حول تحرير المرأة



أڤيڤا وﺇهود
2020 / 3 / 12

حول تحرير المرأة ‒ أڤيڤا وﺇهود عين‒جيل

10/04/1975



"لو شئنا أن نسمى الانسان الذي تتركز فيه كل أشكال الاضطهاد والاستغلال , في المجتمع الطبقي , لسميناه امرأة . وليست المرأة هي النموذج الوحيد لمن يعاني من البناء الاقتصادي للمجتمع الطبقي . فهنالك ضحايا أخرى للمعاناة والاستغلال الناجمين عن الرأسمالية : العمال والفلاحين . ولكن المرأة العاملة والمرأة الفلاحة تعاني , علاوة على شقائها , بسبب علاقات الانتاج الاقتصادي أو الانتاج الرأسمالي , ولوضعها في الحياة الزوجية والعائلية . وفوق كل ذلك تعاني المرأة من المجتمع برمّته , لفرضه عليها تقاليد وعادات قديمة تشلّ نشاطها وتمنع منها شعور كونها امرأة" (عن "9 حزيران" ‒ لسان حال "الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل" , عدد 9 أوغسطس 1970) .

* * *

لقد أحيت النهضة الليبرالية واليسارية لدى الشباب في البلدان الرأسمالية في بداية الستينات , حركة تحرير المرأة , وداخل هذه الحركة يمكن الاشارة الى تيارين يلتقيان في نقاط مشتركة لكنهما متضادان أساسا . أحدهما أقام منظمات نسائية , جلّهن من الطبقة البرجوازية , وهدفهن تحقيق مساواة المرأة في الحقوق داخل المجتمع الطبقي , والآخر هو التيار الثوري الذي يرى في الثورة الاشتراكية الطريق لحل المشاكل الاجتماعية بما في ذلك مشكلة المرأة .

وبمرور الزمن تبلور التيار الأول , واكتسب نضاله مغزى ديمقراطيا , ضد الانحراف عن المبادئ الليبرالية : في سبيل منح امكانيات متكافئة في الحرف المختلفة , ولأجل "أجر متساوي مقابل عمل متساوي" , ولأجل مكانة متساوية للمرأة في مؤسسة الزواج وخارجها . وفي قسم كبير من دعايته أكد هذا التيار نضاله ضد الاضطهاد السيكولوجي للمرأة في المجتمع الراهن (بواسطة أسلوب التربية , "التقليد" , "العادات" , وما شابه) . واحتل النضال ضد الاضطهاد الجنسي الموضوع المركزي في هذا التيار . وكانت احدى مطالبه الأساسية الاعتراف بحق المرأة في التصرف بجسدها وفق مشيئتها . والهدف : من تربية جنسية في المدارس , بواسطة جعل وسائل المنع شرعية , الى الاعتراف بحق المرأة ان تقرر اجراء اجهاض اصطناعي أم لا , والى اعطاء كل الامكانيات لاجراء الاجهاض الاصطناعي مجانا في المستشفيات .

ولقد شاركت جميع عضوات التيار الثوري في كل هذه النضالات , ولكنها فهمن أيضا , ان بقاء النظام الرأسمالي وتقويته , بحاجة الى استمرار اضطهاد المرأة . ولكن من خلال عضويتهن في منظمات ثورية , استنتجن أنه حتى في داخل هذه المنظمات , لا تزال تنتشر الأفكار القديمة السائدة في المجتمع الطبقي , وخاصة فيما يتعلق بمكانة المرأة . كما وأنّ عضوات هذه المنظمات , يفتقرنّ الى الوعي بهذه المشكلة . وكانت النتيجة أن العضوات لعبن في الأساس دورا ثانويا في داخل الحركة الثورية , لذا نشأت الحاجة الى اقامة دوائر نسائية منفردة داخل الحركة . وكانت لهذه الدوائر ثلاثة أهداف رئيسية , تحرير العضوات من القيود التي فرضت عليهن بواسطة قواعد السلوك والتربية في المجتمع , النضال داخل الحركة الثورية من أجل توعية الأعضاء بالمشكلة , واقناع النساء داخل حركة تحرير المرأة , وخارجها , ان الطريق الثورية , هو السبيل الوحيد الذي من الممكن ان يضمن تحريرهن التام .

