اصلاح المجتمع وفقا لفلسفة عقيدة الحياة لمعاصرة / الجزء الثالث



رياض العصري
2018 / 3 / 3

القضية التي نعالجها في برنامجنا هذا تتعلق بحياة اجيالنا في حاضرهم ومستقبلهم ، المستقبل لا يصنع بالعواطف ولا بالحنين الى الماضي ولا بالاقتداء بالسلف الصالح ، نحن نحترم اجدادنا ولكننا غير ملزمين بارتداء نفس ما كانوا يلبسون او تناول نفس ما كانوا يتناولون ، ننتقد آبائنا او اجدادنا ، او لا نتفق معهم في الرأي ، ولكننا لا نكرههم ، نحن نطرح رؤيتنا لمعالجة مشاكل مجتمعاتنا ، مجتمعاتنا ترزح تحت اعباء ثقيلة من الظلم والحرمان ، ولن يزول الظلم باساليب الشفقة والعطف على الفقراء والمحرومين ولا بالخطابات الحماسية والادعية الايمانية لرجال الدين على المنابر ، لن يزول الظلم بوعود الدين في الثواب للمظلومين والعقاب للظالمين في جنة ونار في عالم وهمي ما بعد الموت ، لن يزول الظلم وتتحقق العدالة بالنوايا الطيبة والاعمال الخيرية ، لابد من برنامج علمي ، واقعي ، عصري ، يعالج المشاكل الاجتماعية دون الرجوع الى الشريعة الدينية ، ولذلك نحن نعتقد آن الاوان لاعادة النظر في دور الدين في حياتنا لانتهاء اهميته وانتهاء رسالته ، وان القرار الصحيح الذي يجب ان يتخذ بالرغم من صعوبته الشديدة في الوقت الحاضر هو في ابعاد الشريعة الدينية عن تنظيم مجتمعاتنا لكي نتمكن من اصلاح احوال مجتمعاتنا واعادة تنظيم اوضاعها بعد ان امتلأت هذه المجتمعات ظلما وفسادا وعفونة من جراء تراكم العهود عليها وهي تراوح في مكانها مختنقة بمشاكلها التي تتوالد باستمرار دون خلاص من هذا القدر القاسي والمصير المظلم ، نحن ندرك مدى صعوبة اتخاذ قرار ابعاد الدين عن تنظيم اوضاعنا الاجتماعية في الوقت الحاضر والذي يكاد يقترب من المستحيل ، ولكن طالما انه لا ولن يكون هناك طريق غيره للخروج من هذا الوضع المأساوي والكارثي لحياتنا فما علينا الا شد الرحال لعبور المستحيل ، اننا نعتقد ان مجتمعاتنا بحاجة الى عمليات اصلاح جذرية وشاملة في جميع نواحي حياتنا بدءا من اصلاح النظام الاجتماعي متمثلا باصلاح نظام الاسرة وقوانين الاحوال لشخصية وشؤون المرأة وتربية الاجيال الجديدة ، مرورا باصلاح النظام الاقتصادي متمثلا بنظام الخدمة والعمل والاجر والتنمية ، ومن ثم اصلاح النظام القضائي ، وانتهاءا باصلاح النظام السياسي ، اننا نرى بان الحروب الاهلية والانتفاضات الشعبية وحراك ما يسمى ( الربيع العـربي ) انما هي في حقيقتها ناجمة عن ضيق شديد في سبل العيش الكريم .. لتنعكس بشدة في صراعات داخلية وحروب اهلية تحت مسميات مختلفة ، وسوف تستمر هذه الصراعات وتستمر مظاهر الفقر والحرمان والعوز ، ويستمر الظلم ويستمر الفساد جيلا بعد جيل اذا لم يتم الاستعانة بالاساليب العلمية في تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع ضرورة استبعاد الشريعة الدينية من بسط هيمنتها وفرض احكامها على القوانين والدساتير ، اننا في برنامجنا الاصلاحي هذا نتوجه الى مجتمعاتنا العربية عامة لانها بحاجة ماسة جدا لاصلاح احوالها واعادة بناء نظامها الاجتماعي بعد ان