أنا رجلٌ نسويّ



ديرين كيريتيك
2017 / 9 / 25



ترجمة فريق مساواة
جزء من سلسلة من مقابلات الصحافة المصورة مع النسويّين الذكور
جيرالد، 25 سنة. من مانهاتن في نيويورك
بقلم: ديرين كيريتيك
يوليو 2017
ماذا يعني مفهوم / كلمة “النسوية” بالنسبة لك؟ ماذا يعني مفهوم المساواة بالنسبة لك؟
في البداية، أعتقد أنه لا ينبغي بهكذا مصطلح أن يكون مسمَّراً وثابتاً على طول الخط لأنه يحتاج إلى التطور مع تطور القضايا من حوله. النسويّة هي الاعتراف بأن الظروف التي تتوفر للمرأة ليست متساوية مع ظروف الرجل، بسبب الرجل نفسه، وهي أيضاً الدافع لتغيير هذا الواقع. النسويّة هي الاعتراف بهذا التفاوت ثم الرغبة في تغييره. لاأريد أن أعرّف النسويّة على أنها مثلاً “تفاوتٌ في الأجور بين المرأة والرجل لصالح الرجل” لأن هذا متضمّن فيها بمعنى ما لكنه يتغير باستمرار.
باعتقادك ما هو الكفاح الأكثر إلحاحاً للمرأة اليوم؟ ماهو الجانب الأكثر أهمية بنظرك؟
ثقافة الاغتصاب (rape culture).لا يعترف الرجل بإنسانية المرأة إذ أشعرُ بأن الرجال لا يعترفون بإنسانية المرأة كاملةً. أرى أن الرجال كمنظومة ذكورية لايعترفون بكل النساء كإنسان ولعله ولهذا السبب بالذات نجد من يعتقد ويجاهرصراحةً بأنه على المرأة أن تُمنح أجراً أقل، أو أن النساء هنّ مجرد موضوع جنسي أو ماشابه ذلك. أجل، الكفاح الآن هو ضد ثقافة الاغتصاب لأنها تأثر سلباً على الصغيرات والكبيرات سناً على حد سواء.
هل موضوع النسويّة من المواضيع التي تفكّر بها؟ هل قرأتَ يوماً كتاباً أو شاهدت وثائقياً حول مواضيع نسويّة؟
أجل، أفكر في هذا الموضوع كثيراً لكن لايَحضُرني الآن أيّ وثائقي شاهدته بهذا الخصوص. أذكر أنني شاهدتُ على سبيل المثال مجموعة من الوثائقيات القصيرة لكن موقع تمبلر(Tumblr)للمدوَّنات علّمني الكثير بهذا الخصوص وأنا أرغب بقراءة المزيد لكتّاب نسويين. سبق وأن تابعت قناة منظمة الذبذبات النسوية(Feminist Frequency)على قناة يوتيوب.
لماذا تعرّف نفسك كنسويّ ومتى وكيف تعلمت النسوية؟ ما الذي علموك إياه عن النساء في حياتك؟
أستغرب السؤال قليلاً! أتمنى لو سألتيني لم ليس كل الناس نسويين؟ النساء اللواتي أعرفهن في حياتي هن من أفضل الناس ولا أستغرب ذلك، وأقول لك بأنني حتى لو لم أعرف أي امرأة جيدة، أو لو كنّ كلهن سيئات جداً، لكنتُ أيضاً نسويّاً. أعتقد أن السبب يكمن في أنني ملونٌ لذا عندما أرى ظلماً من حولي أكره كل أنواع الظلم وأنا أرى بأن معاملة المرأة بشكل حقير ستنتهي حالما يفهم الرجل بأن هذا نوع من الظلم ككل ظلم آخر. لقد نشأتُ مع أختٍ تصغرني بعامين، كانت ولازالت أعز صديقة لي، وأنا أعيش معها ومع أمي وهي صديقتي الأعز أيضاً، ولهذا فإن قيمة المرأة في حياتي عالية. في الحقيقة لم أتوقف حتى للتفكير بغير ذلك لأن هذا الأمر من طبيعتي ومطبوعٌ في شريط مورثاتي، في DNA.
