زواج القاصرات الاصل الديني القراني



حسين سميسم
2017 / 11 / 12


الحلقة الثانية
ان كل من افتى بزواج القاصرات اعتمد على تفاسير من سبقه من فقهاء ومفسرين لا على اجتهاده الخاص المستند الى جمع القرائن والدلائل ، فاصبح تفسير الطبري والزمخشري وابن كثير والقمي- مثلا وما نتج عنهم -حاكما على النص القرآني نفسه ، وكانت تلك التفاسير هي المرجعية الاصلية للافتاء وليس النص القرآني . ولعبت ذكورية المفسرين الاوائل واللاحقين عاملا اساسيا في فهم النص متأثرين بالظروف الثقافية والنفسية التي عاشوا فيها وكانت حاكمة عليهم . وسنرى ان هذا الامر كان حاضرا في كل بنود فقه النساء من زواج وطلاق ونشوز ونفقة وارث... الخ .
ففتوى بن باز لاتشابه فتوى محمد حسين فضل الله والاخير يخالف اراء من سبقه . وقد افتى الشافعي بعد انتقاله الى مصر بغير ما افتى به في العراق لان الظروف المكانية قد اختلفت ، وهذه المسألة معروفه بين اوساط الفقهاء ، وعبروا عنها باختلاف الفتيا في الزمان والمكان ، ووضعوا لها قواعد في حل التناقض بين النصوص والاراء المختلفة . وقد اختلف الفقهاء من المعاصرين خاصة في قضية زواج القاصرات بعد ان رأوا عدم منطقيتها وعدم تناسبها مع الظروف الثقافية والحضارية العامة ، وشككوا بصحة تفاسير من سبقهم لانها كانت في الاصل ظنية ولم تتناول الموضوعة من كل جوانبها ، فلم يجتهد المفسر بها ولم يتعب نفسه في مقارنة الايات التي غطت موضوعة النكاح ، ولم اجد اي دافع ادى بالمفسرين الى هذه الورطة التفسيرية سوى ذكوريتهم الغريبة ونظرتهم القاصرة الى المرأة .
لقد بحثت في كل ايات المصحف والاشارات الدالة على النكاح فيه فلم اجد اي نص قرآني يبيح الزواج من قاصرة او من طفلة بلغت تسع سنين ، ويذهب الفقهاء الى اية واحدة فقط ليبرروا ما افتوا به وهي الاية الرابعة من سورة الطلاق التي تقول ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا ) . ان القسم الاول من الاية مفهوم ويخص المطلقات ممن يئسن من المحيض وهن مجموعة معروفة من النساء تبلغ عدتهن ثلاثة اشهر. اما القسم الثالث فهو يخص أولات الاحمال اللاتي طلقن ولم يولدن بعد ، وهن مجموعة واضحة ايضا حيث تنتهي عدتهن بولادتهن . اما القسم الثاني المعطوف على القسم الاول من الاية ( واللائي لم يحضن ) والذي يحدد العدة بثلاثة أشهر ايضا فانني ساتناوله بالنقاش شرحا وتفسيرا واعتبره موطن المشكلة ، فقد قال المفسرون بان الله عنى في هذه الاية الصغيرات اللاتي لم يبغلن ولم يحضن بعد ، وهذا ما اخالفهم عليه .
ان من يذهب الى جميع التفاسير يجد ان المفسر لم يشرح هذا النص ، واكتفى بالقول ان الله يشير به الى البنات الصغيرات ، كما لم يبن المفسر مناسبة وجود هذا النص في سورة الطلاق ( لماذا في سورة الطلاق؟) . اننا لو قرأنا النص هكذا لاعتقدنا وجود نص سابق في ايات النكاح يبيح الزواج من الصغيرات ، لان الطلاق لايحدث مع عدم وجود الزواج ، وهذا النص غير موجود في طول القرآن وعرضه ، فكيف يشرع المشرع عمر الطلاق ولم يشرع عمر الزواج ؟ . ان المفسرين اتخذوا عمر الطلاق وعدته حجة على عمر الزواج وهذا ليس من النص بل من عندهم ، فتورطوا ورطة شرعية !!!!. سأوضح جوانبها كما يلي :
-- بدأ المفسر بقراءة النص وقرر ان من لم يحضن هن الصغيرات بالمطلق . ولكي يقرر المفسر شيئا استعان بمصدر من خارج القران حيث ذهب الى الروايات غير الموثوقة عقلا فوثقها اولا ، وحدد عمر البلوغ بأول حيضة استنادا الى روايات غير معقولة ( ساناقش عدم موثوقيتها في الاصل الروائي) مثل زواج النبي من عائشة . -- عاد المفسر وقرأ نص الاية مرة اخرى فوجد مصيبة ثانية وهي ان الاية تقول: واللائي لم يحضن فان عدتهن ثلاثة أشهر !!! . ووجد ان النص يتكلم عن قاصرة -حسب فهمه - ذات سنين تسعة وقد طلقت ، ويعني هذا ان الزواج حدث قبل ان تبلغ البنت سن المحيض حسب النص القرآني !!!، والادهى من ذلك انه تم الدخول بها قبل سن المحيض ، فكيف ينص القرآن بان عدتهن ثلاثة شهور وهن لم يمسسن ؟ بخلاف النص القراني المذكور في سورة الاحزاب 49 .
