الفساد الأخلاقي



عبد اللطيف بن سالم
2017 / 10 / 10

الفساد الأخلاقي
لماذا يكثر اليوم ما يسمى بالفساد الأخلاقي؟ وهل من تحديد لمفهومه؟
يقول"جان جاك روسو" في كتابه " أميل" أو"مقتضيات التربية":إن كل مايحدث في الطبيعة طبيعي،فلماذا يسمى فسادا إذن ما يحدث بين الذكر و الأنثى من بني البشر من التجاذب و التقارب و المحبة؟ أليس ما يُسمى فسادا حقا هو ذلك المضر بالطبيعة أو هو السلوك البشري غير العادي والمنافي بالفعل للأخلاق العامّة؟لكن من منا اليوم بقادر حقا على التمييز بين السلوك العادي و غير العادي؟و من منا اليوم بقادر حقا على التمييز بين الأخلاق الحميدة و غير الحميدة و قد اختلت جميع الموازين و اهتزت الكثير من المبادئ في المجتمعات المعاصرة بفعل تداخل الثقافات و انتشار هذه العولمة ؟
إن الكثير من الشباب اليوم يؤمن في قرارة نفسه بأن التحرش الجنسي أمر عادي و طبيعي جدا و ليس من حق أي كان في إدانته ، أليس وجود نوعين مختلفين في الجنس بين الحيوان أو بين البشر كان لهذا الغرض، لغرض التقارب و التفاعل؟ كما يعتقد الكثير من الشباب اليوم أيضا بأن الأجيال السابقة هي التي أفسدت عليهم حياتهم العادية بما جلبت إليهم من الأوامر و النواهي التحليلية منها و التحريمية و بالتالي فإن ما يُعتبر فسادا منذ زمن طويل هو في نظرهم اليوم في غاية الصواب و الطبيعيّة إذا ما حبيناه فقط بقليل من التهذيب والأدب كي لا يُفضي في الأخير إلى نوع من الاختلاف الحاد بين الأجيال أو إلى التصادم و بالتالي فما علينا إلا مراجعة أخلاقنا دوما في هذا الزمن حتى تستقيم على الطريقة الحديثة و نخفف ما بين الأجيال المتعاقبة من الصراع و التوتر.
وللملاحظة لماذا لا نزال نُقيد كل أخلاقياتنا بعُقدة الجنس هذه؟ يبدو أننا لو نستطيع التحرر منها نتحررُ أيضا من كل ما نعتبره أخلاقا فاسدة و نلتقي بأخلاق كل العالم المتحرر من قبلنا من ربقة تلك التقاليد و المواضعات البالية القائمة على هذا الجنس المحرّم عندنا تارة و المحلل تارة أخرى و الذي هو في رأيي السبب المباشر في عقمنا الحضاري كله لأكثر من أربعة عشر قرنا من العمر لأننا جعلناه مركز اهتمامنا كله طيلة هذه المدة وكانت كل معارفنا وثقافاتنا مقيدة به . هو صحيح أن كل سلوك البشر كما يرى سيقموند فرويد متأثر بهذه الغريزة الجنسية ( الليبيدو) كما يسميها فريد لكن نحن بشر نتميز عن الحيوان بالعقل وبهذا العقل نتحكم في سلوكنا ونوجهه بإرادتنا في ما ينفعنا ويُصلح حالنا لأنه على قدر ما نكون خاضعين في سلوكنا إلى هذه الغريزة على قدر ما نكون مستسلمين لحيوانيتنا ومتخلفين عن ركب الحضارة المتقدم كثيرا وكثيرا عنا .
لكن ما دليلنا على صحة ما نقوله في هذه الآونة؟ يكفي أن نستقرئ تاريخ الزواج في بلداننا العربية و نتعرّف على مدى نجاحه من عدمه و ما يجري فيه مما يسمى عادة بالخيانة الزوجية وما يُعرض منه من القضايا على المحاكم وما يتحقق فيه من حالات طلاق تصل في تونس وحدها إلى أكثر من تسعة آلاف حالة في السنة كما جاء ذلك في متابعات جريدة الصريح التونسية ليوم الأربعاء 11 مارس من سنة 2015 حتى نتأكد بالفعل من صحة و سلامة هذا التصور و من صحة و سلامة تلك الخواطر الشبابية المتناقضة عادة مع رؤى الأجيال السابقة أم أنه لابد من أن تصير أحاسيسنا و عواطفنا و جنسنا أيضا تُباع و تُشترى في السوق كأي بضاعة ؟ أين إذن إنسانيتنا المميزة لنا عن الحيوان الأعجم؟ و لسنا في هذه الكلمة القصيرة في حاجة إلى البحث في الأسباب الاجتماعية و الاقتصادية و النفسية لظاهرة الطلاق هذه بقدر ما نحن في حاجة أكثر إلى فهم ما صار يعتمل في نفوس الشباب اليوم نتيجة لهذا الفشل المتفاقم في العلاقات الزوجية وما صار يترسخ في عقلية المجتمع (الشباب منه بالخصوص) من الإحساس بالخيبة وضعف الأمل و اللامبالاة بهذه العلاقة فمن كان منهم (على أدب) انكفأ على نفسه و اكتفى بالحزن و الكآبة و الصبر على المكاره أو لجأ إلى تصريف أموره عن طريق الشذوذ الجنسي بمختلف أشكاله و ألوانه و من كان منهم على إدراك بمقتضيات هذا الواقع دون اعتبار لآدابه و أخلاقه لجأ إلى التكيف مع هذا الوضع بما يبرره له قولهم من أن "الضرورات تبيح المحظورات" و انخرط في ما يمكن تسميته بالموبقات والمفاسد العديدة وفي أية حالة من الحالتين يجد الشاب نفسه في حالة انبتات دائم .