الفقر يخلق الظّلم



نادية خلوف
2018 / 3 / 8

في حوار حول عيد المرأة تقول صديقتي أم محمود:" لو استطاعت المرأة أن تنّظف نفسها من الفقر، لكانت المساواة الحقيقيّة"
تستطرد في الحديث، وكأنها ترغب أن تعود بالذاكرة إلى سنوات عمرها الأولى حيث تسبب في أحداث عمرها الأخيرة، تضيف ضاحكة: " فهمت المساواة اليوم. أن تكوني امرأة محترمة يعني أن تستطيعين الدخول إلى الحمام في الصباح وتسكبين الماء الساخن على شعرك، وجسدك وتستمتعين بلحظة نظافة. لم أكن أعرف أنّني لم أغسل جسدي جيداً، فسطل ماء لا يكفي لغسيل يد واحدة. كنت أنثره كيفما اتفق، وأخرج من الحمام بربع إنجاز.
على مدار حياتي كان الحيوان هو مثلي الأعلى. أتبعه لأستفيد من روثه، وأحبّه لو أعطاني الحليب. يقولون أنهم يقدسون البقرة في الهند. ربما أتيت من أصول هندوسية ، فالبقرة التي كنا نعيش على جهدها، وعلى بيع أولادها تستحق الكثير.
أتحدث عن نفسي، ولا أعني الجميع، فقد كنت أستسخف على سبيل المثال أن تلبس امرأة ثياباً جديدة، أو تضع العطور, تعودت على تلك الرائحة، ولن تصدّقي لو قلت لك أفتقدها"
تسرد أم محمود ذكرياتها الأولى عن عيد المرأة وكيف أرغمها زوجها على الحضور في احتفال قامت به جمعية نسائية قبل أربعين عاماً، وتكمل:
" لم أكن أعرف معنى الشّعر قبل أن يظهر الفيس بوك، لكن بعضهم كان يعرف، وعندما يغنون أحسدهم، في هذه المرّة عرّفوا بالشّاب، وقالوا أنّه شاعر كبير، ويقيم علاقة حبّ ثورية مع الفتاة، ويبدو الأمر كذلك. أتت الفتاة، وقبلته من جبينه كما تفعل أمّه، وبينما كان قد بدأ في أوّل بيت كنت أغطّ في نومي، بين الفينة والأخرى أسمع ضجيجاً، ثم أليقظني صوت إحداهنّ وهي تطلب مني أن أشارك في اليانصيب لدعم الحفل. ثمن حليب البقرة في جيب أبي محمود. أشرت للصّبية أن تذهب إليه وتأخذ منه ثمن البطاقة. قالت لي: هذا زوجك؟ اعتقدت أنّك أمّه. طبعاً لم أشعر بصدى الجملة في ذلك الوقت، فلم أكن أعرف إن كنت زوجته أو أمّه. الكثير من تصرفاتي تقول أنها أمّه" نظرت أم محمود إليّ وهي تخشى أن يكون حديثها غير مناسب فقالت لي: " أرغب أن أختصر عليك الطريق. عندما أسمع هنا أن الدّولة سحبت أطفالاً من عوائلهم بحجة سوء المعاملة أحسدهم. إنها فكرة رائعة بالنسبة لي. لو سحبتني الدولة من عائلتي لما عرفت روث الحيوانات، ولا أبو محمود ، وربما تعرفت على مشاعر اإنسان وتعلمتها. كلما دخلت إلى الحمّام في الصّباح، واستعملت الشّامبو ، ومعطر الجسد. أتذكر كيف كنا نذهب إلى النهر، وننطف ثيابنا عن طريق رغوة الرّوث، والمخباط. أشكر الرّب أنني قد نظفت، ولو أنّني عندما أشمّ يديّ بعد الحمّام مباشرة أرى أن رائحة الروث هي جزء من رائحتي"
يبدو أنّ أحداث حياتها أعمق من حادثة البقرة، لكنّها ترى أن البوح العميق قد يسبب الشماتة لذا انصرفت وعيناها تطفح بالدموع.
ساد الصمت قليلاً، ثمّ بدأت شابّة أربعينية في الكلام. قالت:" أنا لم يكن لديّ بقرة، وكنت أحاول أن أكون ضمن العصر، لكن رائحتي تشبه الرّائحة التي تحدّثت عنها أم محمود: انصرفت تلك المرأة، كان بين الحضور شابة في العشرين.
قالت:" كلهنّ ذهبن لأنّ في حياتهنّ بقرة ورجل، أنا نتاج تلك المرأة وروح بقرتها"
نسيت أن أقول لكم أنّ الشاعر تزوّج حبيبته، وطلّقها بعد أسبوع وكانت ممنونة منه لأنّه ستّر على علاقتهما الجنسية قبل الزّواج، ولا أحد يستطيع أن يطعن بشرفها، فالزواج شرعيّ، والطّلاق أيضاً.
لم يبق أحد عندما أردت أن أتحدّث، فكلنا قلنا أنّ لا وقت لدينا حيث اجتمعنا في حديقة البناء تحت سقف خيمة.
لو أتيحت لي الفرصة كنت سوف أقول: الحرية والمساواة هي أن تشبع معدتك، أن تشعر بالنظافة، أن يكون عندك المال الكافي كي تكون لك سلطة، وأن تتبع هوى قلبك، واغرورقت عيناي بالدّموع، فمشيت متباطئة تحت الثلج الذي كان يدفئني، وأنا وحيدة في ليلة عيد.