كتب اثرت فى حياتى زينب والعرش



مارينا سوريال
2018 / 1 / 10

من أهم الروايات العربية التى ذكرت ختان البنات رواية الكاتب الرائع فتحى غانم «زينب والعرش» التى تم فيها ختان زينب بطلة الرواية بعد صراع ورفض من الجدة التركية دودو هانم وإصرار من الأم خديجة ذات الأصول الريفية، ولكن قانون الأخلاق المزيفة كان هو الأعلى صوتاً، وموس أم إسماعيل هو الذى وضع نقطة نهاية السطر، وتم ختان زينب.

ويحكى فتحى غانم عن زينب بعد ختانها بيوم قائلاً: «لما رأت دودو هانم زينب منفرجة الساقين منكسرة الرأس، طلبت منها أن تتقدم إليها، ولكن زينب وقفت حائرة، وضحكت خديجة وقالت إنها مكسوفة، وكان السرور يلمع فى عينى خديجة التى حاولت أن تنقل سرورها إلى حماتها، فجعلت تقول لها إنها الخير والبركة فى البيت، ولم تفعل ما فعلت إلا ليقينها أن أنوثة زينب لن تكتمل إلا بالختان، وهى لن تتزوج تركياً، ولكن زوجها سيكون مصرياً، وهو لن يرضى بزوجة بغير ختان، وجعلت خديجة تثرثر بحكايات عن رجال اكتشفوا أن زوجاتهن بغير ختان، فكانوا يطلقونهن.
خالد منتصر
هذه الشخصيات موجودة فى المجتمع المصرى، ولكن ليس بكل حذافيرها أو تصرفاتها، فمثلا لو طبقت وقائع حياة عبد الهادى النجار على وقائع حياة مصطفى أمين كما قيل مثلا ستجد أنها مختلفة تماما، والطريف أننى سمعت أن مصطفى أمين نفسه قد قال :" أنا عبد الهادى النجار"، وقد قال البعض الآخر أننى أقصد هيكل، لاننى اتحدث عن أكبر صحفى فى مصر فى تلك الفترة ، والواقع أننى لا يعنينى هيكل أو مصطفى أمين بالذات، ولكن الذى يعنيى هو رصد الآليات الموجودة، والتى تمثل الصحافة والسللطة فى هذه الفترة، أى أريد أن أقول أنه فى وجود هذه الظروف وهذه السلطة تنشأ علاقة من نوع معين بين السلطة وبين الجهاز الإعلامى والصحفى، أريد أيضا أن أشرح كيف ينجح الإنسان فى الوصول الى قمة الهرم الصحفى، وكيف تكون علاقته مع السلطة، هل هى علاقة قائمة على مبادىء أم هى مغامرة إنتهازية؟ عبد الهادى النجار إذن نموذج لصحفيين كثيرين فى تلك الفترة كانوا يسيرون مع التيار، ولكنه ليس تمثلا إطلاقاـ على الصحفى أن يتحرر تماما من أى تبعية للسلطة ، لأنه شاهد على عصره، أى يدلى بشهادته يوميا أمام محكمة القراء، وبذلك يساهم فى صنع رأى عام مستنير، بما ينقله للقارىء من أخبار ومعلومات صادقة وكاملة، فإذا ما شارك الصحفى فى صياغة الرأى العام، فإنه يقدم السلطة للشعب، إذ أن السلطة فى نهاية الأمر هى أن يكون لديك معلومات صحيحة، فالذى لديه معلومات يستطيع أن يصدر القرار ، ولذلك فإن حرية الصحافة والصحفى عموما هى حرية معلومات، وليست حرية رأى، ولن يحدد الشعب قراره، إلا فى ضوء معلومات صحيحة، أحد مصدرها الصحفى أو الصحافة.

ـ كنت أهرب دائما من استخدام الرمز، لذلك تعجبت كثيرا عندما قيل إن شخصية زينب فى "زينب والعرش" هى رمز لمصر. أنا أعتقد أن الأديب يلجأ الى الرمز عندما تكون لديه فكرة واضحة جدا ومسيطرة ، هنا يستطيع الأديب أن يرقى بفكرته الى مرتبة الرمز، أما بالنسبة لى فعندما تتغلب الفكرة أكتبها فى مقال . الأدب الروائى مرتبط بالحياة، وليست فى الحياة أفكار محددة، وإنما هناك جدل فكرى ، لذلك إذا صوّر الأديب الشخصية على أنها والمبدأ الذى تدافع عنه شىء واحد، تحوّلت هذه الشخصية الى رمز، كما فعل نجيب محفوظ فى "أولاد حارتنا" مثلا.

