المساواة في ملكية الأرض بين إكراه الأعراف والمطلب الحقوقي بدرعة تافيلالت



لحسن ايت الفقيه
2018 / 2 / 14

المساواة في الولوج إلى الأرض ملكيتها والانتفاع بها واكتساب الثروة، وإن ضمنته بعض المواثيق الدولية، لا يختلف اثنان في أن المبدأ لا ينزل بشكل مرض بالجنوب الشرقي المغربي، ولم يبلغ نضال المجتمع المدني ومرافعاته مستوى من التقدم في تحقيق الحق في المساواة، في الأرض، إن على مستوى النوع الاجتماعي، أو على المستوى الإثني. وحسبنا أن الثقافي يكاد يلتهم كل الحقوق الطبيعية ويزيحها جانبا. هنالك تتوجب اليقظة والتنبيه من الغفل. فكان أن أثير الموضوع في رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء.
وقبل معالجة شأن المساواة في الأرض وجب التمهيد للحديث عن الموضوع بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يشارك كدأبه في المعرض المذكور، وحب تسجيل حضوره كالمعتاد في الدورة 24 باختيار شعار«جميعا من أجل حقوق الإنسان» مع التركيز على النهوض بالقيم الكونية المتعلقة بالمساواة سمة لرواقه. والقيم المتصلة بالمساواة هي العدل والكرامة الإنسانية، وتدعمهما محاربة [فاعل مرفوع] الميز. وحب المجلس، فضلا عن ذلك، أن يعمق الحفر في الشعار لإنشاء ضمن برمجة رواقه «فرصة لبيان حقوق جديدة، غير منصوص عليها، صراحة، في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تطرح نفسها على المنتظم الدولي اليوم» بما هي «حقوق ناشئة» يتوجب «تكريسها من قبيل حقوق الأشخاص المسنين، والحق في الماء، فضلا عن مواجهة التحديات الجديدة التي انبثقت عن ثورة التكنولوجيا الجديدة، أخلاقيات علم الأحياء، والمقاولات وحقوق الإنسان».
ذلك ما يهدف إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان وما وجدناه مرسوما في نسخة البرنامج الذي وسع توزيعه كل المترددين على رواق الندوات والمناظرات. وتتضمن فقرات البرنامج الذي يغطي أمد الاشتغال من التاسعة والنصف صباحا إلى السابعة والنصف مساء، في كل يوم، تقريبا، «قراءة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، و«مجالات ناشئة في مجال حقوق الإنسان»، وفقرة «تكريم» تخصص لشخصية أدت رسالتها في نطاق حقوق الإنسان، و«يوم وكتاب»، وهي «فقرة خاصة بتقديم كتب صدرت مؤخرا» كتب تقرأ أمام مؤلفيها. وأدرج ضمن البرنامج فقرة «الإعلان والجهات» وفي هذه الفقرة حصلت دعوة اللجان الجهوية لحقوق الإنسان بكل جهات المغرب لتسلط الضوء على مادة من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن تقدم «شهادات أو مبادرات ميدانية تجسد تفعيلها، بمعية شركائها من المجتمع المدني على المستوى الجهوي». وحوى البرنامج« موائد مستديرة»، تطرقت للعدالة الجنائية والميثاق الافريقي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والدراسات الصحراوية في مغرب اليوم: تجربة مركز الدراسات الصحراوية».
وأدرج ضمن فقرة «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والجهات يوم الأحد 11 من شهر فبراير من العام 2018 مساهمة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرشيدية ورزازات والتي كاد أداؤها أن يغطي جهة درعة تافيلالت جنوب شرق المغرب. وتنبغي الإشارة إلى أن اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان أنشأت منهجا يحدد مجال الممارسة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان انطلاقا من الرصد [بفتح الصاد]. فمن حلال الشكايات المرفوعة إليها، والمقالات الصحافية التي تصدر يوميا، وتوصيات الأيام الدراسية التي تبث خلاصاتها الجمعيات والمؤسسات، يتبين الهم المشترك، الذي يقلق المعتمين بشأن سكان الحنوب الشرقي.