والتيار الأول لحركة تحرير المرأة قائم أيضا في اسرائيل . ولكنه هنا يواجه مشاكل ومصاعب كبيرة تفوق تلك الموجودة في غالب البلدان الرأسمالية الأخرى . فالطابع الصهيوني ‒ الاستيطاني لدولة اسرائيل , يصطدم مع المطالب الليبرالية لهذا التيار . فمثلا المطالبة بجعل الاجهاضات الاصطناعية قانونيا , يصطدم بالحتم , مع السياسة الصهيونية الهادفة الى خلق أكثرية يهودية في البلاد . ولذا فهي تشجع تكاثر الأولاد (اليهود) . وهنالك صعوبة أخرى ناجمة عن القاعدة القوية للأحزاب الدينية في المؤسسة الصهيونية , وعن كون هذه الأحزاب , جزءا مكملا لهذه المؤسسة . وهذه الحقيقة تكدس العقبات أمام كل تجربة لاصلاح ليبراليّ , وليس فحسب في مسألة تحرير المرأة .

وحركة تحرير المرأة لم تصل أي مرة الى صعيد جماهيري , فثمة عقبات كبيرة تتراكم في طريق النساء الى معرفة أوضاع اضطهادهن . فالتربية "العادات" والرشوة (على شكل تطوير حاجيات استهلاك "نسائية" , عادات أرستوقراطية وما أشبه) هي العقبات الرئيسية . وبالاضافة الى ذلك فان ثمة عقبات أخرى في اسرائيل : فتأريخ الحركة الصهيونية , وخاصة جناحها اليساري , طورت عددا من الأساطير في مسألة تحرير المرأة . ففي بداية فترة الاستيطان الصهيوني كان هنالك نقص في الأيدي العاملة اليهودية , فامتزجت هذه الحقيقة في الايديولوجية العمالية الاشتراكية الزائفة لدى اليسار الصهيوني , ونتيجة لذلك أعطيت شرعية اجتماعية لعمل النساء كعاملات .

واذخرت أسطورة مساواة المرأة لمدة طويلة في الكيبوتسات . ولكن هنا أيضا ومع تطور الاقتصاد الرأسمالي الاسرائيلي , أرجعت النساء الى "أماكنهنّ التقليدية" . الى المطبخ والعناية بالأطفال , الى "البيت" , مقابل توجههنّ الى الدرجات الدنيا (من حيث الأجر) , الى حرف "الياقات البيضاء" في المجتمع : أعمال مكتبية وتعليم . والسبب بسيط , فيض من الأيدي العاملة الرخيصة . جماهير من المهاجرين اليهود , وأكثرهم ممن قدموا من البلاد العربية , ومواطنون من أبناء الأقلية الفلسطينية الذين طردوا من أراضيهم واضطروا الى طلب العمل في أماكن أخرى بالاضافة الى المواطنين من الأراضي المحتلة منذ 1967 . فالنساء ‒ العاملات يشتغلن في فروع الصناعة والزراعة في الاقتصاد الاسرائيلي , ولكن لا يشعرن بأنهن متحررات أو متساويات , وهن يفعلن ذلك مرغمات , ويلقين استغلالا أكبر مما يلقاه زملاؤهن الرجال .

وبالرغم من كل ذلك فان بقايا الأسطورة الصهيونية بخصوص المرأة الطلائعية متساوية الحقوق والمتحررة لا تزال سائدة . وكبرهنة على مساواة المرأة في اسرائيل فأن حفظة النظام القائم , وفي طليعتهم نساء يعارضن تحرير المرأة , يورودون حقيقة كون جولدة مئير تخدم كرئيسة وزراء , وان النساء الاسرائيليات يخدمن في الجيش . وهذان البرهانان يثبتان العكس بالذات , فجولدة مئير هي شاذة , والشاذ عن القاعدة يدل على ان القاعدة السائدة هي لا مكان لنساء سياسيات في المجتمع الاسرائيلي , ما لم يتنزلان عن انوثتهن , انخراط النساء في الخدمة العسكرية دليل على ان الدولة بحاجة لجيش كبير لتنفيذ سياستها ولذلك فهي مستعدة حتى لتجنيد النساء لجيشها . والحقيقة ان النساء في الجيش يشغلن مراكز ثانوية فقط : موظفات , ممرضات , و"زينة" لرفع المعنوية لدى الجنود . (وليس يعني ذلك اننا نطالب بأن تقوم النساء بتنفيذ مهمات قتالية كالجنود , فنحن نعارض السياسة التي ينفذها الجيش الاسرائيلي ونناضل ضدها وسيان كانت منفذة بواسطة جنود أو جنديات ) . وشتان ما بين ايراد هذا المثال ‒ الجيش ‒ كدليل لمساواة المرأة وتحريرها وبين الواقع .

