د مباركة بلحسن : علاقة المرأة والرجل في المجتمع الحساني علاقة بلا عنف



محمد عبيدو
2017 / 10 / 16

د مباركة بلحسن , مختصة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وهي أستاذة في جامعة وهران نشرت دراسات مهمة حول مجتمعات المغرب العربي وخصوصا المجتمع الحساني المتواجد سكانه عبر خريطة اربع دول افريقية
وهوما تطرقت له في حوارها:
1- ثقافة تقاليد وعادات الحسانيين كيف تتقاطع وتتمازج فيها الحالات العربية والامازيغية ؟
- الثقافة الحسانية هي مزيج من الثقافة العربية الإسلامية الأمازيغية والافريقية، هذا التمازج الذي يمكن للباحث الأنثروبولوجي أن يلمسه من خلال ثقافة الأكل والملبس والألوان المهيمنة والطقوس التأسيسية والانتقالية ( كطقوس الميلاد، الختان، الزواج والموت). وحتى من خلال الطوبونوميا حيث من المعروف على القبائل الحسانية أنها من أصول عربية، لكن يمكننا أن نجد مسميات الأماكن التي يعيشون بها تحمل طابعا أمازيغيا، بالإضافة إلى مسميات الأدوات المنزلية وأسماء بعض القبائل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تعايش هذه القبائل مع القبائل الأمازيغية.
2- ما الذي يميز المجتمع الحساني عن المجتمعات المحيطة به وما هي مساحة تواجده الجغرافي
- ما يميز المجتمع الحساني هو الخصوصية الثقافية أساسا، وهي مجموعات تتميز بثقافة خاصة في الملبس واللغة والطقوس والعادات والتقاليد والموقع الجغرافي والنظام الاجتماعي بشكل عام، وتتواجد هذه المجموعات في كل من الجنوب الغربي الجزائري (وهي المجموعة التي اشتغلت عليها بشكل خاص)، موريتانيا، الصحراء الغربية والمغرب الأقصى لكن تعتبر موريتانيا هي مركز الثقافة الحسانية.
3- لاي درجة المجتمع الحساني منغلق امام التحولات المجتمعية التي اتت بها التكنولوجيا
- لا يمكن أن نتحدث في الوقت الراهن عن مجتمعات منغلقة بشكل مطلق في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية بحكم هيمنة التكنولوجيات الجديدة، لكن يبقى المجتمع الحساني من المجتمعات التي تقاوم التغيرات والتحولات الاجتماعية والثقافية من خلال التمسك ببعض الطقوس والممارسات الثقافية والتي تمثل، حسب المعتقد، معلم الثقافة الحسانية، وهذا من خلال تنشئة الأبناء على التشبث بالهوية الحسانية وترغيبهم في الزواج بالأقارب ومنعهم من الزواج الخارجي .
4- تركزين في أبحاثك المنشورة على قضية العنف ضد النساء بالمجتمع ما الذي يميز وضع المرأة في المجتمع الحساني وحقيقة عدم تعرضها إلى أي نوع من العنف من طرف افراد مجتمعها.
- لم أركز كثيرا على العنف ضد المرأة بل حاولت أن افهم علاقة المرأة والرجل في المجتمع الحساني لأنني أرى فيها علاقة بلا عنف، فمثلا من خلال البحوث الميدانية التي قمت بها مع عدة حالات من النساء الحسانيات، حيث ركزت على الحياة الجنسية والحميمية وما تحملها من رمزية ودلالة لمكانتهن داخل مجتمعهن، أن المرأة الحسّانية لا ترى أن محدودية تحقيق رغباتها ومتعتها راجع إلى الدور السلبي للرجل، بل تربط ذلك بوضع طبيعي عام خاص بالمجتمع والعادات والتقاليد، حتى أنها تذهب إلى حد التعبير ليس فقط عن آلامها بل كذلك عن معاناة الرجل في حالة وجود نوع من الحواجز دون تحقيق متعة زوجته الجنسية معتبرة أنه هو نفسه جزء من هذا الوضع وضحية له أحيانا، أي أنه جزء من لعبة سلطة داخل العلاقات الإجتماعية المتعددة.