وصلت اوضاعها الى أسوء الاحوال ، وهي تتجه فعلا وبشكل سريع نحو كارثة اجتماعية كبيرة جدا ، خاصة وان معدل تكاثرالبشر في هذه المجتمعات يفوق بنسبة كبيرة جدا معدل النمو الاقتصادي فيها ، بمعنى اخر ازدياد تنامي حاجات ومتطلبات البشر في هذه المجتمعات بشكل يفوق كثيرا القدرات الاقتصادية المتاحة لاشباع تلك الحاجات وتلبية تلك المتطلبات ، هذا التباين الكبير بين النمو السكاني المتزايد والنمو الاقتصادي المحدود سوف يؤدي الى ارتفاع شديد في مظاهر البطالة والحرمان والفقر ، وبالتالي يخلق بيئة صالحة لنمو وتكاثر كل انواع الفساد والجريمة والظلم والعنف والارهاب ، ونؤكد هنا بثبات اننا في مسعانا لاصلاح اوضاعنا لا نطلب للمحرومين والمظلومين شفقة ولا عطفا بل نطلب لهم حقا ، لاننا نؤمن بان لكل انسان يولد في الحياة الحق في ان يحيا حياته بكرامة وان يُعامل بعدالة ، منذ فجر الحضارة كان سعي الانسان الدؤوب وجهاده الشاق في الحياة من اجل تأمين احتياجاته المادية الاساسية وهي الطعام والمسكن ، فاذا كان الطعام حاجة لا غنى عنها لكل كائن حي ، فان المسكن حاجة ضرورية لا غنى عنه لكل انسان .. لانه مكان راحته ومأوى عائلته ومستودع ممتلكاته ، وان الحرمان من الاحتياجات المادية ينعكس سلبا على الحالة النفسية ، فالحالة النفسية او المعنوية للانسان انما هي انعكاس لحالته المعيشية ( مأكلا ومسكنا ) او لحالة بدنه الصحية .. وبالتالي هي انعكاس مباشر للواقع المادي الذي يحيط بالانسان ولطبيعة الاوضاع الاقتصادية والصحية في البيئة التي يحيا فيها ، نستنتج من ذلك ان اصلاح الجانب المادي الواقعي في حياة الانسان له الاسبقية على اصلاح الجانب النفسي ، فالحالة النفسية للانسان تتحسن عند الشعور بالاكتفاء والاشباع ماليا و بدنيا .. وتتدهور عند الشعور بالحرمان والعوز ماليا اوبدنيا ، وهذا ما يقودنا الى تفسير نشاة الاديان ، ان منشأ حاجة الانسان الى الدين منذ القدم هي الحاجة النفسية الناجمة عن شعوره بالحرمان المادي ، او الضعف البدني ، او الخوف من الموت ، الموت هو نوع من الحرمان المادي لانه بالموت يفقد الانسان كل ممتلكاته المادية ، الخوف من الحرمان المادي يسبب القلق الدائم ، منذ القدم كان خوف الانسان من غضب الطبيعة التي قد تسلبه حياته او ممتلكاته ، وكذلك خوف الانسان من اخيه الانسان الذي قد يسلبه حياته او ممتلكاته ، الحياة هي من ضمن الحاجات المادية ، من يمتلك يشعر بالخوف على ممتلكاته من الفقدان ، نتيجة كوارث الطبيعة او نتيجة العدوان ، ومن لا يمتلك يشعر بالقلق نتيجة ضغط الحاجة والحرمان ، فكانت ظواهر الطبيعة وكوارثها قد ألهمت الانسان القديم خلق الهة في السماء تنظر من موقعها لحاله فتعطف عليه وترعاه وتحميه من العدوان والخسران في حياته ، وفي حالة موته تعوضه عما خسره ، وتنتقم ممن ظلمه وحرمه .. فكانت المعابد وكهنتها نقطة البداية لنشأة الدين ... وهكذا نشأت الاديان .. صناعة بشرية لتلبية الاحتياجات النفسية ثم تحولت الى تجارة مربحة لكهنة المعابد ضحاياها السذج والمخدوعين والخائفين .
يتبع الجزء الرابع ....