أودّ القول بأن علي الكثير من التعلُّم الذي لم أقم به بعد، فأنا لم تتم نشأتي في بيت يتداول قضايا النسوية، بل تعلمت عن هذا عبر موقع تمبلر(Tumblr)للمدوَّنات، الذي أحطت من خلاله بشتى المواضيع في هذا الصدد. كما أن علي أن أتعلم أكثر وأكثر من غيري حول النسوية لأنني كنت في صغري أداوم في مدرسة للذكور فقط، علماً بأنني لم أكن يوماً في حياتي عدائياً تجاه أي امرأة. تعلمت في السنوات الأخيرة مثلاً بأن النساء يتعرضن لتحرشاتٍ في الطرقات العامة كل يوم ولم أكُن على علم بذلك مسبقاً! أعتقد أن جهلي بهذه الأمور نابع من أن أمي وأختي اللتان تشعران بأنني رجل طيب ولذلك لم تنبريا لتعليمي وتهذيبي. كما أن والدي لم يكن من تلك النوعية من الرجال السيئين أيضاً لذلك لم أكن أسمع هذا الخطاب في بيتنا.
هل تعمل النسوية على تمكين الرجل أيضاً؟ إذا كنت توافق فبرأيك كيف يتم ذلك؟ كيف ترى اختلاف النسوية وتَميّزها؟
أجل، أعتقد أن الكثير من الكراهية للنساء وغيرها من أنواع الكراهية، مثل رهاب المثلية بل والعنصرية أيضاً، تأتي جزئياً من الرغبة في البرهنة على الفحولة الذكورية. على سبيل المثال: “على الرجال أن يكونوا دائماً الأفضل والأقوى،” هي عبارة نسمعها كثيراً وهي الفكرة المركزية التي يعمل وفقها عقل الكثير من الرجال ولذلك ترينهم يفكرون بما يلي، ” يجب أن أقهرالنساء أو الرجال مثليي الجنس لأنهم لا يمتلكون نفس معاييري للرجولة، والآخرين أيضاً من الأعراق الأخرى هم كذلك ليسو كفؤاً لي”.
إنها دائما هذه الفكرة: فكرة الفحولة والتنمر والتميز عن الآخرين وبأن مجموعة من الرجال هي الأقوى والأفضل من الآخرين، لكنّ هذا يخلق الكثير من المتاعب ولذلك أعتقد أن النسوية وفكرة المساواة بين الناس مفيدة للرجل كما للمرأة لأنها تجعله بالمجمل شخصاً أفضل لايركّز على ضرورة إثبات نفسه والبرهنة على قوته طوال الوقت. فكرة أن على الرجال أن يبرهنوا على قدرتهم الجنسية هي التي خلقت ثقافة الاغتصاب. وهذه قمة الحماقة! لذا أعتقد أنه بمجرد الانتهاء والتخلص من هذا الأمر سيخفّ الأذى. يجب بكل تأكيد أن يبدأ التصحيح من الرجال أنفسهم، وهذا مفيد جداً لهم كما أنه من الواضح أنه جيد ومفيد للجميع. قد يبدو مستهجناً القول بأن الكثير من التغيرات باتجاه النسوية يمكن أن تحدث بمساعدة الرجال لكن من المؤكد أنها تبدأ بهم. فعلى سبيل المثال إذا علّمتَ أطفالك بأنه من غير المسموح أن تشدّ شعر بنت صغيرة، فإن العنف في حياة البالغين ستنخفض وتيرته. هذا غيض من فيض بالطبع.
عقص شعر البنات إلى الخلف على شكل ذيل حصان يبدو الرقم واحد في اعتداءات الشعر! من السهولة بمكان أن تمسك برأس المرأة وتسيطر على رأسها بالكامل بهكذا تصفيفة للشعر!
نعم أستذكر الآن كثيراً من الحوادث لأطفال صغار كانوا يشدون شعر البنات الصغيرات. هذه منتهى الحماقة بالفعل. الرجال مسؤولون بالفعل!
جزء كبير من مسؤولية هذا السلوك مُلقى على الرجال أنفسهم. ياللأسف تقضي بعض النساء عمرهن كله وهنّ يحاولن تغيير ذلك. قرأت اليوم مقالاً اليوم يقول بأن جميع الشوارع مسمّاة بأسماء رجال. كل شئ للأسف يبدو لي متمركزاً حول الرجل.
هل تعتقد أن إتاحة المجال للمرأة كافياً أم تعتقد أن مجتمعنا لم يُبنى منذ البداية ليشتمل على النساء وعلينا أن نبدأ من جديد إذا أردناه أن يكون مبنياً على المساواة؟
تريدين رأيي حقاً حقاً حقاً؟ لقد وصلت في تفكيري إلى أننا وصلنا لنقطة نحتاج فيها فعلاً إلى أن نبدأ من جديد. نحن بحاجة لسحق وتحطيم النظام القائم على هذه السلوكيات، وأفكار الكراهية ضد النساء هي أول مايجب القيام بتحطيمه بالإضافة إلى الكثير مما يستحق التهشيم فعلاً. الأمر يثير الإحباط لأن أبرز مايجب فعله في هذا الشأن هو القيام بتعليم الأجيال القادمة أن يتجنبوا هذا الهراء. الحل بأغلبه يكمن في متناول يد الإنسان لكن مايحدث محبِط للآمال. بالإمكان تجنب كل هذا الجهد في التغيير بمجرد اقتناع الفرد بأن يعدّل سلوكه ويجنب الآخرين الألم ويرفع عنهم الضيم بما يتيح لنا بناء الأفضل. أجل أنا على يقين بأن البدء من جديد لن يكون خياراً سيئاً.