. -- على اساس الحقائق السابقة رتب المفسر فتواه وخرج على الملأ قائلا : ان الله يقول بأن عمر الزواج يبدأ من عمر الولادة الى عمر اول حيضة ، لان الله لم يحدد الفترة التي تسبق عمر المحيض ، فانها مفتوحة ولا يستطيع المفسر ان يحددها بسنة او سنتين فذهب الى انها تبدأ من عمر الرضاعة وتنتهي بعد اول حيضة ، وقال البعض ( من عنده ) بأنها تبدأ بعدما تنفصل البنت من امها رضاعة (عمر الفطام ) محددا ذلك بنص قرآني يقول ( والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة )( البقرة 233) او ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا )( الاحقاف15) .
-- لقد ترتب على النتيجة السابقة : ان الرجل يجوز له ان يتزوج من الرضيعة ، وذلك باب فقهي معروف وموجود عند السنة والشيعة ، فاذا تزوج الرجل واعطى المهر فان حقوقه الزوجية تجري على الزوجة ، وبما ان المفسر (ذكرٌ) فانه لايفكر الا بحقوق الزوج الجنسية ، لان الزواج حسب هذا المنطق هو مهر مقابل بضعة ولذة ، لذلك افتى الفقهاء بجواز التلذذ بالرضيعة جنسيا بل ومفاخذتها !!! .
-- رجع المفسر للنص مرة اخرى ووجد ان ما افتى به سابقا يتناقض مع ماافتى به في هذا المورد ، فالنص يبيح الزواج والدخول قبل المحيض ، والنبي دخل بعائشة عن عمر يبلغ تسع سنين ، فكيف يخرج المفسر من هذه الوحلة ؟ فدار رأسه وداخ وتوصل بعد تفكير عميق الى جواز الدخول بعد بلوغ البنت عمر التكليف الشرعي الذي يحدد بالعلامة الاولى لهذا البلوغ وهو سن المحيض مستندا في فتواه على الرواية التي نقلها شخص ولد في السنة 23 للهجرة ، وعلى اساس ذلك فانه يفتي بالزواج من البنت اعتبارا من عمر الولادة لغاية اول حيضة ثم يسمح له بالدخول بعدها . فتوصل المفسر الى نتيجة غريبة لاتفعلها حتى البهائم هو ان الطفلة الصغيرة اصبحت زوجة ، وهذه الحالة تسمح للزوج بكل الملاعبات الجنسية عدا الدخول معتمدا على النص القرآني( اللائي لم يحضن ) .
لقد مسح المفسر في نهاية جهده واجتهاده جبهته من العرق المتصبب منها بخرقة ثم قرر وقال لا اجتهاد في النص !!.
اننا لو نظرنا الى النص نجد ان المفسرين ذهبوا بعيدا ولم يتقيدوا بالمنطق ولا بالعقل ولم يحاولوا التراجع عن متناقضاتهم ولم يأخذوا بنظر الاعتبار الايات القرانية الاخرى التي تخالف تفسيراتهم ، فسياق الاية وارد في سورة الطلاق ( ترتيبها في المصحف الحالي 65 وفي تاريخ النزول 99 ) ، والطلاق كما قلنا يتم بعد الزواج وليس قبله ، فقد توصلوا الى نتيجة عوجاء ومعكوسة وهو انهم حددوا عمر الزواج على اساس عمر الطلاق ، وانساق عقلهم في هذا الاتجاه .
