فيلم -المنقبة-- التطرف الإسلامي في أوروبا بنكهة كوميدية



ملهم الملائكة
2018 / 1 / 21

يطرح الفيلم الفرنسي "المنقبة" من المخرجة الفرنسية الإيرانية سو عبادي قضايا شائكة بلغة سعت عبادي وهي كاتبة السيناريو أن تجعلها خفيفة الظل. وهكذا يعلق محمود العائد من اليمن صورة حسن البنا على الجدار وينزع صورة مارلين مونرو ليصادر حرية اخته ليلى، فيما يتحدى أرماند أمه وأبيه الشيوعيين الإيرانيين باتهامهم بترك شعب إيران لقمة سائغة بيد الملالي والنضال السلبي في شوارع باريس.

شهدت دور السينما الفرنسية والألمانية في (الثامن والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018) العرض الأول لفيلم المنقبة وقد عُرض في ألمانيا تحت اسم VOLL VERSCHLEIERT.
لغة الفيلم الأصلي (ومدته 88 دقيقة) كانت العربية والفرنسية، وجاء عنوانه بالفرنسية" البعض يحبها منقبة" استيحاء لفكرة فيلم مارلين مونرو الشهير" البعض يحبها ساخنة"، لكن دور السينما الألمانية عرضته مدبلجا للألمانية بعنوان" المنقبة"، والجديد فيه أنه يطرح زوايا خفية من قضايا التطرف بمقاربة بسيطة وفردية، مع عرض لخلفيات التشدد في محيط كلا البطلين.
https://www.youtube.com/watch?v=FCZskaCzq9c

يظهر الطالب الفرنسي من أصل إيراني أرماند ( والذي يمثل دوره الفرنسي من أصول تونسية فيليكس معاطي) والطالبة الفرنسية من أصل عربي ليلى (التي تمثل دورها المغنية الفرنسية من أصل جزائري كاميليا جوردانا) في اللقطة الأولى في أروقة إحدى الجامعات الفرنسية في باريس وهما يخططان لزمالة دراسية الى نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، وينتهي المشهد المرح، بهاتف من والدة أرماند وهي تطلب منه موعدا على الغداء يحيله بعد عناء الى موعد على العشاء.
(كاميليا جوردانا قبل أن تكون ممثلة كانت مغنية فرنسية)
https://www.youtube.com/watch?v=RGJbw0xAwE8
لكنّ المستقبل المشرق يعرقله وصول محمود (الذي يؤدي دوره وليام لبغال وهو ممثل كوميدي ابن فنان فرنسي معروف) شقيق ليلى عائدا من رحلة غامضة مجهولة في اليمن، وقد أطلق لحية كثة دون شارب، وارتدى الزي الأفغاني اسوة ب"الجهاديين"، فتصدم به ليلى وشقيقها الأصغر سنان وهو يمزق صور الأسرة المعلقة على الجدران، ويحتج سنان بشدة لأنه يمحو تاريخه الشخصي، لكنه يمضي قدما، بوقاحة- تثير استياء الجيران لصوت المطرقة الذي يهين صمت الليل- فيعلق على الجدار سجادة منسوجة في مصر لمؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا، وينزع بعنف بوسترا كبيرا لمارلين مونرو، ما يمثل للمشاهد إعلانا صريحا للهوية الجديدة لمحمود العائد من اليمن.
محمود يطالب سنان بالذهاب الى اليمن ويخبره أن هذا الأمر قد حسم، وسيتولى" الإخوان" ترتيب الفيزا وحجوز الطائرات، ثم انقلب ليظهر جوهر تغيره في ممارسة تسلطه الذكوري على أخته ليلى، وهكذا يعلن لها أنّ أحلامها في الذهاب الى أمريكا هي قبض ريح، ويمضي أبعد من ذلك ليحرق جواز سفرها الفرنسي.