شارك في المساهمة جمعية أصدقاء الأرض للبيئة والتنمية بمركز بوذنيب، مثلها الأستاذ محمد الزريكي، إلى جانب النسيج الجمعوي للتنمية بورزازات (TAOD) ممثلا بالأستاذ عز الدين تاستيفت، ثم منظمة تامينوت، فرع تينغير، مثلتها الأستاذة حفيظة أبو الفراج. وأريد لمساهمة الجمعيات المذكورة أن تعالج «إشكالية المساواة في الولوج إلى الأرض السلالية حسب النوع الاجتماعي» مع التركيز على الجنوب الشرقي المغربي.
ورد «التصرف الحر بالثروات والموارد الطبيعية» في الفقرة 2 من المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وورد الحق في الملكية في الفصل 35 من الدستور المغربي لكن الجانب الثقافي يلتهم التصرف الحر في المجال بما هو حق طبيعي، تلك هي السمة العامة في الجنوب الشرقي المغربي.
فكيف يمكن معالجة هذه الإشكالية؟ وبعبارة أخرى كيف يجري عزل الحق الطبيعي، وتحريره، من الثقافي في مجال جغرافي واحي، علما أن الواحة هي المجال المنشأ ثقافيا؟
لئن حصل بعض التقدم من حيث المطلب المقرون بالاحتجاج أو من حيث الوجه المصحوب بالتوسل، فإن وضع المرأة في الولوج إلى الحق في الأرض بالجنوب الشرقي المغربي لا يزال غير مرض يقول الأستاذ محمد الزريكي. صحيح أن قضية «المرأة السلالية» تفجرت «مع انطلاق مسيرات القرويات اللائي كسرن حاجز الصمت حول بعض الأعراف الثقافية و(القوانين) التي تسود بمناطق واسعة من المغرب» لكن بعض المثبطات لا تزال صامدة أمام حق المرأة في الولوج إلى الأرض. وتحت وقع الاحتجاج أدركت وزارة الداخلية المغربية بوجوب إعمال مقاربة أساسها المشاركة والتشاور الواسع يضيف الأستاذ محمد الزريكي. وكان «تنظيم حملة تحسيسية لدى نواب الجماعات السلالية لإدراج العنصر النسوي ضمن لوائح ذوي الحقوق للاستفادة من التعويضات المتأتية عن العمليات العقارية بالأرض الجماعية (التفويت أو الكراء). وذلك بتنسيق مع السلطات الإقليمية والمحلية». وأجري «التطبيق التدريجي في بداية الأمر لهذا التوجه، وذلك بدراسة كل حالة على حدة». وأصدرت وزارة الداخلية دورية عدد 60 بتاريخ 25 أكتوبر 2010، ودورية أخرى عدد 1 بتاريخ 30 مارس 2012. وتدعو الدوريتان إلى تمتيع السلاليات من الحق في الأرض لقد سجل الأستاذ محمد الزريكي بارتياح هذه المجهودات لكن نواب الجماعات السلالية يرفضون «إدراج النساء ضمن لوائح ذوي الحقوق ولا تقبل الطعون المقدمة من لدن النساء لإدراجهن في لوائح ذوي الحقوق». وفوق ذلك لوحظ عزوف النساء عن «تقديم الطعون ريث إعداد لوائح ذوي الحقوق». وحصل تباين «في الحصة التي تستفيد منها المرأة السلالية من جماعة سلالية إلى أخرى خصوصا عند الاستفادة من المدخرات». وفي ظل عدم جاهزية اللوائح النسائية، يضيف الأستاذ محمد الزريكي، جرى «إحداث وداديات نسائية قصد الاستفادة من الأرض المعدة للسكن»، بما هو شرط استفادتها والذي يتحقق بعد استفادة الذكور «وذلك يؤسس لأعراف جديدة تنزع نحو تكريس اللامساواة التي تدعو لها المواثيق الدولية». ومن جهة أخرى، لا تستفيد المرأة التي لا تتمتع بالانتماء القبلي، ولو كان زوجها من ذوي الحقوق، أي: كان منحدرا من القبيلة. وإذا استثنينا التجمع القروي واكليم بإقليم تينغير الذي يتعامل مع الحق في الأرض بقاعدة دينية للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن الوضع بمنطقة تينغير لا يزال على وجهه القديم. ولم يختلف الوضع بإقليم ورزازات عن إقليم تنغير والأقاليم الاخرى إلا في تصديق اللوائح وهنا وجب التنويه بتجربة تيلوين ن إكرنان وتابونت بإقليم ورزازات. وذلك ما سيشير إليه الأستاذ عز الدين تاستيفت بوضوح. وتمكنت تيلوين ن إكرنان من تعيين نائبه أرض الجموع بفضل الفعل المدني ومواكبته شأن النساء السلاليات.