فتحى غانم " فى حوار صريح مع "اليوم السابع"

عبد الهادي النجار وحسن زيدان ويوسف منصور، هم الصحافيُّون الثلاثة الذين يتشكل بهم مثلث الصراع الدرامي في «زينب والعرش»، وهم يعبرون عن نماذج حقيقية في بلاط صاحبة الجلالة، وأظن أن أستاذنا فتحي غانم قد اختزل في كل شخص منهم عشرات الأسماء من نجوم الصحافة في زمانه، فيمكن أن تلاحظ في شخصية عبد الهادي النجار، رئيس التحرير مثلًا.. ملامح هيكل ومصطفى أمين وكامل الشناوي، وربما تشعر بأن يوسف منصور هو فتحي غانم نفسه أو أحمد بهاء الدين أو إحسان عبد القدوس أو أنيس منصور أو غيرهم من الأصليين عُشَّاق الصحافة الحقيقيين، أما حسن زيدان فهو السواد الأعظم من العاملين بالمهنة، وهو نجمها الدائم وبطلها الأوحد في كل زمان ومكان.

والشخصية المحورية وممثل العرش هو أحمد عبد السلام دياب، الرقيب العسكري الذي برز دوره مع العهد الثوري، والذي تم تكليفه بالهيمنة على صاحبة الجلالة وتسخيرها لخدمة الأهداف النبيلة للثورة، فلم يجد أمامه إلا الأساليب القذرة لتحقيق هذا الهدف، في مفارقة ثورية مستمرة. أما زينب بطلة الرواية، فهي روح الحدوتة ومصدر فتنتها وجمالها، وسر ترابطها وتماسك بنيانها، هي الأرض الطيبة التي جمعت كل القلوب في حبها، واختطفت الجميع بسحرها وجاذبيتها.

وقد شارك فتحي غانم مع رفيق عمره الصحافي الكبير صلاح حافظ في كتابة السيناريو والحوار للمسلسل المأخوذ عن روايته، الذي أخرجه يحيى العلمي عام 1979، وأنتجته الشركة العربية للتلفزيون (شركة خليجية).

وقد حاول فريق العمل بكل السبل تقريب الشبه بين دياب والرئيس السادات، ولهذا أسباب أبرزها أن السادات لعب هذا الدور فعليًّا عندما عُيِّن رئيسًا لمجلس إدارة الجمهورية منذ تأسيسها عام 1953 وحتى 1959، ومن المفارقات أن فتحي غانم قد تولى المنصب نفسه من عام 1966 وحتى عَزَلَه السادات (الذي أصبح رئيسًا للجمهورية كلِّها) بعد قضية مراكز القوى في مايو 1971، وتم منعُهُ من الكتابة الصحافية، فكتب «زينب والعرش» أشهر رواية صَدَرَتْ عن دهاليز وكواليس عالم الصحافة في مصر، كتبها وبداخله أشياء تجاه من عزله.

الرواية والمسلسل ظهرا في السبعينات، ويتحدَّثَا عن عصر ما بعد ثورة يوليو في الخمسينات والستينات وصولًا إلى نكسة يونيو 1967، ويُعَاد عرضُهُ في عام 2017، وبين الأزمنة والعصور لم يتغير شيء سوى اسم المهنة الذي تَحوَّل من الصحافة إلى الإعلام، وبقيت الشخوص نفسها؛ النجار ويوسف وزيدان ودياب.. حتى زينب ما زالت وطنًا يبحث عن هويته وعن إجابات لكل أسئلته المستحيلة، المدهش أن المسلسل يلحّ طوال حلقاته الـ31 على أن الحل الوحيد لكل مشكلات زينب هو التعليم، وهو الحل ذاته الذي تنتظره زينب في كل العصور، ولا تقدر عليه.

وفي الحلقة الأخيرة من المسلسل، التي ترصد حال مصر بعد النكسة، وفي مواجهة قوية بسبب ما وصل إليه محتوى صحيفة «العصر الجديد» التي تدور فيها كل أحداث المسلسل، يجري هذا الحوار الرائع بين بَطَلَي المسلسل العملاق محمود مرسي (عبد الهادي النجار) والمتألق حسن يوسف (يوسف منصور).

يوسف: أنا جي أكلمك أنت يا أستاذ عبد الهادي.. البلد في محنة وأنت تقدر تساعدها.

يوسف: تديها أمل.. تنسِّيها الهزيمة.

النجار: إيه اللي أنا باعمله غير كده.. وإيه اللي ممكن ينسي الناس غير المقالات والأخبار دي اللي مش عاجباك؟!

يوسف: بس ده تخدير للناس.