يتفاقم الأمر حين يوصلها أرماند ذات يوم ويقبلها مودعاً أمام مدخل البيت، فيفتح محمود فجأة باب الشقة ليجد ليلى في أحضان وعناق وقبلة ارماند، فيتلّها بعنفٍ الى شقتهم، ويرمي بارماند الى الممر محذرا أياه من العودة.
يتطور الموقف في البيت الى صراع بين ليلى ومحمود، وتحاول هي أن تتصل بصديقها أرماند لتروي له ما جرى، فيأخذ محمود منها الهاتف ويخرج السيم كارت منه ويبتلعه بطريقة كارتونية ليثبت لها أنه طريق بلا عودة، معلنا لها أنّها ستبقى حبيسة البيت حتى تتزوج.
من هنا تظهر فصول القصة، إذ تنقطع اخبارها عن أرماند الذي اعتاد لقاءها في الجامعة كل يوم، ويدرك أنّ في الأمر سرا يتعلق بعودة شقيقها، فيتنكر بزي امرأة "منقبة"، ويزورها في البيت، ليفتح له باب الشقة محمود، الذي امتنع عن القيام بأي شيء سوى المكوث في البيت ومراقبة ماذا تفعل شقيقته ومنعها من الخروج. حين يرى محمود المنقبة تزور اخته، يراوده الشك أولا، فتعلن له أنها تحاول أن تعلّم اخته أصول الإسلام وتهديها الى طريق الحق، فيطمئن لها ويسمح لها باللقاء.
تتطور اللقاءات، فيما يحاول ارماند- المنقبة أن يعيد تنظيم جواز سفر لليلى بدلا عن جوازها التالف، وخلال هذه الزيارات تنشأ قصة حب من طرف واحد من طرف محمود للمنقبة "شهرزاد" وهي تزور بيتهم بين حين وآخر. ثم يعلن بصراحة لها حبه، لكنها تصده وتكلمه بلغة المتشددين مؤكدة له أن ليس لمؤمن أن يكلم مؤمنة في هذه الأمور، ولابد من حديثه لوكيلها وولي أمرها. فيزداد وقوعه تحت تأثيرها، وهو يتكلم معها عن بيت من الحكمة يتصوره آية فيسألها من أي سورة في القرآن أخذتها، فتجيبه بشكل صادم، "هذا بيت شعر من فيكتور هوغو". وبمرور الأيام يكتشف هو وتتأكد هي أنّه يجهل القرآن تقريبا. ولكن عشقه لها واعجابه بها يتعمق، وهي منشغلة بأعداد خطة استخراج جواز سفر بدل تالف لأخته ليلى.
في الجانب الآخر، وفي محورٍ مواز لقصة الحب التي تتحدى سلطة محمود السلفية يتابع الفيلم وقائع تجري في بيت أرماند، فأبوه الإيراني شيوعي سابق، هاجر الى فرنسا مطلع ثمانينات القرن العشرين وبات سائق تاكسي في باريس. فيما تكشف الأحداث أنّ أمه هي من الناشطات النسويات، وقد غادرت إيران في نفس الفترة، وتمارس نضالها ضد السلطة الدينية في إيران من خلال عروض تظهر فيها عارية الصدر وهي في أواخر خمسينيات عمرها متحدية سلطتهم بخطابات نارية، كما تظهر وزوجها في لقطة أخرى وهما يرقصان مع بضع نساء ورجال أمام مبنى تابع للسفارة الإيرانية في باريس.
وينتبه الوالدان إلى أن ابنهما يقرأ كتبا عقائدية اسلامية متشددة، ويرعبهما هذا الأمر، فيجريان له أختبار عقيدة على طريقتهما، وتطبخ الأم قطعة من كتف الخنزير منقوعة بنبيذ أصفر، وتقدمها له على مائدة الغداء، وحين تراه وزوجها يأكل منها بلا مبالاة، ترتسم على وجهيهما ابتسامة عريضة ليقينهما أنّ ابنهما لم ينجرف في تيار الإسلام المتشدد الذي يريانه في هذه التفاصيل الصغيرة.