ووردت في مداخلة الأستاذ محمد الزريكي ماهية الأرض السلالية أو أرض الجموع، إن هي إلا«ملكية الجماعة السلالية، ترجع ملكيتها للقبيلة وليس للفرد، كان يجري استغلالها والانتفاع منها عن طريق تنظيم الجماعة، بما هي أداة تنظيمية مؤطرة داخل القبيلة لفائدة العائلات المكونة لها وفقا لمنطق متكون من تقاليد واعراف قديمة خاصة بها، قبل أن تتدخل الدولة في تدبير شؤون هذا النوع من الأرض يخلق جهازا تابع لوزارة الداخلية، أصبح هو الوصي عليها بدل «الجماعة» و«الأرض قضية ظلت تثير مجموعة من النقاشات داخل الجسم الحقوقي داخل المغرب»، وخاصة «إدماج المرأة السلالية للاستفادة من التعويضات في الجماعة السلالية.
ولقد «أثار هذا الأمر ولا يزال يثير مجموعة من النقاش» يقول الأستاذ يونس الحكيم مسير جلسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، برواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان، «يثير النقاش خاصة وأن المغرب انخرط في المنظومة الكونية الخاصة بحقوق الإنسان، وخاصة في العقد الأخير من القرن الماضي، بعد توقيعه على مجموعة من الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، وخاصة ما يهم المرأة، إذ وقع على اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1993» يضيف الأستاذ يونس الحكيم وكان لزاما «أن يلائم التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية التي صدقها. ولقد أكد الدستور المغربي لسنة 2011، وفي التصدير بالضبط، على «جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة». فالموضوع، يقول الأستاذ يونس الحكيم «موضوع قانوني وحقوقي في كافة التراب المغربي، خاصة وكلنا يعلم أن أرض الجماعة السلالية أو ما يسمى كذلك أرض الجموع واردة في ظهير 26 أبريل 1919. وبالرغم من إقدام المشرع المغربي على إدخال مجموعة من التعديلات فالأمر لا يزال يثير مجموعة من الإشكاليات لإقصاء المرأة في مجموع تراب المغرب وخاصة جهة درعة تافيلالت بأقاليمها الخمسة».
ورأت الأستاذة حفيظة أو الفراج أن «أرض الجماعات السلالية، أو ما يطلق عليه أرض الجموع بقايا نظام عقاري قديم يرجع إلى ما قبل الإسلام، إذ إن العائلة أنداك كانت في الأصل صاحبة الملكية ثم انتقل هذا الحق إلى القبيلة التي ينتمي إليها الفرد». لئن استرسلت الأستاذة حفيظة في التعاريف فإنها لم تؤسس أرض الجموع على جذورها الأولى إذ هي أرض خراجية، في الأصل، أرض تنتزع من القبائل التي دخلت الإسلام عنوة كما هو الحال في بلاد المغارب ومصر والعراق تحولت هذه الارض في عهد الموحدين إلى أرض تحت إمرة الجماعات المحلية. لذلك سميت أرضا.