تعتبر ظاهرة العنف ضد النساء من أكثر الظواهر انتشارا في كل المجتمعات، لكنها تتفاوت من مجتمع لأخر حسب الخصوصية الثقافية والنظام الاجتماعي لكل مجتمع، بالنسبة للمرأة الحسانية فالوضع خاص ومميز لماذا ؟
أولا : ساهمت بعض العادات والممارسات الثقافية والاجتماعية في ترسيخ مكانة وسلطة معتبرة للمرأة داخل مجتمعها، من أهم هذه الممارسات، والتي حسب رأينا لعبت الدور الأساس، بقاء الفتاة المتزوجة مع أو بالقرب من عائلتها الأم، بينما الرجل المتزوج هو من يغادر بيت عائلته الأم، وهذا من شانه أن يخفف الضغط على المرأة المتزوجة إذا ما قارناه بالمجتمعات التي تفرض على المتزوجة العيش مع عائلة الزوج وما ينجر عليها من مشاكل قد تؤثر على مكانتها ووزنها داخل عائلتها الجديدة. لكن هذه العادة تكاد تندثر الآن عند معظم القبائل الحسانية واستبدلت بعادة جديدة ترمز لها وهي بقاء الفتاة المتزوجة مع عائلتها الأم، بعد زواجها، لفترة تتفاوت حسب العائلات لكن في نهاية الأمر يلزم عليها الانتقال الى بيت زوجها، نجد هذه العادة مثلا عند قبيلة "الرقيبات" بتندوف أقصى الجنوب الغربي الجزائري.
ثانيا : هناك عادة أخرى كانت تمارس من قبل لكنها بدأت بالاندثار، وهي احتفال المطلقة الحسانية برجوعها إلى بيت أهلها بعد انتهاء عدة الطلاق، وذلك لتخفيف الضغط النفسي الذي ممكن ان تعاني منه المطلقة في مجتمعات أخرى. إن الاحتفال برجوع المطلقة إلى بيت أهلها يجعلها تحافظ على مكانتها داخل مجتمعها ولا تتحمل عبء فشل زواجها لوحدها.
ثالثا : منع ضرب المرأة من طرف زوجها تحت أي ظرف.
5- مكانة المرأة في المجتمع الحساني الى أي درجة تمنحها سلطة حقيقية ؟
تعتبر مجتمعاتنا العربية والإسلامية مجتمعات ذكورية بشكل عام، لذلك لا يمكن أن نجد سلطة حقيقية للمرأة، لكن ممكن أن نجد اختلاف في المكانة والسلطة الأنثوية من مجتمع لآخر، وإذا ما قارنا وضع المرأة الحسانية بوضع النساء في مجتمعات أخرى، فإنها تملك مكانة معتبرة في مجتمعها بشكل عام، وسلطة حقيقية في بيتها بشكل خاص. ويصل الباحث في أوضاع المرأة في المجتمع الحسّاني إلى اقتناع أنّ المكانة المتميزة التي تحتلها المرأة في وسطها تمنحها سلطة حقيقية وتجعلها تطمح إلى تحقيق ذاتها رغم شعورها بنوع من القمع والحرمان في حياتها الجنسية، ولا يتناقض هذا مع تواجدها القوي جسدا وهوية ورمزا في مختلف مستويات الحياة الاجتماعية. وهي تسعى إلى المزيد من المعرفة فيما يتعلق بالذات وبالآخر لأن هذه المعرفة أصبحت ضرورية لاكتساب الفرد استقلالية تمكنه من تحقيق رغباته المختلفة والمتباينة ضمن مقتضيات المجموعة التي ينتمي إليها.