ولو قرأنا نص الاية بشكل واعي عقلائي فاننا نجد ان الاية تتكلم عن النساء المطلقات المتزوجات من قبل والائي تاخر حيضهن لاسباب كثيرة منها الرضاعة وليس الصغيرات ، ويعني ذلك حالة واضحة محددة هي : ان امرأة تزوجت ووضعت وليدها وكانت ترضعه فحدث خلال هذه الفترة الطلاق ، ان القران يجيب عن ذلك بانه لو تاخر الحيض بسبب الرضاعة او بسبب مرض ما فان عدة هذه المرأة هي ثلاثة اشهر بعد الطلاق . والنص بهذا التفسير لا يعني البنات القاصرات اللائي لم يحضن بعد بل النساء المتزوجات المرضعات اللائي تاخر حيضهن لهذا السبب او لسبب اخر . ان هذا الخطأ كلف الامة الكثير واخرج المسلمين من دائرة حقوق الانسان ومن الحضارة ومن المنطق والعقل .
لقد حاول ابن عباس تفسير هذا التناقض بالقول بان اية الطلاق منسوخة باية الاحزاب رقم 49 التي تقول ( ياايها الذين امنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) وسورة الاحزاب ترتيبها في المصحف 33 اما ترتيبها حسب تاريخ النزول فانه 90 وهو خطأ ايضا منه لان الاية المتقدمة لايمكنها ان تنسخ اللاحقة ، وحاول كذلك تفسير الزواج من القاصرة التي لم يمسها احد جنسيا لتبرير تفخيذ الرضيعة لكن ظاهر الاية يتكلم عن المؤمنات ( المكلفات شرعيا) وهن النساء وليس القاصرات اللائي لم يبلغن سن التكليف الشرعي .
ان القران بمجمله عندما يتكلم عن الزواج فانه يتكلم عن النساء ولم يتكلم عن البنات القاصرات مطلقا ، فقد ذكر القرآن النساء في 25 آية لاتوجد بينها اية اشارة للبنات الصغيرات . وان كان ماذهب اليه المفسر حقا لماذا لم يصرح النص القرآني بذلك؟. لقد نص المصحف في اية اخرى عكس ماذهب اليه المفسرون حيث قال ( وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم ولا تاكلوها اسرافا ... )( النساء5) ،( ترتيب هذه السورة 4 حسب المصحف وترتيبها حسب النزول 92 حسب الزهري ، و100 حسب نولدكة و102 حسب بلاشير ) . ومن يتمعن في هذه الاية يجد ان النص القرآني اشار الى بلوغ سن النكاح المرتبط بالرشد ، كما اشار النص الى مسألة مهمة حيث قال : فان انستم منهم رشدا ، لاحظوا كلمة (اليتامى ... منهم) التي تشير الى الرجل البالغ والمراة البالغة سن الرشد وليس الرجال فقط حيث ربط النص بين البلوغ والرشد ، وسن البلوغ عند الرجل هو 15والرشد 18 وبما انهما مشتركان في ( منهم ) فان مايصح على الذكر يصح على الانثى ، وبذلك اقول صدق عبد الكريم قاسم وكذب الطبري .
لقد ربط السيد السيستاني في اماكن عدة بين البلوغ والرشد ( انظر الرسائل المنتخبة مسالة 969و 970) . كما قارن السيد كمال الحيدري اهمية النكاح على دفع المال المذكور في الاية اعلاه ، فقال ان مسؤولية النكاح اكبر من مسؤولية المال لان في ذلك تكوين اسرة ومسؤولية كبيرة لان المال هو مسالة جزئية والزواج مسؤولية اكبر . لقد افتى الفقهاء بشكل مختلف في تحديد عمر الزواج فمنهم من قال 9 ومنهم 13 وقال اخرون 14 او 15وسكت الكثير عن ما حددته الدولة ب18 ، فان كانت المسالة بشرية وتعتمد على المصلحة العامة في تكوين اسرة فلماذا لا نرجع في هذه القضية الى المختصين من علماء الاجتماع والنفس والطب ليبتوا فيها؟ ختاما اقول ان نصوص المصحف بريئة عما ذهب اليه المفسرون .
- انظر فديو زواج القاصرات للسيد كمال الحيدري