ولم تغفل الأستاذة حفيظة أبو الفراج الإشارة إلى أن هذه الأرض يجري استغلالها بناء «على أعراف وتقاليد كل قبيلة إلى عشية دخول الحماية الفرنسية المغرب فكان إصدار قوانين تنظم طريقة استغلال هذه الأرض، الأمر الذي دفع المشرع وقتها إلى جمع كل النصوص الذي صدرت في تلك الحقبة في ظهير واحد يوم 27 أبريل 1919. وهو بمثابة ميثاق الأرض الجماعية». وعرجت إلى الذكر ان الأرض توزع قصد الانتفاع و«استأثرت قضية المرأة السلالية باهتمام خاص بفعل المطالبة القوية لنساء بعض الجماعات بحق الاستفادة عقب إقصائهن لمدة طويلة من لدن نواب الهيئة النيابية وكذا المساندة القوية لنساء بعض الجماعات السلالية من لدن المنظمات غير الحكومية». ولقد توفقت الأستاذة حفيظة في إرساء مدخل لائق لمعالجة الموضوع.
الأستاذ عز الدين تاستيفت يحسب أن «الحق في الأرض يندرج ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، ويندرج «ضمن حقوق أخرى كنحو الحق في التنمية والحق في الهوية والحق في الوجود». وإنه لحق مركب من الحقوق السالف ذكرها، ومن حقوق أخرى « كالحق في الغداء و الحق في العمل و الحق في التنمية و الحق في الهوية و الإنتماء ، بل إن الأرض ترتبط في عديد الحالات بالحق في الوجود». وتعمق الحق في الأرض «إثر ظهور المواثيق الدولية، كنحو الإعلام العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في مادته الأولى على المساواة ويجب أن تشمل المساواة، بل إنها تشمل بالضرورة الحق في الأرض» وأشار الأستاذ عز الدين تاستيفت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واسترسل في ذكر الحق في التملك من الحقوق الأساسية. وحضر الحق في التملك حسب تعبير الأستاذ عز الدين تاستيفت في مجموعة من البروتوكولات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، والإقليمية تلك «التي تنص على الحق في الملك وعدم جواز المساس به بشكل من الأشكال إلا ما تعلق بما تقتضيه المصلحة العامة، مع فرض تعويض منصف وفق القوانين الجاري بها العمل حسب الحالات والدول :
- البروتوكول الأول الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
- الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان وواجباته
- الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب».
وبعد وقوفه عند السياق الدولي والإقليمي ود أن يعرج إلى السياق الوطني في صلته بالحق في الأرض بما هو مندرج ضمن الحق في التملك. ووقف كغيره من زملائه الجالسين في منصة رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عند الدوريات التي أثارت هذا الحق، بدءا من سنة 1912 وانتهاء بظهير 1919. و«اعتبر هذا الظهير بمثابة ميثاق لأراضي الجموع ، وقد حدد مفهوم هذه الأراضي في إطار ديباجته بكونها الأراضي التي تتصرف فيها الجماعة وسلالتها تصرف المالك في ملكه بدون خراج أو ضريبة .
غير أن هذا الظهير تعتريه اختلالات وثغرات عديدة، وأصبح متجاوزا بشكل كبير، بحيث أنه لم يعد يساير التحولات التي يعرفها المغرب في المجال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وأيضا في مجال الاستثمار، أيضا وأساسا، فإن هذا الظهير لا يساير ما يؤمن به المغرب من مبادئ حقوق الإنسان الملتزمة بها دستورياً كما هي مكرسة عالمياً، وما اتخذه من تدابير قانونية ومؤسساتية ترمي إلى ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان». ولقد توفق الأستاذ عز الدين تاستيفت في انتقاد هذا الميثاق لأنه متجاوز بشكل كبير خصوصا بعد صدور دستور 2011، وبعد انخراط المغرب في مجموعة من المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية، وبعد التحولات المجتمعة الكبرى. ودون التوسع في ثغرات ظهير 1919 كنحو إغفال شروط سقوطه. وفوق ذلك لم ينسجم الظهير وأعراف القبائل التي تنظم الولوج إلى الأرض وميز الأستاذ عز الدين تاستيفت المعايير التي تبطنها الاعراف إذ تعتمد، في الغالب، على الزواج والذكورة من أجل تقسيم الأرض او اخذ صفة ذي الحق في الأرض ولم ينج من الحرمان من الاستفادة سوى نساء معيلات لأسر. ومن ثغرات الظهير أنه «يعتبر النواب هيئة أساسية ، في تدبير الأراضي السلالية، واستغلالها، ولهم عدة صلاحيات من قبيل :
- توزيع الانتفاع بصفة مؤقتة بين أعضاء الجماعة حسب الأعراف وحسب ما تأمر به سلطة الوصاية
- تحديد لوائح ذوي الحقوق و قبض المبالغ الموجودة في ذمة الغير
- الإدلاء بالموافقة المبدئية على انجاز مشاريع تنموية لفائدة ذوي الحقوق.
