قيس وليلى وعذرية المراة



ناجح شاهين
2017 / 9 / 6

قيس وليلى وعذرية المرأة
قد يكون تحرير فلسطين أو إنجاز الوحدة العربية أسهل من تحرير الرجل العربي من مشاعر الذل والهوان والعار التي يحسها عند تخيل شقيقته وهي تمارس الجنس.

ناجح شاهين
كنت طفلاً في الثانية عشرة أتلمس على نحو غامض معاني الحب والجنس والأنوثة والذكورة. كان ذلك ما يزال عالماً سحرياً غامضاً أعرفه عن طريق الشارع ورفاق السوء و"المنشورات السرية".
قرأت نصاً قصصياً لا أذكر الآن اسم مؤلفه يروي قصة "قيس وليلى" الأشهر ضمن قصص الحب العربية. أذكر أنني اختنتقت قهراً وأنا أقرأ كيف أبعد زوج ليلى فخذيها الواحد عن الاخر ليتمكن من الدخول بها. بالأحرى بلغة معاصرة واضحة ليتمكن من اغتصابها.
لم يكن اغتصاب ليلى هو سر انزعاجي الأساس، إنما كان كمدي وقهري التام ناجمين عن إحساسي بأن ليلى لم تعد صالحة للحب. في تلك اللحظة ماتت ليلى بالنسبة لي.
لا بد أن جزءاً كبيراً من القراء العرب –خصوصاً من الرجال- يتفهم مشاعري بشكل عميق: المرأة إذا "استعملت" من قبل رجل آخر، لا تعود صالحة للحب والزواج في صوره النموذجية المحترمة. ربما تصلح للزواج من عجوز يأخذها لترعى شيخوخته أو تصلح لبيع الهوى، أما الحب السامي النقي الجميل الرومانسي فقد ذهبت فرصته إلى الأبد بفعل أنها أصبحت "مستعملة".
في طفولتي أيضاً قرأت رواية ترجمها المنفلوطي مطلع القرن صاحبها فرنسي اسمه ألفونسو كار وفيها تخذل مجدولين حبيبها ستيفان وتتزوج من رجل آخر. عندما تثوب مجدولين إلى رشدها تعود لستيفان وتحاول أن تجدد حبل الود والوصال.
الحق أقول لكم: تمنيت قليلاً لو تتحقق النهاية السعيدة للحب، ولكنني كرهت بكل جوارحي أن يقبل ستيفان بالزواج من امرأة مستعملة. خطر ببالي: لو أنه يقيم معها علاقة عابرة ثم يتركها، المرأة المستعملة لا تعود صالحة للحب والزواج حتى وإن كانت قد "استعملت" في نطاق المؤسسة الشرعية التي يقرها الدين والمجتمع والقانون أي مؤسسة الزوجية.
من الواضح أن الفكرة عن قابلية جسد المرأة للتلوث بسهولة لم تكن فكرة عربية حصرية. في رواية الفضيلة أو بول وفرجيني المترجمة من قبل المنفلوطي أيضاً نجد البطلة تموت غرقاً إذا كان الثمن أن تخلع ملابسها كيما تتمكن من الخروج من السفينة التي حطمها البحر الهائج. ماذا سيتبقى لها من "شرف" إن قام المنقذ بلمس جسدها العاري؟ كيف يمكن لبول أن يقبل بها براحة وسعادة وقد تم انتهاك طهرها وشرفها؟
إن صابون الدنيا كله بدءاً بالصابون النابلسي التقليدي وصولاً إلى أحدث انواع الصابون الفرنسي والصيني لا يستطيع أن يزيل النجس عن جسد امرأة لمسها رجل.
بالطبع لا ينطبق الذي قلته على الذكور أبداً. كان يمكن لقيس أن "يضل" ويعاشر عشرات النساء، ثم يعود لليلى ويتوج حبهما العظيم بالزفاف والزواج. وكنت سأرضى وأبتهج وأشاركهما الفرحة. ربما حتى لو واصل قيس بعد الزواج شيئاً من المغامرات ما كنت لأنزعج على نحو جذري.
للأسف بمعنى ما لو كنت شقيق ليلى العامرية، فإنني لن أكون مبتهجاً ليلة دخلتها وإن يكن عريسها هو حبيب القلب قيس بالذات: في النهاية ستكون أختي عرضة للانتهاك الجنسي من رجل "غريب"، ولا بد أن مشاعر الرجل العربي النموذجي تكون هي القهر والمهانة التامة عند تخيل شقيقته بين ذراعي رجل آخر تمارس الحب بسعادة ورغبة. ولا بد أيضاً أن الممارسة الجنسية التي تقوم على دخوال القضيب في المهبل مؤلمة جداً بالنسبة للغالبية العظمى من الرجال العرب عندما يتخيلون محارمهم يخضعن لها.
الحق أقول لكم: قد يكون تحرير فلسطين أو إنجاز الوحدة العربية إو إنجاز الثورات الصناعية، أسهل من تحرير الرجل العربي من مشاعر الذل والهوان والعار التي يحسها عند تخيل شقيقته وهي تمارس الجنس أو بالأحرى وهي "تخضع" للفعل الجنسي.