحزينة.فالافراط في تمجيد العذراء كأم للرب،اقترن بتدنيس وأدانة الجنس كرذيلة مقيتة ونجاسة منحطة،وارتباط سافل بالشيطان!.اما اداب العشق والحب فقد عجزت عن تغيير البنى الثقافية والاعراف الدينية المتزمتة تجاه الجنس،حتى في موطنها الاصلي"اوكوستينا"-وهو الاسم الذي كان يطلق على بعض مقاطعات جنوب فرنسا،المكان الذي راج فيه هذا النوع من الادب-.وكان هذا الادب العشقي ينطوي على مفارقة صارخة.فالحب الطاهر-العذري-كان يعطي المبادرة للنساء،ويشكل نوعا من الانتصار النسوي على عدائية عامة تجاه المرأة،ومن دون تنكر مع ذلك للحياة الجنسية.كما ان التجربة الحية-تجربة العشاق-التي كان يسمح لهم بها الادب الغزلي:بالتعرية الكاملة،والعناق،والقبل،والمداعبات،وان انكر على الرجل الوصول الى الاورجازم-الذروة والقذف-وكان هذا شكلا من التقنية الايروسية المرهفة،وتحبيذا للذة الجنسية بأهمال النزعة السوقية والمعادية للمرأة..ولكن في الوقت الذي كان الحب الغزلي يتسامى،ويقدس امرأة خارقة محددة-ام المسيح-.ويرسم صورة مثالية للانوثة،فقد تخلى بالمقابل عن غالبية افراد"الجنس الثاني"وتركهن لمصيرهن التعس.وهذا مايفسر غنائية فضائل المعشوقة وخضوع العاشق من جانب،والهجوم على الرذائل الانثوية من الجانب الاخر.وهذا مايفسر ايضا-اذا انتقلنا من الحب الغزلي الى الحب الافلاطوني-التناقض العجيب لدى شخص مثل"بترارك"ابو الانسانية كما اطلق عليه!.-فكيف يكون اللاانساني؟!-،الشاعر والعاشق الولهان بحب لورا الملائكية،غير الواقعية،والنافر من هموم الزواج اليومية،والناقم على المرأة الحية التي هي من لحم ودم،والشيطانية الروح!.فهو يقول:"ان المرأة شيطان حقيقي،وعدو السلام،ومصدر التأفف،وسبب المشاحنات،وعلى الرجل ان يبتعد عنها اذا ما اراد ان ينعم براحة البال..ليتزوجوا،اولئك الذين تجذبهم عشرة الزوجة والمعانقة الليلية،وصراخ الاطفال،وعذابات الارق..امانحن، فسوف نعمل ان قدر لنا ذلك على تخليد اسمنا بالموهبة لا بالزواج،بالكتب لابالاولاد،بعون الفضيلة لابعون امرأة"!.هذه العبارات هي خير مثال لتطرف النزعة الذكورية،المزدرية والمتطرفة في الكراهية والخوف من المرأة،والتي تمدنا بالدليل الدامغ والكامل بحق من اعتبر:"اول رجل عصري"في الحضارة الاوربية!.
على ضعف تأثير الحب الغزلي على الثقافة التي رزحت وخضعت لهيمنة الكهنوت والخطاب الديني،يجب التذكير بأنه في عصر بترارك بالذات ازداد وتشعب الخوف من المرأة في اوساط رجال الدين(الاكليروس).ففي السياق التاريخي العام الذي اسفر عن تبلور ظاهرة(الجينوفوبيا) كانت المصائب والنكبات والكوارث من:طاعون،الى انشقاقات الكنيسة،والحروب،والخوف من قرب نهاية العالم،تضرب بفوضاها وتخبطها.واستمر الوضع هذا طيلة ثلاثة قرون.وكانت الاخطار كثيرة منها الداخلي والخارجي.ولكن ابليس وحده كان يقف وراء كل تلك الرزايا والمحن،وطبعا كانت المرأة واحدة من ابرز جنوده!.وفي هذه الاجواء المحمومة،ركز اللاهوتيون والمبشرون،واعضاء محاكم التفتيش على تعبئة كل الطاقات والقوى لمحاربة تلك الهجمة الشيطانية الماحقة.وقد اتسق تشخيص حماة وحراس الدين لتلك المؤامرة الشيطانية مع الجهود المضنية والشاقة في المضي بمزيد من التطرف الاخلاقي الطهري،والصرامة السلوكية،والتزمت الديني.وليس صعبا ان نفهم على ضوء سيكولوجيا اغوار النفس البشرية،كيف تحول الليبيدو المكبوت وبشدة لديهم الى نزعة شديدة العداء وبالغة الشراسة تجاه المرأة!.فهذه الكائنات المسخ،والمحرومة جنسيا،والمتعرضة بأستمرار،وبالضرورة،للتجربة والخطيئة،واغواءات الجسد القاتلة،كل هذه الضغوط تم اسقاطها على المرأة،بعد ما رفضت بمكابرة ماتلمسه كأحاسيس،وتتعرف عليه في رغباتها الدفينة والمنكرة على السطح!..
لقد خلق الكهنوت الكنسي اكباش محرقة راحت تصب عليها:الادانة،والاحتقار،والبغض،بديلا منعكسا لمسوخ وظلمة الداخل!.ومع ظهور اخوية الشحاذين في القرن الثالث عشر،وحركة الاصلاح الديني الكاثوليكية والبروتستانتية،تمادت الخطب والمواعظ في نشر وتوطيد تلك العدائية ضد المرأة عملا بقاعدة لاهوتية تقول:"ان المرأة منذورة للشر"!.لذلك يجب الاحتياط منها بشتى الوسائل والسبل،-اليست المرأة ناقصة عقل ودين،كما في الاسلام!-وتوجيهها نحو الاهتمامات والاعمال المستقيمة،والحرص على مراقبتها ومتابعتها،والا فأن الشيطان سيمتطيها ويقودها لتحقيق اغراضه الخبيثة والشريرة!.لنقرأ تلك الخطبة الدينية التي القاها القديس برناردان دوسين:"هل هناك حاجة الى كنس البيت؟.اجل..اذا اجعلها تكنسه.هل هناك اواني تحتاج الى الغسل؟.اجعلها تغسلها.هل هناك حاجة الى النخل؟.اجعلها تنخل بحق السماء-اي الزوجة.م.ا-لالأن الحاجة تقضي بذلك،بل لاعطاها عملا،اجعلها تسهر على الاطفال،وتغسل احفظتهم.فأن لم تعودها على النهوض بالاعمال البيتية كافة،تحولت الى جسد تسكنه الرغبات ،لاتترك لها فرصة للراحة،هذا مااقوله لك،فما دمت تحاصرها بالمهام والاعمال،فلن تجد فرصة للوقوف على الشرفة ولن تنتاب مخيلتها الافكار الماجنة"!!!.وهنا نقول:هل هناك اوضح وافصح من هذا الخطاب المسموم كدليل على قمع المرأة كأنسان،واتخاذها مجرد رقيقة بلا حقوق،تعمل ليلا ونهارا،دون فسحة من الراحة او التمتع بالحياة.فالفساد كل الفساد،ومصيبة المصائب،ان تترك المرأة لحظة واحدة لتفكر او تحلم او تتخيل او تعيش.فأن الشيطان بالمرصاد وجاهز للدخول فيها وافسادها لو منحت تلك البرهة من الفراغ!!!...
.................................................................................................................................
يتبع..
وعلى الاخاء نلتقي...
ا