- إعداد الرسوم لإثبات الملكية بالنسبة للعقارات في حالة عرض نزاع على القضاء
- المشاركة مع السلطة المحلية لدراسة طلبات الشواهد التي تنفي الصبغة الجماعية.
- تنفيذ مقررات الجماعة السلالية ومؤسسة الوصاية.
ومع كل هذه الاختصاصات فإن هذه الهيئة مسيرة و متحكم فيها».
فما هي الشروط الواجب توافرها في النائب بالجماعة السلالية؟
لم يحدد المشرع «الشروط اللازمة توفرها في نواب الجماعات السلالية ولم يشر لأحقية النساء في توليها، وقد تداركت وزارة الداخلية هذا النقص من خلال إصدار دليل نائب أراضي الجموع، غير أن هذا الدليل لا يجري احترامه بالشكل الكافي خاصة ما تعلق بالسن حيث نجد أن نواب أراضي الجموع طاعنين في السن، ودون مستوى دراسي وبمستوى ثقافي ضعيف، ما يجعلهم عرضة لهيمنة تسيير لوبيات فاسدة تستغل جهلهم وتستعملهم لخدمة مصالحهم الضيقة وهذر حقوق السلاليين والسلاليات». ومن الانتقادات التي لبقها الأستاذ عز الدين تاستيفت، بالظهير قوة الوصاية. إذ « تعد وزارة الداخلية العنصر الأساسي في مجلس الوصاية على الأراضي السلالية ، وقد خول لها المشرع كل الصلاحيات المتعلقة بتدبير وتسيير واستغلال هذه الأراضي نذكر منها.

- الإذن بتقسيم الأراضي الجماعية.
- المصادقة على كل معاملة تجري بين الجماعات أو ممثلها وبين الغير.
- الموافقة على توزيع الأموال الجماعية على رؤساء عائلات الجماعة السلالية.
- الإذن للجماعة بتقديم مطلب التحفيظ .
- الإذن للجماعة بالترافع.
- التقرير في أوجه استثمار العائد من أموال بيع الأراضي الجماعية
- المصادقة على لوائح ذوي الحقوق.
- البت في بيع أو كراء الأراضي الجماعية ...

يبدو جليا من خلال الصلاحيات الواسعة لسلطة الوصاية أن الجماعات السلالية لا تملك الكثير في العلاقة بتدبير أرضها، والمطلوب هو تخفيف هذه الوصاية و تعويضها بالمصاحبة والمراقبة مع المساءلة، وذلك بإطلاق يد الجماعات لاستغلال أراضيها وفق نظم و قوانين تحفظ حقوق جميع الفئات من ذوي الحقوق نساء ورجال و شباب وتدفع بجعل هذا الرصيد العقاري يساهم في التنمية الحقيقية للإنسان و المجال». وماهي شروط اكتساب صفة ذي حق وما هي شروط سقوطها؟
لم يحدد الظهير 1919 «شروط اكتساب و سقوط صفة ذي الحق بالجماعة السلالية، وترك ذلك لعادات وأعراف كل جماعة سلالية.
