#MeToo



نادية خلوف
2017 / 11 / 19

التحرش الجنسي الذي يقضّ مضاجع الرّجال في العالم المتقدم، والذي أطاح برؤوس كبيرة استقالة، أو هجرة، وأحياناً انتحاراً. قد لا يعني سوى بعض النخب من الرّجال في عالمنا العربي الذين يتحدثون عن الحملة، وربما يكونون هم من التحرشين أساساً، لكن يرغبون بالظهور بمظهر العصر.
إذا كانت وزيرة سويدية تقول ضمن حملة أنا أيضاً، بأن أحد أعضاء البرلمان الأوروبي وضع يده على فخذها خلال الاجتماع، وإذا كانت محامية تشكو من تحرش القاضي، وإذا كانت مضيفة تشرح صعوبات عملها، وأنها غير مسموح لها بالظهور على الميديا كجزء من عقد العمل، وأن عملها يقيّم سنوياً، وأنها مجبرة على قبول التحرش من الكابتن، أو بعض ضيوفه من السياسيين.
ماذا نقول نحن؟
ربما لو كانت حملتنا" نحن أيضاً " بدلاً من أنا أيضاً لكان الأمر أسلم. نحن العرب، لكنّني أخصّ بكلمة نحن السوريين الذين دخلت تفاصيل حياة بعضهم من خلال عملي السياسي، أو المهني.
بإمكاننا أن نقول أن في سورية عالمان. عالم السلطة الأمنية وتوابعها، وعالم المجتمع، والذي في أغلبه فقير حيث ان هناك قرى وأرياف فقيرة بالكامل، وهناك ثراء طفيلي فاحش.
التّحرش في سورية هو قيمة مجتمعيّة عند النخب في المجتمع الأوّل أي عالم السّلطة وتوابعها، فقد كانت على سبيل المثال إحدى المحاميات تحدثني كيف أتى- " أبو جاسم" محمد منصورة ضابط الأمن السياسي في القامشلي- والذي يقال أنه انتحر أخيراً برميه من علوّ شاهق- إلى بيتها في السّاعة الواحدة بعد منتصف رأس السنة، وقبّل يد أمها منادياً لها بماما، وإلى آخر ما هنالك من افتخار بالتحرش حيث ذهبوا بعدها في زيارة الأقارب، وأجلس حارس أبو جاسم إحدى موجهات المدرسة في حضنه.
هذا هو المجتمع الرّاقي، وفي إحدى المرات، وكان زوجي قد استلم دعوى فلاحين ضد مالك من أرياف الجزيرة ، لكن الأجهزة لا ترغب بذلك فهددوه بالسجن، أتى إليّ أحد أقارب زوجي، وقال لو أنك تدعين أبو جاسم إلى عشاء لأصبح الوضع أفضل، أرعبني كلامه، ولم أنم لعدة ليال، لكنّني أجبته. إنك تعرف مكتب زوجي. هو في المكتب، لا أحد يدخل بيتي، وعندما أقفلت بابي. شعرت أنّني من ممكن أن أنتهك في كلّ لحظة.
عندما تتقدم الفتاة لوظيفة أمنية كمضيفة مثلاً، وهي وظيفة مرتبطة بالأمن الجنائي، فحتى تقبل لابد أن تقدّم تحرشاً ما، وتسكت.
ابنتي الحائزة على ماجستير آداب، وهي كاتبة وصحافية تستشهد بإحدى صديقاتها التي كان يضربها بعض الحزبيين والأمنيين تودداً على قفاها، وعلى الملأ، والتي هي حالياً قامة كبيرة من قامات الثورة، وكلماتها تدور على الفضائيات، وتقول لي ابنتي: ماذا استفدنا من القيم؟
نحن متاحات فإن قرّر ذو سلطة ما في الدولة أو من المليشيا اغتصاب أيّاً منا للذنا بالصمت وكتبنا عن القيم.
تلك القيم في مجتمع السلطة هي قيم المجتمع الفقير التي يقبلها لهم ويرفضها له، ففي الأحياء الفقيرة حيث زنا المحارم، والتحرش الغير محسوب بسبب ظروف الحياة يتبعه قتل لغسل الشرف، وعندما تغادر الأنثى بيئتها الفقيرة إلى بيئة أقل فقراً تتستر على أمورها علّها تكسر دائرة الفقر. في الأحياء الفقيرة والعشوائيات هناك زنى المحارم، وبيوت منتهكة بالكامل.
أما عن القانون، فهو من مشجعي التحرش، ويكافأ المغتصب مثلاً بالزواج من الضحية لو أراد ويعفى من العقوبة، وتقبل به الضحية، وقد يتحدثان عن حبهما على الفيس.
تلك البيوت المتاحة، والتي تنتهك فيها حرمة النساء، فإن حرمة الرّجال منتهكة فيها أيضاً ، فالمجتمع الفقير يتساوى فيه الجنسان، ويذل الرجل عندما تنتهك أسرته، ويصبح عبداً، والحديث يطول، للحديث بقيّة.