انثى الخوف



جواهر الخياري
2017 / 8 / 30

انثى الخوف.. هي انثى نشأت و ترعرعت و تربت على قاعدة واحدة و وحيدة .. الخوف من الظاهر و الباطن.. الموجود و الغير موجود، انثى الخوف هي تلك التي منذ نعومة أظافرها لم تتحصل و لو على اجابة واحدة عن اسئلتها.. هي حتى لم تتطرحهم، لأنها تخاف ردة فعل المسؤول..الى ان قررت البحث بمفردها، هي لاتريد الحقيقة ، بقدر ماتريد ايجاد حجج تقنعها، تقنع فضولها المتعطش للمعرفة، لأنها و لطيلة عشرون عاماً لم تطلب شيء سوى المعرفة، لأنها و لطيلة عشرون عاماً عاشت وسط أُناسٍ ألفوا كذبة، صدقوها و آمنوا بها .. في ذلك الحين لم تكن على يقينٍ كامل بأنها كذبة او خرافة من تأليفهم و توزيعهم و لكن الشك كان صديقها.. في كل كلمة، في كل نظرة، في كل حركةاو حتى في شهيقهم و زفيرهم كانت تشك.. نعم، فيهم كانت تشك ..لماذا ؟ لا تدري.
هذا أيضا كان من الأسئلة التي كانت قد دونتها في مذكراتها في صفحة تحت عنوان "قائمة المعرفة " .
انثى الخوف، لم تسمع سوى كلمة لا المربوطة بحدث مخيف كالعار او الحرام .." لولاد لا.. ما متكلمهمش و ماتلعبش معاهم ، كي تقعد لِم ساقيك، ما تسألش على الدين و الجنس الزوز حاجات لازمك ماتخممش و ماتتحكيش فيهم.. ماتقراش برشا ..القراية تدخل في حيط و زيد النساء ماهمش متاع قراية، النساء عندهم حاجات اخرين تخلقو بش يعملوهم.. نعاود.. لولاد لا.. الافلام و اي حاجة فيها رومنسية لا.. المواهب و اي حاجة فن لا.. الحب لا.. الكلام برشا زادا لا.. تسألش علاش و كيفاش احنا نعرفو مصلحتك (العائلة) .. حجابك هو شرفك و مخك ماتستعملو في شي ..رد بالك مالثقافة و المتثقفين هاذوكم أعداء الله و الدين بكلهم في جهنم و بئس المصير، الكتب لا.. لازمك تقرا كان الكتاب المقدس
بدنك ماعندك حتى علاقة بيه لا تمسو و لا تستكشف اش فيه.. "و لا و لا و لا....و القائمة مازالت طويلة..
عندما احتفلت بعيد ميلادها السادس عشر زاد فضولها لاستكشاف كل شيئ و ازدادت أسئلتها.. لماذا هذه الكلمات.. لماذا هذا عيب، و لماذا هذا حرام.. لماذا لم تسمع احد من افراد عائلتها يروي نفس تلك الأقاويل على أخيها.. هل الحياة لأخيها فقط؟، هل الدراسة و الصداقة و المعرفة و العمل و تجارب الحياة لأخيها فقط؟ لماذا الدين يقر بهذا؟ لماذا لا يرتدي اخوها ايضا الحجاب؟ لماذا العار ارتبط بها و ببني جنسها فقط؟ هل هي عالة او مرض معدي لكي يقصينها العار و الحرام من الحياة ؟ لماذا زرعو في داخلها ذلك الكم الهائل من الخوف من الحياة التي تُعاشُ خارج منزلها ؟ ..اصلا ما معنى حياة؟ مامعني العار و الحرام ..من جاء بالحياة و الدين و العار؟
كل ليلة.. قبل ان تذهب للنوم.. كانت تمكث ساعة او ساعتين تحدق بالسماء من نافذة غرفتها المُحكمة بالحديد المزركش.. خوفا من عائلتها على الخروج منها او دخول احد ما منها.. كانت تنظر للنجوم اللامعة.. ،تخطار واحدة و تبدأ بالحديث معاها ..تطرح الأسئلة التي تخاف البوح بها.. تحدثها عن احلامها و طموحتها.. عن المهنة التي تحلم بأن تحصل عليها.. كانت تعشق الغناء.. كانت كل ليلة ترا في منامها نفس المنام. "فوق مسرح كبير و امام جمهورٍ اكبر ترتدي فستانا أسود و شعرها الغير مرتب تتلاعب و تتطاير به نسمات الصيف الخفيفة ..تنظر الى جمهورها من اليمين الى اليسار.. قلبها على وشك الوقوف من عظمة الموقف و الفرحة تغمض عينيها لإخفاء تلك الدمعة.. تفتح.. فإذا بها في فراشها و في غرفتها المحكمة ب ذلك الحديد المزركش و الأهم انها هي محكمة بعائلتها الرافضة لجميع طلباتها و محكمة بالخوف الذي لا تملك أدنى فكرة عن كيفية الاستغناء عنه و لكن في زاوية ما من حياتها هناك ضو ء خفيف ،بعيد بعض الشيء و لكن المهم انه موجود ،و هو فضولها للمعرفة و حبها للتغيير .. تنزل من فراشها تذهب الى تلك المرآة المعلقة خلف باب غرفتها ،تنظر الى وجهها، تركز في عينيها و تقول في نفسها :" لا مشكلة في انني اعيش في عائلة ذكورية مستبدة و لا مشكلة في انني عشت طفولة مليئة بالعقد النفسية و مراهقة لا أريد أن اتذكرها.. و لكن المشكلة الحقيقية هي أن أكمل ما تبقى.. وراء هذا الحديد و أمام هذه المرآة اكلم نفسي محافظة على هذا الخوف طامعة في حياة ابدية لا أدري موجودة هي ام لا .. لماذا؟ لكي اكون تحت جناح الذكور أيضا .. صحيح بأنني رضيت بأن اكون انثى الخوف التي تخشى حتى النظر بأعين من أمامها لانه عار و حرام ..و لكنني لن أرضى بهذا الاسم ان يتواصل معي في مراحل حياتي الآتية .