وقد نتج عن ذلك تباين كبير وعدم انسجام شروط صفة ذي الحق بين مختلق الجماعات السلالية بالمملكة ، بحيث كل جماعة سلالية تضع شروط خاصة بها، فنجد أن من يعتمد على الذكورة و الزواج كما هو في الجنوب الشرقي، ذلك أن صفة ذي حق مقتصرة على الذكور دون الإناث ، و على المتزوجين دون العزاب حتى من الذكور، وهو ما يقصي إلى جانب النساء حتى الشباب العزاب.
أما الاستثناء النادر فهو اكتساب المٍرأة المعيلة لليتامى صفة ذات حق، شرط أن تكون سليلة ذوي الحقوق.
أما المناطق الجبلية بالشمال المغربي فالذكور وحدهم يرثون الأرض عن آباءهم ، والنساء يستفدن فقط من جزء من الإرث في السكن وخيرات الأرض دون الأرض بعينها، أما الأراضي العارية فتبقى من نصيب الرجال باستثناء جماعة إكنيون التي توزع الأراضي العارية بمنطق الإرث "للذكر مثل حظ الانتيين"»
وهناك نقط عمرانية تعتمد في تقسيم الأرض المعايير المعمول بها في الغرث كنحو اقتصار حق الملكية على الذكور وحدهم. ومرد إقصاء النساء إلى التوجس من انتقال الملكية من عشيرة إلى أخرى بفعل الزواج، وهذا العرف قائم بالمناطق الجبلية من جهة درعة تافيلالت. واستدرك الأستاذ عز الدين تاستيفت قائلا، إن بإمكان النساء الاستفادة من خيرات الأرض منافعها دون ملك الأرض يطوله تمييز غير منصف تجاه النساء السلاليات مما أجج حركة احتجاجية نسائية تدعمها منظمات غير حكومية منذ سنة 2007. و« في ظل الحيف و اللامساواة والظلم القائم على النساء السلاليات، واعتبارا لواقع الفقر و لتهميش والإقصاء الذي يعانين منه ، انطلقت الحركة المطلبية للنساء السلاليات منذ أبريل 2007، بشرارة من نساء جماعة الحدادة وجماعات أخرى من إقليم القنيطرة، فخضن معارك مطلبية واحتجاجية من أجل التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال فيما يتعلق بالإنتفاع بأراضي الجموع.
وقد وجدت هذه الحركة بوصلتها التأطيرية في المجتمع المدني الحقوقي، خاصة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب التي احتضنت هذه الحركة وعملت على تقوية قدرات السلاليات و عملت على توعيتهن بحقوقهن في أراضي الجموع كمواطنات وكذوات حق كما مكنتهن من مختلف اللآليات القانونية والترافعية، وترافعت إلى جانبهن وفق استراتيجية واضحة ، مكنت أساسا من تصليب عود هذه الحركة و ضمان استمراريتها، كما مكنتها من تأسيس تحالف قوي انضافت إليه عدة هيئات مدنية دوليا ، وطنيا وجهويا حيث التحقت بجهة درعة تافيلالت كل من الألفية الثالثة بالراشدية و النسيج الجمعوي للتنمية بورزازات، كما استطاعت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب و حلفائها في مناصرة السلاليات، تعبئة الرأي العام و وسائل الإعلام و عرضت الملف أمام القضاء الإداري و قامت بمساءلة الجهات المعنية خاصة سلطة الوصاية»
وانخرطت كذلك النسيج الجمعوي للتنمية بورزازات وأضحت المشاركة تتسع وتسع مجموعة من الجمعيات على الصعيد الوطني لذلك كان الاهتداء إلى إصدار مجموعة من المذكرات الوطنية، أثرت إيجابا على سلطة الوصاية فكان تنظيم الشأن بمجموعة من المذكرات لم يغفل الأستاذ عز الدين تاستيفت ذكرها وتمييزها، وقدر وقعها حيفا بارزا. ذلك ان تلك المذكرات غير ملزمة ولا تحوي في نصها ما يجعلها ملزمة إنها مذكرات للاستئناس ليس إلا لذلك حسن إصدار قانون ملزم، يلزم إعمال المساواة بين الرجل والمرأة في الولوج إلى الأرض. واستحسن الدليل الذي اصدرته وزارة الداخلية إذ يسد ثغرة شروط اختيار نواب أرض الجموع التي عمقها ظهير 27 أبريل 1919، كنحو المستوى الدراسي والسن وكلنا يعرف أن معظم نواب أرض الجموع دون مستوى دراسي لائق وأغلبهم بلغوا من الكبر عتيا وإنه من المفيد احترام الدليل المذكور للتقليل من وقع الميثاق المذكور من حيث الوجه السلبي وأكد الأستاذ عز الدين تاستيفت أن الوصاية قوية للغاية إن هي وجدها التي تمنح الإذن بالترافع أمام القضاء والإذن بالتحفيظ، وصرف الأموال، أي إنها تستأذن في كل شأن ذي صلة بأرض الجموع.