وجوهريا فان أسطورة "المرأة الاسرائيلية المتحررة" تستغل لغايتين لكنهما غاية واحدة : زيادة القوى العاملة في الاقتصاد الاسرائيلي وقت الحاجة , ولمنع قيام حركة كبيرة لتحرير المرأة , والتي ستمس حتما بتحقيق أهداف السياسة الصهيونية لاسرائيل .

* * *

women s lib 1

وحتى الستينات , لم يكن في داخل حركات التحرير القوميّ , في العالم الثالث , وفي الحركات القومية للأقليات القومية في البلدان الرأسمالية , وعي للمشكلة الخاصة للمرأة . فقد تزعم أكثرية هذه الحركات , عناصر برجوازية , وبرجوازية صغيرة , دعت الى وحدو وطنية , أو قومية , غير طبقية , في النضال للتحرّر وما بعده : وقد وقف اشتراكيون الى جانب هذه العناصر , ونادوا "بنظرية المراحل" : وحدة قومية غير طبقية حتى التحرير . وارجاء حرب الطبقات والثورة الاشتراكية الى ما بعد التحرير من السيطرة الكولونيالية , واقامة دولة مستقلة . وموقف هؤلاء , ناقص أيضا أفكار تحرير المرأة , وعندما كانت تثار مسألة تحرير المرأة , كانت تؤجل الى "ما بعد التحرير" , وهذا الموقف , عزز مراكز الطبقات العليا , التي طمحت في قيام دولة برجوازية "عادية" , بعد "التحرير" . ان تأجيل كافة النضالات , التي كان من المحتمل ان تؤدي الى تصدع الجبهة الوطنية , لم يكن الا تأييدا لأولئك الذين يبررون الوضع القائم للمجتمع الطبقي . ومن ناحية أخرى فقد نشأت ضرورة لتعزيز حركة التحرر عن طريق ضم النساء الى الكفاح . ومهما كان شكل هذا الضم فأنه قد أوجد تناقصا حتميّا بين رغبة المحافظين في ابقاء التركيب الاجتماعي الطبقي بعد "التحرير" أيضا , وبين الحاجة للاستعانة بالنساء , الشيء يؤدي في المستقبل الى تقويض هذا البناء الاجتماعي .

ونشأ تناقض مشابه أيضا في حركات التحرر القومي في العالم العربي , فسيطرة القيادات البرجوازية العربية "التقدمية" (مصر , العراق , سوريا والجزائر) لم تحدث تغييرات كبيرة لا في البناء الاجتماعي للنساء ولا مركزهن الاجتماعي . وتأريخ هذه الأقطار يثبت لكل امرأة أناطت آمالا لتحررها بعد التحرير القومي , أن تحررها يتطلب ثورة أخرى , ثورة اجتماعية .

والحركة الفلسطينية جابهت هذا التناقض كذلك . وبسبب طابعها الاجتماعي فانها لا تختلف في معالجتها لمسألة المرأة عن الأنظمة العربية الأخرى , وان كانت هنالك تجارب لادخال أفكار لتحرير المرأة بواسطة اليسار الفلسطيني , الا أنه من الصعب تجاهل ذلك العدد الصغير من النساء في صفوف الثوار لمنظمة التحرير الفلسطينية , ولا تزال ليلى خالد فريدة في هذا المضمار . وبسبب استمرار الكفاح الفلسطيني فهنالك امل لالتحاق المزيد من النساء بالنشاط السياسي مما سيؤدي الى تعرية القيادة البرجوازية اذا حاولت ان تحول دون ذلك .

لقد طورّت حركة التحرير المكافحة في عُمان وعيا خاصا لمشكلة المرأة , وذلك لتأثير جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية , تقول هدى ‒ الكوميسارة السياسية للنساء في الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي :


"ان مهمة توعية النساء بواجباتهن واقناعهن بضرورة الالتحاق بالنضال السياسي تتطلب عملا كثيرا في النواحي الأخرى من الخليج . ولقد كان التجاهل المطلق لمسألة المرأة من أشدّ الأضرار التي خلفتها الحركات السياسية السابقة تحت زعامة القيادة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة . والخطة السياسية الجديدة لتحرير الخليج بايحاء الماركسية اللينينية , ملزمة بسدّ هذه الثغرة , وادنى الطلبات التي ينبغي انتهاجها في هذه الخطة : منع تعدد الزوجات وحق المساواة للنساء في الطلاق والغاء المهر" .