ثم ينتبه الجيران الى أنّ بيت الإيرانيين، تزوره في غياب الأم والأب فتاة منقبة، ويكلمون الشرطة، فتدخل الشرطة الى البيت وتسألهم عنها. وينكران معرفتهما بها، ثم تقول الأم إنّ المرة الوحيدة التي ارتدت فيها نقاباً كانت في طهران عام 1981، وقد ارتدت النقاب لتغطي وجهها هربا من النظام الديني هناك، وهي جملة جعلت الشرطة تغادر البيت دون مزيد من الأسئلة. بعد هذه الواقعة يذكّرهما ابنهما ارماند أنّهما قد نسيا تاريخهما، وبات النضال لهما مجرد عروض في باريس، وحين يخرج من الكادر، يُقرّ الأب بنفس الأمر مؤكداً انهم قد انسحبوا من بلدهم هاربين وتركوا الناس لقمة سائغة للسلطة الدينية في إيران.
تتصاعد الأحداث بنسق تمتزج فيه الكوميديا بالحدث الساخن، ويبلغ الفيلم أوجه، في لحظة يصر محمود أن يذهب ليخطب المنقبة شهرزاد من أهلها، فتجيبه بالإيجاب مؤكدة عليه أن يجلب معه كل أفراد اسرته، وتعطيه عنوانا.
ويتم اعداد مسرح في بيت أحد المعارف، ويستنفر الإيرانيون معارفهم لما يليق بالمشهد، فيصل محمود الذي يحلق لحيته الطويلة فجأة في تعبير عن تغير قناعاته بتأثير شهرزاد المنقبة، ترافقه اخته مرتدية النقاب وأخوه الى البيت الافتراضي لعائلة شهرزاد، وبعد مفارقات يجلس الجمع الرجالي دون نساء ليتلقى محمود شروط أهل شهرزاد. وتأتي المفارقة الصاعقة بالنسبة له ولمن معه حين يقول له شخص يمثل دور الأب بهيئة افغانية، إن ابنتهم شهرزاد شيعية، وهو سني، وعليه أن يستبصر ويتحول الى المذهب الشيعي. وحين يقبل محمود هذا الشرط حباً بالمنقبة ، يغضب من رافقوه من العرب المتشددين، فيتركونه ليخرجوا، فيما يبدأ محمود يستجيب لشروط الأهل الجنونية المضحكة دون جدل.
خارج البيت ينتبه أصدقاء محمود الإسلاميين المتشددين الذين خرجوا غاضبين الى خروج 3 منقبات خلسة من البيت، وركوبهن سيارتهن، فيقررون متابعتهن، لكن شهرزاد بدورها تخرج من البيت خلسة، فيقررون متابعة الجميع وينقسمون الى فريقين.
ينتهي الفيلم في المطار، حيث يكتشف المشاهد أنّ كل هذه اللعبة جرت لأشغال محمود ليتاح للعاشقين الفرار الى الولايات المتحدة. ويعلن محمود خيبته وفشله أمام جهود اخته وحبيبها الباحثان عن مستقبلهما، ثم يبرر ذلك بقول مؤثر معلنا " أنّ بعض الناس يحتاجون الى العقيدة الدينية والى الأيمان لتستمر حياتهم، وأنا واحد من هؤلاء ". ويغالب غضبه وغيضه وهو يقول للعاشقين اذهبا الى مقصدكما قبل أن أغير رايي. وينتهي الفيلم نهاية سعيدة.
الفيلم يسلط الضوء بلغة بسيطة خالية من التنظير، وخالية من العنف ومشاهده المرعبة الذي يجتاح عالم اليوم، على تفاصيل الصراع السني والشيعي، ليصل بالمشاهد الى أنّ التشدد مهما كان اتجاهه ومصدره مذموم، ومصيره الخيبة والفشل .
ملهم الملائكة- بون 2018