لماذا تعتقد أن كلمة “نسوية” ترتبط بوصمة سلبية؟ ما رأيك في ذلك؟ كيف سيتغير ذلك باعتقادك؟
سبب ذلك هو الشعورالرجالي السخيف بعدم الأمان. الكلمة وبكل وضوح هي كلمة نسوية والنساء في مركزها ولكن حيثما لا يستطيع الرجل أن يحفر مكانًاً له ويغرز علماً لانتصاره يبدأ بالتسبب بالمشاكل. هي صورة نمطية لأن الرجل يشعر بأنه مستبعد ولذلك يشعر بأن هناك من يهاجمه. يُضاف إلى ذلك أن الناس لا تحب أن يذكّرها أحدهم بأن طريقة عيشهم ردئية وحقيرة فيبدأون برمي اللائمة عليه، ولهذا يطلقون على مناصري النسوية لقب نازيي النسوية(Feminazis)أو مايحلو لهم من مصطلحات سخيفة أخرى. لا أتكلم بلسان النساء لكنني أعتقد بأن النساء اللواتي لا يعجبهن مصطلح النسوية لابدّ أن يكنّ أيضاً سخيفات. لربما سمعن طيلة حياتهن بأن النساء مناصرات النسوية يُردن تطويع الرجال واستعبادهم ويرغبن بالاستحواذ على وظائف الرجال كلها ولذا ينفرن من ذلك وينفرن بالتالي من النسوية وتأخذهم بها الظنون. لكن لا. الأمر ليس كذلك، بل همُ الرجال من يستهجن النسوية لأنهم يشعرون بأنهم مهاجَمون. التعليم سيرأب كل هذه الصدوع وسيصحح كل شئ. أجل كل شئ. علينا البدء من مكان ما، من أي مكان، لافرق، لكن علينا البدء بتصحيح المسار. ولنبدأ بالقوانين التي تسمح للمرأة أن تكون امرأة فتعيش حياتها بالتّمام وتختبر هذا العالم. قرأت مؤخراً بعض المقالات التي تقول بأن علينا السماح للمرأة بأن تختبر المدى الكامل للأنوثة دون أن يهاجمها أحد. مثل أن تأخذ مثلاً إجازة أمومة( وأنا لا أقصد هنا بأن على كل النساء أن يُنجبن)، لكن يجب أن يكون بمقدور المرأة أن تنجب طفلاً دون أن تخسر وظيفتها. علينا توفير قوانين السلامة وأساسياتها مثل السلامة في الوظيفة والسلامة في الشارع، وكل أنواع السلامة للمرأة. هناك الكثير مما يجب تغييره لكنني بكل تأكيد أعتقد بأن التعليم هو البداية لأن الشخص الأحمق لن يفكّر في تغيير هذه القوانين الجائرة.
ماهي القضايا أو التحفظات التي لك مأخذاً فيها على النسوية اليوم؟ وما الذي برأيك يقتضي التغيير؟
النسوية البيضاء تثير حفيظتي- وهي نسويّة لا تقيم وزناً لوجود التمييز متعدد الطبقات. لنأخذ على سبيل المثال التباين في الأجور: أجر المرأة البيضاء 0.75 $، بينما أجر الرجل1 $ ، لكن أجر النساء الملونات تقريباً 0.55 $ أو حتى أقل، ومع ذلك لا نسمع نقاشاً حول هذا الأمر! بالتأكيد يحتاج موضوع مكافحة التمييز متعدد الطبقات إلى تحسينات. هناك أمر آخر ليس على سبيل الانتقاد لكنه كلامٌ على الهامش: أتمنى أن يكون بعض النسويين أكثر اعترافاً بحقيقة أن الفتيان ضرورة ديموغرافية وينبغي التوجّه لهم بالخطاب. أدرك الأهمية القصوى في توجيه الخطاب للفتيات الصغيرات لكن الأمر مواز في الأهمية للفتيان الذكور أيضاً. تستطيع الفتيات الصغيرات أن يمتلكن كل الثقة بالنفس ليحققن مايرغبن به لكن الأمر لن يكون آمناً لهن ما لم يُصار إلى تثقيف الفتيان وتعليمهم كي يختلفوا بسلوكهم عن سلوك آبائهم. لا أرغب بالتقليل من أهمية تمكين النساء الشابات( من الواضح بأن هذا الأمر يمضي قدماً) لكن الفتيان الشباب مهمّين بنفس الدرجة في المخاطبة فما لم نفعل هذا سيصبحون رجالاً كباراً يوماً ما مثل أولئك الرجال الأوغاد كبار السن الذين نراهم وستُعاد الكَرّة مرة أخرى وهذا أمر مقيت. أكره تلك التربيتة المبالغ بها على كتف بعض الرجال تشجيعاً لهم للقليل من النسويّة التي يُظهرونها، مثل مات مغوري(Matt McGorry) في مسلسل ” البرتقالي هو لون السود الجديد: Orange is the New Black”.