وفي عدد من الحركات , خاصة الحركات القومية للأقليات القومية في البلدان الرأسمالية , حاول المحافظون التوفيق بين رغبتهم في "التحرير" وابقاء البناء الطبقي , وبين الحاجة الى الاستعانة بالقوى التي من المحتمل أن تشكل خطرا على البناء الطبقي لأجل التحرير . وما هو نجاح هذه المحاولة ؟ ذلك يفيد ما كتبته ماريا فاليرا ‒ احدى النشيطات في حركة تشيكانو (حركة المكسيكيين ‒ الأمريكيين) :


"عندما يحارب شعبك من أجل العيش والغداء والكساء والمأوى والحياة الهادئة ‒ فأنت كامرأة تعرفين من أنت . أنت مبدأ الحياة والوجود واستمرارهما , وبصرف النظر عن وضع زوجك ‒ قويا كان ولكنه بحاجة اليك للاستمرار , ضعيفا كان ولكنه يحتاج اليك للتقوية , أو قاسيا لكنه يستغلك كي يحافظ على كمال رجولته ‒ بصرف النظر عن وضعه ‒ فأن أولادك سيعيشون ويعيشون بواسطة ارادتك ونضالك اليوميّ ضد القوى المعادية . انت تعرفين من أنت . خاصة عندما تشاركين في النضال ضد القوى التي تضطهد شعبك . وبالنسبة للمرأة ‒ التشيكانو المناضلة لأجل شعبها فأن العائلة ‒ العائلة الكبيرة ‒ هي معقل قوى أمام قوى التصفية في العالم الخارجي المحيط به . وهي مصدر قوة لشعب تنكر وتقرض هويته تدريجيا . فالأم هي مركز هذا المعقل" .

هذا الكلام يظهر الطموح القومي ‒ الرومانسي للعودة الى فترة ما قبل الكولونيالية . حيث كانت العائلة الكبيرة هي الخلية الاجتماعية الأساسية , ولكن تلك الفترة لم تكن فردوسا للطبقات المستغلة والمضطهدة (بفتح الغين والهاء) ولا للنساء كما حاول الرومانسيون أن يزعموا . وفي هذا الكلام قبول للبناء الاجتماعي الطبقيّ وتقوية له بما في ذلك مكانة المرأة في داخله .

كما وهنالك موقف مشابه لدى طبقات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعيشون في اسرائيل . فثمة رغبة شديدة لحفظ الاطار العائلي ‒ الحموليّ كرمز أخير للهوية الشخصية امام محاولات الصهيونية كسر وابادة الهوية الفلسطينية , ولكن تنصيب العالة التقليدية كمعقل معاد للصهيونية يخدم أهداف الصهيونية بالذات , فهذا يساهم في ابقاء الجمهور العربي في تقوقع اجتماعي مما يصعب المقاومة الثابتة . وانخراط رؤساء الحمائل في خدمة السلطات يجرّ وراءه الكثيرين من ابناء الحمولة , وذلك للمكانة التقليدية لهؤلاء الرؤساء والزعماء . واحدى النتائج الخطيرة لذلك هي استمرار الوضع المؤلم للنساء اللاتي يعانين معاناة مضاعفة : اضطهاد قومي وجنسي في المجتمع العربي المغلق . والرمز لوضع للنساء هو المهر . فهذه العادة تجعل من المرأة نوعا من السلع , وللمهر أيضا مهمة طبقية محضة . فهو يحفظ اطارا طبقيا يكون فيه الزواج صفقة تجارية تحول دون زواج الفقراء من بنات الأغنياء . لذا فلا عجب ان يكون الغاء المهر من بين أدنى المطالب لحركة تطمح الى تحرر قومي واجتماعي (ومن الجدير بالذكر ان هنالك عادة مشابهة في المجتمع اليهودي في اسرائيل اذ يتفاوض أهل الفتى والفتاة حول قيمة المبالغ التي تعطى لهما عند زواجهما) .

مما ذكر آنفا يتضح أن في السنوات الأخيرة نشأ فرق بين الواقع في الأراضي المحتلة والواقع الفلسطيني داخل اسرائيل فمنذ احتلال 1967 وتحت الاحتلال الأردني كذلك , تميزت بنات الضفة الغربية بمشاركتهن في النشاط السياسي . وفي فترات معينة كانت التلميذات هن اللائي حملن على كهولهن عبً المقاومة الأهلية للاحتلال , وقد جرح وقتل كذلك عدد غير ضئيل من الفتيات خلال المظاهرات وأشكال النضال الأخرى في قطاع غزة والضفة الغربية . ولقد أحدث النشال السياسي للنساء رجّة في العلاقات الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني , فليس الفتيات بعد اليوم رهينات بيوتهن , بل أصبحن يقمن بدور فعّال وهام في نضال الشعب العربي الفلسطيني للتحرير وبذلك يسرن خطوة هامة نحو تحريرهن .