ما هي مكتسبات الحركة المطلبية للنساء السلاليات؟
« لقد حققت الحركة المطلبية للنساء السلاليات بمساندة حلفائها و على رأسهم الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب ، عدة مكتسبات عززت حقوق النساء في أفق إرساء مبدأي المساواة والعدل بشكل شامل وفعلي، وقد ميز هذه المكتسبات:
إصدار وزارة الداخلية . غير أن هذه الدورية لم ترق لتطلعات المطالب النسائية لأنها تقتصر على عائدات الأرض دون الأرض بعينها.
الاعتراف للنساء بحقوق المواطنة بعد إصدار الوزارة الوصية، وزارة الداخلية لثلاث دوريات : الدورية 51 بتاريخ 2007 حول لوائح ذوي الحقوق، الدورية 60 بتاريخ 25 أكتوبر 2010 ، تمكن النساء السلاليات من الاستفادة في مختلف أنحاء البلاد كلما تعلق الأمر بتفويت الأراضي الجماعية أو كراؤها، ثم الدورة الأهم، الدورية عدد 17 الصادرة بتاريخ 30 مارس 2012 والتي تنص على تمتيع النساء من حقوق الانتفاع العائدة للجماعات السلالية على قدم المساواة مع الرجال». و«رغم كل المجهودات المبدولة، فلازال ملف النساء السلاليات يعرف عراقيل ومعيقات تحول دون تأكيد الحقوق والمكتسبات خصوصا فيما يتعلق بتفعيل محتويات الدوريات الوزارية ، التي تبقى مجرد قرارات إدارية، و قوتها الإلزامية ضعيفة جدا في العلاقة بالقضاء و بالنواب الجماعيين الذين يستمرون في فرض شروطهم و معاييرهم المجحفة في حق النساء ضدا على روح دستور 2011 في تصديره و في المادة 6 و المادة 19 بكل ما تنص عليه من وجوب المساواة بين النساء والرجال في جميع المجالات.
استمرار اعتماد الظهير 1919 رغم تعارضه مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ، خاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، والتي تنص في مادتها الثانية على "اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريعية منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة".

عدم انسجام الدورية الوزارية عدد 51 حول مسطرة وضع اللوائح لذوي الحقوق مع روح ونص الدورية الوزارية عدد 17 حول تمتيع النساء من حقوق الانتفاع العائدة للجماعات السلالية بالمساواة، ذلك أن المعايير المعتمدة في اللوائح لازالت تخضع لأعراف متعددة و غير منسجمة و كلها مجحفة و غير منصفة للنساء,
عدم اعتماد المقاربة الشمولية في تسوية وضعية النساء في أراضي الجموع والاكتفاء بالاعتراف بالنساء كذوات حقوق في الانتفاع فقط، دون الباقي من الحقوق المتعلقة بالتقرير في تدبير و تسيير هذه الاراضي
قصور حاد في التحسيس وعدم تبني الوزارة الوصية برنامجا للتحسيس بالتوجه الجديد للوزارة وبمحتويات الدورية 17 تفاديا لكل رد عكسي تضيع معه حقوق النساء.
