قلبي كومة قش



نادية خلوف
2018 / 1 / 19

أتمتّع بحديث النّساء، وبخاصة أولئك اللواتي لم ينلن قسطاً كبيراً من التعليم يؤهلهن لنصيحتنا حول أصول التّربية، وسرّ الحياة. بالنسبة لي لم أكتسب أيّة خبرة حياتيّة من المدرسة، ولا الجامعة، بالعكس تماماً، وبدلاً من أجيد الفنون المنزلية لم أستطع أن أجيد أي نوع من الفنون، وكم وقفت أمام نفسي لأسألها: أين الخطأ؟ في بعض الأحيان أحمّل نفسي المسؤوليّة، وأحياناً أخرى أحملّها للبيئة، والحوار لا ينتهي، فقط يمكنني القول أنّني لم أنجح في الوصول إلى أبسط الأهداف. إنني امرأة ليست قوية كما يشاع عنّي، ولم أجابه الحياة بل هي التي تصدت لي وجعلت من قلبي كومة قشّ، شعرت اليوم أنّني بحاجة لتأهيل نفسي عاطفياً، والبدء من الصّفر في تعلّم ألف باء الحياة، وأهمّها العطف، والتعاطف، وتفعيل حواسي بحيث أحسّ بالألم والفرح، والخوف، والمشاعر الطبيعيّة الأخرى التي تجمدت خلال رحلة وعيي.
في جلسة في ظلام آخر النهار في المكان الذي أقيم فيه مع إحداهن على مقعد بينما الثلج يتساقط فوق رؤوسنا، -لا نشعر بالبرودة، فنحن محصنات بلباسنا-دار بيننا الحوار التّالي: سألتني السّيدة، وكانت المرّة الثّانية التي ألتقي بها: لماذا لا تضعين الحجاب وتستغفرين الله في هذا العمر؟
-لا أستطيع يا صديقتي أن أضع الحجاب. تستطيعين القول أنّني محجبة داخل المنزل حيث أضع القمطة على رأسي بينما أعمل، أو أكتب، وعندما أخرج أحاول أن أرتّب شعري، -وهو عصّي عن الترتيب-كي أظهر بمظهر لائق. ربما أشبهك، فأنت لا تستطيعين رمي الحجاب لأنّك تعودت عليه.
-ليس تماماً. ها إني أرميه، لكن ما الفائدة؟ هل سوف يغيّر الأمر ما ألمّ بي من أذى؟
أتدرين؟ لا أحبّ طفولتي، ولا شبابي، فأنا وعاء تجمّع فيها قاذورات المجتمع كلّها. من قال لك أنّ الأم هي التي تربي؟ الأمّ بريئة. هي مجرّد عاملة منزل يوجهها الزّوج بشكل غير مباشر كي تحمي شرفه من خلال تأديب بناتها. هو أحياناً لا يقول. بل جارتها، وهواء المكان يقول، كنت أشعر بخوف أمّي ، ويرتجف قلبي خوفاً من أن أخطئ الطريق. يجب أن أكون تلك المرأة المثالية التي يصفّق لها المجتمع، وأنا اليوم أبثّ الخوف في قلب بناتي رغم أنّنا غيرنا المكان، لكنّ البيئة نفسها. أنا مهزومة، منكسرة منذ ولادتي، فما ربتني عليه أمّي بتوكيل من أبي لم يقبل به زوجي، فأذلّني أيّما إذلال، وعاملني كدابة تماماً.
انظري! أخلع حجابي، سترتي. كلّ أشيائي، لا أهتمّ، لكن لماذا أفعل؟ لا أحد مهتم.
-صفّقت لها. لا أستطيع أن أتحدّث مثلك أيتها السّيدة، فما تحدّثت به يدور في داخلي، ولا أجرؤ على إخراجه.
-لأنّك تريدين أن ينظر لك المجتمع كمثاليّة. أما أنا. فلا. عندما كنت في سورية، وتطاول زوجي عليّ ذهبت إلى الشرطة حافيّة وكليّ كدمات. جلبت الشرطة، لكنّها لم تفعل شيئاً فقط هو من اعتذر أمامهم، فسامحته، وعندما ذهبوا أبرحني ضرباً، لكنّه أذكى من أن يقع، قد أصبح هنا كما الهر، يخشى أن أتركه، مع انه ليس لدي نيّة في تركه فجميع من تركن أزواجهنّ تزوجن بمثلهم أو أسوأ منهم.
-أنا مثلك لا أحبّ الطلاق. يدّمر الأطفال.
-هههه. الأطفال مدمّرون، فتلك النّار التي يعيشون فيها لم تترك مجالاً للغضب. البارحة كنت أسمع حديثاً لسيدة قد تكون وزيرة حول موضوع ذهاب الشباب للانضمام إلى داعش، وأتى الجواب. أن المجتمع هنا جعلهم يشعرون بالفراغ بعد أن كانوا مهيأين عاطفياً للعنف، وعندما يحاربون مع داعش يشعرون بالانتماء، وقد استشهدت بشخص حارب مع داعش يحمل المواطنة السويديه. نحن ننتمي إلى العنف.
ذهبنا كلّ واحدة في حال سبيلها، عدت إلى المنزل، وأنا أفكّر بما قالته بأنّ الأمّ مربية بالوكالة، وأن رفع الحجاب أو وضعه لن يغيّر الأمر، وأنّ الدين تفاصيل قد يحلّ محلّها القومية، وذهبت إلى أبعد من ذلك: فيما لو أصبحت سوريّة من ناحية نظام الحكم دولة مدنيّة فهل سوف تعلّم المدارس فيها الحياة؟
وهل تستطيع امرأة أن تشير دون خوف إلى رجل اعتدى عليها جنسياً، أو امرأة تنمّرت عليها؟
وخطر لي بعض ضحايا الاعتداء الجنسي من قبل المحارم، والذين عرفتهم بسبب عملي، والذين تستّرت أمهاتهنّ على الموضوع" حفاظاً على سمعة الأسرة"
نظرت إلى أمثلة كثيرة، وأهمّها ترك الرّجل لبيته، ومغامرته بحياة أطفاله في سبيل رغبات أجازها له المجتمع. وفقدت الأمل.
عدت أحاور نفسي حول الصّداقة، وفنّ المجاملة، وعرفت كم نحن كاذبون في مجاملاتنا! لمّست على صدري، وتحسّست التبن، أو القش ،فوجدت فوقه آلة تطحنه لتحوّله إلى أنعم، ثم أنعم.