الوعي النسوي والسياسة



قاسم علي فنجان
2018 / 1 / 15

تعتزل المرأة العمل السياسي لوجود مفهوم ذكوري مترسخ لدى المجتمع, بأن السياسة هي فن يختص به الرجال فقط, وعندما يترسخ ويتجذر مثل مفهوم كهذا داخل المجتمع بشكل عام وعند المرأة بشكل خاص, فأنها تؤكد انعزاليتها, وهنا تعمل الذكورة ليل نهار وبمؤسساتها الاعلامية والتعليمية, لتأبيد هذه الافكار والرؤى, فنظرة المجتمع "الذكوري" للمرأة وهي تتحدث في السياسة, أو تترشح لانتخابات ما, هي نظرة دونية لهذه المرأة, ويقال عنها بأنها اخذت دور الرجل, ان هذه المراقبة لدور المرأة تولد السجن لها وتجعلها بالتالي منعزلة. لقد كتب سلامه موسى بصواب يقول: "ان الرجال يتهمونك بأنك غير ذكية, غير شجاعة, غير بصيرة, لم تتفوقي في الاختراع, ولم تبرزي في العلوم او الفنون, وكل هذه التهم صحيحة, ولكنها صحيحة لأنك تمضين حياتك محبوسة في البيت, ولو قدر لنا نحن الرجال ان نحبس لكنا في هذه الحال التي تتهمين انت فيها".
ان التطور الاقتصادي ينعكس بشكل ايجابي على مشاركة المرأة في المجال السياسي, والتطور الاقتصادي نقصد به تطور الصناعة والزراعة والسياحة ومجالات اخرى, فعندما تخوض المرأة العاملة بنقاش حول الاجور او ساعات العمل او تتحدث عن سياسة الادارة, فانه من الممكن لها ان تكون مؤهلة للمشاركة في الحياة السياسية, لأنها حتما ستنخرط في التجمعات والمظاهرات والاضرابات العمالية, فالحركة العمالية هي جزء اساسي من تطوير الحركة النسوية, ومن تطور الوعي السياسي النسوي.
تعليم المرأة وعملها يعدان اهم ركيزتين في نهضة وتطور وعي المرأة, وان القوانين الجديدة التي يراد تشريعها من زواج القاصرات وغيرها, ما هي الا تعبير عن بقاء الهيمنة الذكورية, فالفتاة بعمر العشر سنوات أو اكثر تترك الدراسة بعد تزويجها, لإبقائها في البيت في خدمة زوجها, ما يرسخ لديها ثقافة الفهم الانثوي "السلبي", وبالتالي تعيش حالة سجن المفاهيم الذكورية المهيمنة, انه الجانب الاخر والمظلم من مثل تشريعات كهذه.
لقد طالب رئيس البرلمان العراقي الاسبق "محمود المشهداني"في يوم ما, وفي احدى الجلسات العلنية, بأن تذهب النساء "البرلمانيات" الى البيت لان الشمس قد غابت, فلا يمكن بقاؤهن الى وقت متأخر, وكان التصويت حول اقرار الموازنة, وقال لهن وبلهجة عراقية: "يله انتن, روحن للبيت, الدنيا ظلّمت, موصدكتن بالديمقراطية"، أو "انتي حرمه مالج دخل بهاي الامور"، ومع حقيقة ان النسوة داخل البرلمان لا يمثلن المرأة في العراق, كباقي اعضاء البرلمان, الا ان المشهداني كان قد عبر عن ذكوريته وهيمنته بالشكل التام وبكل فجاجة, دون تحفظ, ودون ان تعلق عليه احدى نساء البرلمان, أو ينتقده احد, حتى من قوى يسارية معروفة, وكأنه كان لسان حال كل القوى الاسلامية والقومية الرجعية, وهو حقا كان كذلك.
ان هذا الفهم هو نتاج بناء اجتماعي -هي "ناقصة عقل" و"الرجل لا يعيبه شيء ابدا"- وليس وليد اللحظة, يتعزز دائما, وتعمل مؤسسات ليل نهار على تأبيده, انها انتاج واعادة انتاج لعلاقات بدائية وقنونتها, ما يشكل عائقا مؤسفا امام الحركة النسوية للدخول في المجال السياسي, وهذا الفهم ايضا يرسّم لها مكانا معينا لا يمكن لها الخروج منه, وبالتالي تعدم حركتها المطلبية وتشل, وتبقى خاضعة للأفكار والتصورات المهيمنة, وتؤكد اكثر وأكثر انعزاليتها وفصلها عن ما يجب عليها ان تكون, وتلجأ الى الافكار التقليدية عن ماهيتها غير الحقيقية, والتي هي انها "امرأة" بالشكل السلبي.
لكن حتى نتلافى وجود مثل هذه العلاقات البدائية, واعادة انتاجها, من قبل القوى السائدة والمهيمنة, من اسلامية وقومية, فان منطق العمل السياسي يحتم على ممارسيه, ان يكون للمرأة وجود في الساحة, والدفع باتجاه تعليمها منذ المراحل الدراسية المبكرة, والقضاء على كل اشكال الامية بين النساء, وايضا الدفع باتجاه عملها, وفضح كل ما من شأنه اعاقة عملها وعرقلة تعليمها, بقوانين اقل ما يقال عنها انها متخلفة, لن توصل المرأة الى الانطلاقة الحقيقية في الحياة.
ان عزل المرأة عن العمل السياسي يخدم القوى المسيطرة, ويديم هذه السيطرة ويؤبدها, ويجعل من الواقع بديهية, أي الاقرار به, وهو ما يجب نفيه, والعمل على تسليح المرأة بالعلم والعمل, ان تحرر المرأة هو بذات الوقت تحرير للرجل من افكاره حولها, تحرير من تلك المفاهيم والرؤى التي نسجها عبر تاريخه الطويل, من اساطير وطقوس واديان وتقاليد, لقد كتبت سيمون دي بوفوار في كتابها المهم "الجنس الاخر" تقول: "اننا نحبس المرأة في المطبخ او في المخدع وبعد ذلك ندهش اذ نرى افقها محدودا, ونقص جناحيها ثم نشكو من انها لا تعرف التحليق".