استمرار الخروقات في تدبير الأراضي السلالية دون ردع و حزم حقيقي من سلطة الوصاية». لذلك كان من الواجب تحسين استغلال هذه الأرض إن ظهير 27 أبريل 1919 يتعارض مع كل المواثيق الدولية التي صدقتها المغرب، ويتعارض مع روح الدستور المغربي، وخاصة المادة 19 منه، ويتعارض مع سوق الشغل والاستثمار. ووجب التفكير في مدونة سؤلا في تنظيم هذا العقار ليستجيب استراتيجيا مع التحولات الكبرى.
ومن بين المقترحات التي سطرها الأستاذ عز الدين تاستيفت:
« - إصلاح المنظومة القانونية لأراضي الجموع من إخلال مراجعة شمولية للظهير 1919 و تعويضه بمدونة لأراضي الجموع تسد مختلف الثغرات التي تم رصدها و تستجيب لمطالب النساء السلاليات و خلاصات و توصيات النقاشات العمومية حول قانون أراضي الجموع.
- تسوية الوضعية القانونية لأراضي الجموع عبر إعمال التحديد الإداري و التحفيظ.
- تجديد و تحيين لوائح ذوي الحقوق و إدراج النساء السلاليات ضمنها مع سن تمييز إيجابي لصالحهن بعد كل ما طالهن تاريخيا من لإقصاء و تهميش و هضم للحقوق.
- تمكين ذوي الحقوق من قروض لتنفيذ مشاريع استثمارية كبرى بالأراضي السلالية.
- تمليك الأراضي لذوي الحقوق و دعم و تشجيع جمعياتهم و تعاونياتهم ، لتيسير سبل الاستثمار و التصرف المنتج بهذه الأراضي ( السكن ، الفلاحة ، المشاريع الاستثمارية الصغرى ، المتوسطة و الكبرى ...) ». ولم يغفل الأستاذ عز الدين تاستيفت الوقوف عند تجربتين إيجابيتين:
« تجربة تاليوين نيكرنان التي انتخبت أول نائبة أراضي الجموع : فاطمة زروقي ، و جددت اللوائح الخاصة بذوي الحقوق شملت النساء إلى جانب الرجال، تم تحرير رض أأرض من جماعة سلالية مجاورة "إيونيلن " مع تعويص بقيمة 800 مليون سنتيم.
تجربة تابونت تارميكت، تم تجديد لوائح ذوي الحقوق، واشتملت الرجال إلى جانب النساء والشباب، كما أسسوا جمعية سكنية لذوي الحقوق لتيسير استثمار الأرض، وقاموا ببناء مشروع طموح عبارة عن تجزئة سكنية استجابة لواقع الدور الايلة للسقوط لذوي الحقوق خاصة النساء والمعوزين. التجزئة من المأمول أن تشيد على مساحة حوالي 49 هكتار، عدد المستفيدين 2050 مستفيد من ذوي الحقوق ضمنهم 998 نساء ، تكلفة المشروع 40 مليون دهم وفق الدراسة و التصاميم التي أعدتها الجمعية. المطلوب دعم الجمعية لإنجاز المشروع و تحمل تكاليفه حيث لا يتحصل ذوي الحقوق حاليا سوى على 800 ألف درهما».
ويضيف الأستاذ محمد الزريكي «وجوب التعامل الإيجابي بأفكار جديدة تساير روح الدستور 2011 إن بأخذ التوصيات التي تقدمها الجمعيات السلالية والجمعيات الحقوقية في هذا المجال أو رفض تصديق كل لائحة لذوي الحقوق متى كانت لا تقر بالمساواة في التمثيل أو المنفعة، والعمل على الحد من التباين في توزيع الحصص، وفتح المجال للمعينات بالأمر للطعن الإداري والقضائي كلما مسهن الضر، وذلك بتيسير إجراءات الطعن وقبولها وأوصى المشاركون بوجوب الوقوف عند التجارب الناجحة.