أنا اليومَ مشغولةٌ بلحظة فرحٍ لعيون الحجازية



فاطمة ناعوت
2017 / 10 / 4

أنا اليومَ مشغولةٌ بلحظة فرحٍ لعيون الحجازية
=======================

هذه لحظةُ فرح تاريخية يعيشها العالم. ليس للمرأة السعودية وحسب. وليس للمرأة العربية، ولا لجنس المرأة، وحسب. إنما هي لحظةُ فرح للعالم بأسره. صدور مرسوم ملكيّ ممهور بخاتم ملك المملكة السعودية بأحقية المرأة السعودية في استخراج رخصة قيادة، لتقود سيارتَها بنفسها، من دون سائق، فهذا يعني أن شيئًا طيبًا يجري فوق هذا الكوكب، في مقابل عشرات الأمور غير الطيبة التي تجري هنا وهناك، في أرجاء العالم، بمعرفة وحوش ضارية أسماؤها: الإرهاب، الفقر، الجهل، الفساد، الظلم، الطبقية، العنصرية، الطائفية، المحسوبية، الانتهازية، وغيرها الكثير من المسوخ التي تنخر في جسد العالم وتعمل في دأب وصبر وإصرار على إنهاكه وقتله.
يقول ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي: “من العدل أن يأتي الفرحُ بين الحين والحين، على الأقل.” ورددتُ عليه ساخرةً في تصدير أحد كتبي : “ومَن حدّثك عن وجود عدل يا كامو، حتى يأتي الفرح؟!” وها الأيامُ تُثبتُ لي أن كامو كان على حق، وأن الفرحَ يُباغت ويزور، بين الحين والحين، وسطَ شلالات الحَزَن التي تنهمرُ كل نهار فوق رأس العالم.
ومن طبيعتي أن أستنشق عبيرَ "لحظات الفرح" حتى منتهاه، غيرَ عابئة بمن وهبوا أعمارهم ونذروا جهودهم لإفساد لحظات الفرح على الناس وإحباط أعمالهم. لماذا هناك بشرٌ هكذا؟ لستُ أدري! ربما لأن أجهزة الفرح داخل أولئك التعساء معطلّةٌ، ولا يعملون على إصلاحها. وربما لأنهم يستكثرون على الآخرين أن يفرحوا. إنهم يقولون، ماذا يقولون؟ دعهم يقولون! ولنفرح. أنا فرِحَة. والأسوياءُ فرحون. ليس من أجل حقّ بسيط “استردته” شقيقتي المرأةُ السعودية، بل من أجلي أنا أيضًا. كيف ولماذا؟ أنا فرحة لأنني عاصرتُ حقًّا غاب، ثم عاصرتُ عودة ذلك الحق. صحيحٌ أنني لم أشهد لحظة غياب ذلك الحق، لكنني عاصرتُ وعاينتُ وكنتُ شاهدةً على لحظة عودته لأصحابه. فكيف لا أفرح؟!
سألني سائلُ على صفحتي: لماذا تقولين (استعادت” حقًّا)؟ إنه حقٌّ جديد نالته المرأةُ السعودية لأول مرة في تاريخها؛ فكيف استعادت ما لم يكن لها؟” وأجيبُ سائلي: “أقول (استعادته) لأنه في الأصل كان لها. فليس هناك، عَقَديًّا ولا منطقيًّا، ما يمنع امرأةً من أن تقود سيارتها بنفسها، بينما شقيقاتُها، في سائر بلدان العالم، يخترعن ويبتكرن ويقُدن الطائرات والصواريخ والبوارج الحربية، ويغزون الفضاء، ولم يمنعهن مانعٌ. إنما هو طوال الوقت حقٌّ أصيل للمرأة السعودية، سرقه منها رجالٌ يزعمون الورع، وما هم ورعون، ضمائرُهم مطاطةٌ تؤلف وتفتي وتُشرِّع وتحلّل وتُحرّم وفق الهوى والنوازع والمصالح. حتى جاء ملكٌ مستنير، ووليُّ عهد مستنير، “أعاد للمرأة السعودية ”ما سُرق منها" دهورًا.
أنا اليومَ مشغولةٌ بلحظة الفرح من أجل عيون شقيقتي الحجازية التي استعادت أحد حقوقها الكريمة. لهذا لن أعبأ بمن أطلقتُ عليهم: “كدابين الزفة” الذين يجيدون تشويه لحظات الفرح. أولئك الذين حذرتُهم على صفحتي من إفساد فرحتنا في خانات التعليقات على تغريدتي التي هنأتُ فيها كل صديقاتي الأديبات السعوديات بما حصدن اليوم من مكتسبات حقوقية طال انتظارُها. حذفنا من صفحتنا كل التعليقات السمجة التي سخرت من ذلك القرار التاريخي للملك سلمان، وسخرت من فرحتنا بحقٍّ للحجازية، نالته كلُّ النساء العربيات منذ عقود طوال، وتأخرت السعودية عن ركبها. حذفتُ تعليقاتهم لأنني رأيتُها خارجةً عن سياق الأخلاق والتحضر والجمال، بل والعقل أيضا.
أولئك الُمعلقون لم ينتبهوا إلى أن لكل مجتمع طبائعَه وأعرافه وخصائصه. فأن يأتي صانعُ قرار ويكسر الصندوقَ أخيرًا، ويُلقي عرض الحائط بتُرّهات مرتزقة الفتاوى وتخاريف ترزية التشاريع، فذلك يُحسب له ولعهده؛ وعلى التاريخ أن يقفَ ويُسجّلَ ويدوّن ويُحيّي.
أما ترزجية الفتاوى، مثل أخينا الذي ظل حتى الأمس يصرخ قائلا إن في قيادة المرأة لسيارتها مروقًا ومفاسدَ وشذوذًا وذنوبًا وآثاما وخطايا، ثم إذا به اليومَ، بعد قرار الملك، يهتفُ بأن ذلك حقٌّ أصيل للمرأة، لأن الإباحةَ هي الأصل! فلن أعلّق عليه بأكثر من ابتسامة إشفاق، ليس عليه ولا على ذمّته المطاطية وضميره "ألأستيك منّه فيه"، إنما إشفاقي على مَن مازالوا يصدقونه ويتبعونه ويصدقون أشباهَه ويتبعون! كذلك الشيخ العبقري مُدّعي الفقه والطب معًا(!)، الذي قال بالأمس إن قيادة المرأة للسيارة تعطّل الإنجابَ وتسبب العقم وتُفسد مبايضَ المرأة، ثم قفز اليومَ على المنبر ليرحّب بقرار الملك ويبارك قيادة المرأة لسيارتها لأن فيها منافع لها، فلن يستحق مني حتى ابتسامة الشفقة تلك، بل أدعو الله تعالى أن يعينه على سخريات العالمين عليه.
صديقاتي السعوديات الجميلات، طوبى لكنّ ما حصدتنّ من تكريم أرضي مستحقٍّ؛ وإن تأخر، بعدما كرّمكن اللهُ تعالى من قديم أزل، حين كرّم المرأة وجعلها أمًّا تحملُ الأجنّة الذين يصيرون قادةَ العالم.