هذا الممثل، الذي دائماً يلعب دور الشرطي، يظهر بصورهِ على حسابه على الانستغرام وهو يرتدي قمصاناً مرسوم عليها صورة رحم! سلوكه يكرب النفس جداً! ولكنه يحظى بمديح زائد مثل: “مات مغوري نسويّ محبب”. أقرأ هذا عنه ويسرح فكري بالنسوة اللائي فقدن الحياة لأنهن قلن مايقوله بينما هو فقد قام حضرة جنابه بإعادة تدويركلامهن فقط والتفوّه به. لا أدري ! ربما الأمر ليس بهذا السوء.
هناك أيضاً صنف من الرجال يتصنّعون المناصرة للنسويّة كي يروقون لِعين النساء.
أجل أجل. هذا أمر مخيف. كان هناك مؤخراً رسامُ وشمٍ يقوم بهذا الخداع. كانت كل شبكة معارفه على وسائل التواصل الاجتماعي من مناصري النسوية وكان فاعلاً للغاية لكن تبيّن فيما بعد بأنه كان يغتصب النساء وبأنه خسيس للغاية. نسيت سؤالك ولكن ليس عندي انتقادات أخرى. ربما بإمكاني التأكيد على رأيي بأن تعليم الفتيان الصغار هو جزء مهم من الحوار، إذ لانستطيع أن نغفل كل الرجال ونضعهم جميعاً في سلة واحدة. بالتأكيد تثقيف الرجال مهم للغاية. لا تستطيعين استبعاد كل الرجال وتتوقعين مع ذلك أن يتم تغيير أنظمتنا. لا أعني أن يكون الرجال في المقدمة لكننا نحن النصف الآخر من العالم وهذا مايقوله النسويون دائماً: “الرجال هم النصف الآخر للعالم.” لا أدري. الرجال حمقى جداً ويحتاجون إلى التعليم والتثقيف أيضاً. هناك أمر آخر أكرهه وهو عندما يقول بعض الناس:”النساء اكتسبن حق الانتخاب في 1912″. حسنٌ! النساء البيضاوات حصلن على هذا الحق لكن المرأة السوداء انتظرت حتى عام 1965. أعتقد بأنه وعلى الرغم من الإنجازات الكثيرة للنساء لكن ليس هناك اعتراف بأن هناك توجهاً عنصرياً بالكامل.
حول الكاتبة ديرين كيريتيك
Deryne Keretic
هي فنانة ومصوِّرة وموسيقية، لديها اهتمام مفاهيميّ في التقاط اللحظة الآنية وفهمها كحلقة في سلسلة متصلة من التجارب. عرضت معظم أعمالها في العديد من البلدان وكذلك في العديد من المجلات وحصلت على جوائز دولية. ولدت في مدينة نيويورك، وعاشت في ألمانيا حيث أدخلت ببطء شغفها بالموسيقى والتصوير الفوتوغرافي في فنها. تدربت في البداية كموسيقية، وبدأ حبها للتصوير الفوتوغرافي في الغرفة المظلمة عندما تنامى اهتمامها في الفهم ورؤية الأشياء في مستويات متعددة. تعيش حاليا في نيويورك، حيث تطور شغفها إلى استكشاف الجسد البشري في صورٍ بالأبيض والأسود. تقول، “يكمن اهتمامي في التقاط جوهر اللحظات الحقيقية. التصوير الفوتوغرافي الذي أستكشفه لا يعتمد على الأوضاع المدروسة. أحب العمل مع الناس غير المعتادين على الصور- هذه التجربة أكثر إمتاعاً وإثراء.” وقد ساعدت خلفيتها كموسيقية في تضمين الفكرة الغنائية في لقطات صورها، فضلا عن السماح لها بفهم حقيقي وتعاون في مشاريع متعددة مع فنانين آخرين.
ديرين حاصلة على درجة البكالوريوس من كلية يوجين لانج في المدرسة الجديدة للفنون الحرة: الموسيقى والتصوير والدراسات الجنسانية والشعر.