التغيرات الهيكلية المجتمعية والمسألة السكانية ومكانة المرأة في مصر



أيمن زهري
2018 / 2 / 4

شهدت مصر العديد من التغيرات الهيكلية المجتمعية الحادة اعتبارا من ثورة يوليو 1952 أثرت على التركيبة المجتمعية وثقافة المجتمع بشكل عام. كان لتلك التغيرات الحادة أثرها الأكبر في تشكيل وعي الشعب وممارساته المجتمعية التي أثرت بشكل كبير في تعاطيه مع قضايا السكان. فقبل ثورة يوليو 1952 كانت مصر دولة زراعية طبقية تراتبية إلى حد كبير. في تلك الفترة لم تكن قد ظهرت على السطح بشكل جاد التعامل مع القضية السكانية. مع ثورة يوليو 1952 تحولت مصر من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي حديث أدى إلى زيادة الحراك المجتمعي وازدادت الهجرة من الريف إلى المدن للحاق بركب التقدم الصناعي حيث اجتذبت المصانع التي أنشأها عبد الناصر عشرات الآلاف من فائض العمالة الزراعية في الريف، كما تم التوسع في منظومة التعليم والصحة بإنشاء آلاف الوحدات الصحية والمدارس. هذا بالإضافة للاهتمام بالثقافة التي شكلت قوة مصر الناعمة والتي واكبت إتباع نهج حداثي تنويري انعكس في ارتفاع مكانة المرأة وتقليل الفوارق بين الجنسين والذي أدى بدوره إلى تبني نمط الاسرة الصغيرة.

خلال فترة حكم الرئيس الأسبق أنور السادات، ونظرا للظروف الاقتصادية التي شهدتها مصر الخارجة لتوها من تبعات اقتصاد الحرب، بدأت الدولة التخلي تدريجيا عن النهج الاجتماعي الناصري وتبنت سياسة الباب المفتوح اقتصاديا ما أثر علي الطبقة الوسطى. أضف إلى ذلك التخلي عن استيعاب الخريجين وارتفاع معدلات البطالة ما أدى إلى فتح أبواب الهجرة للعمل بالخارج. واكب ذلك ظهور النفط في الخليج ورغبة تلك الدول في الاستفادة من الوفورات المالية النفطية في دعم البنية التحتية والمؤسساتية لتلك الدول وحاجتها لاستقدام عمالة من الخارج. وافق الطلب على العمالة في دول الخليج العرض من العمالة في مصر وهو ما حدا بآلاف المصريين للتوجه للخليج لسد النقص في عنصر العمل هناك. تزامن ذلك مع التحول نحو الدولة "شبه الدينية" في مصر وإطلاق العنان للجماعات الإسلامية لمحاربة الناصريين والشيوعيين في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد أنور السادات وهو ما أدى إلى أسلمة، إن شئت الدقة سلفنة ووهبنه، المجال العام في مصر بما استقدمته العمالة العائدة من بلدان الخليج من أفكار رجعية كان من المفترض أن يكون الزمن تجاوزها في مصر.

أدي ذلك إلى تراجع قوة مصر الناعمة وتراجع مكانة المرأة في المجتمع وانتشار التعليم الديني والعودة لبحث قضايا فقهية ومجتمعية كنّا نحسب أنها حسمت بالفعل منذ عشرات السنين مثل الاختلاط وعمل المرأة وتعدد الزوجات وختان الاناث وسن الزواج للمرأة ولباس المرأة وكذلك تنظيم الاسرة واستخدام الوسائل وقيمة الطفل في الاسرة وغيرها من القضايا المرتبطة بالأسرة.

انتشرت في هذه الفترة الأفكار المستوردة على حساب الثقافة المصرية الريفية/الزراعية السمحة المتسامحة مع ذاتها وبدا أن المصريين في الخارج لا يقومون بنقل الاموال فقط لمصر من خلال التحويلات المالية للمهاجرين، لكنهم ينقلون أيضا تحويلات ثقافية ومجتمعية اخترقت نسيج الثقافة المصرية وأدت إلى تراجع الدور الثقافي لمصر لدرجة أنه يمكنني القول أن الأثر السلبي للتحويلات الثقافية والاجتماعية فاق في تأثيره أثر التحويلات المالية للمهاجرين وبات يهدد كيان الدولة ومقوماتها الأساسية.

في ظل تلك الهجمة الشرسة لا يمكن لبرامج تنظيم الأسرة أن تنجح، إذ لابد أن نعود للمنهج التنويري الحداثي الذي ساد مصر في ستينات القرن الماضي مع الاخذ في الاعتبار، بالطبع، المستجدات الحديثة في العالم وثورة الاتصالات والمعلومات والعمل على ترسيخ القيم المصرية الأصيلة والارتقاء بمكانة المرأة لتتحول مجددا من وعاء للمتعة وإنجاب الأطفال إلى مواطن كامل المواطنة من خلال الاهتمام بالتعليم والثقافة ومشاركة المرأة الكاملة وغير المنقوصة في كافة مناحي الحياة.