في يوم المرأة النساء يبكين في قسم الطوارئ



آية كامل رباح
2018 / 3 / 15

في حوار لي مع صديق عن يوم المرأة قلت له: "أنظر كيف نحتفل بيوم المرأة، بمنحها يوم عطلة ومنح الرجال كذلك يوم عطلة حيث ستقضيه في الطبخ والتنظيف وتقديم الخدمات أيضا، ليست القضية قضية يوم واحد في العام وإنما قضية ما تناله المرأة حقا من نصيب خاص بها وحدها من أيامها وحياتها هي..."
في الأيام التي دارت حول ذلك اليوم وفي قسم الطوارئ التقيت بنساء تعرضن للضرب والتعنيف الجسدي، ذلك يحدث دائما بلا شك، حتى في شهر آذار حيث يوم المرأة ويوم عيد الأم أيضًا، في العادة يكون مطلوبًا منا فحص المريضة كاملا وتسجيل حجم الضربات ومدى شدتها، في هذه المدينة الصغيرة حيث أحيا هناك ما يقارب أربع حالات يوميا يأتين إلى المشفى بسبب تعرضهن للاعتداء الجسدي، بمعدل حالتين منهما فقط يعترفان بأنهما تعرضن للتعنيف على يد أحدهم، ذلك يعني أن ما نسبته خمسين في المئة منهن يكتفين بالصمت والإنكار خوفا من ازدياد العنف عليهن لاحقا.
في غضون ثلاثة أيام عمل فقط في هذا القسم الجديد، رأيت امرأة تعرضت للضرب على يد زوجها كعادته وها هي تقوم الآن بشكوتها الأولى بعد سنين من الضرب بآلة الكرباج التي كانت تستعمل للجلد قديما، بذلك الجسد المليء بالبقع الزرقاء تجرأت تلك المرأة ونزعت قناع الخجل لتدافع عن نفسها، بعد سنين طويلة من الخوف، وكانت هناك حالة لفتاة في السادسة عشرة من عمرها تعرضت للضرب على يد والدها مما دفعها للهرب واللجوء إلى البيت الآمن، أما الحالة الثالثة فكانت لامرأة تعرضت للضرب وشجٍ في رأسها على يد ابنها، وتلك حالات حدثت هنا في مدينتي غزة خلال الفترة الصباحية، اشتركت الثلاث حالات بتعرضهن لضربات متعمدة على الرأس أولا وفي أنحاء الجسم، ثلاث علاقات مختلفة للرجل بالمرأة وأي منها لم تكن رادعا كافيا أمامه ليمارس العنف بأنواعه إطلاقا. مع العلم أن المجتمع الصغير هذا معروف عنه تحفظه الاجتماعي والديني.
كل ما هو ظاهر ينهار خلف ستارة الفحص تلك، كما الحياة ذاتها، ما يطفو هو الزيف اللامع أما الحقيقة فلا نراها سوى بالدموع التي تلمع في أعين نساء ضعيفات عاجزات عن التصريح بذلك الألم وإن فعلن فبعد زمن وصراع طويلين ومستقبل قادم قد تقضيه في المحاكم وبين تجهم الأهل وفراق الأبناء.
مقابل الحالات التي تأتي هناك عشرات الحالات اللاتي يكتفين بالصمت والصبر، وذلك أمر اعتدنا على أن نراه للأسف ولكن ما يحزنني حقا أن الأفكار الرجعية هنا كلها تقف ضد المرأة، أذكر قصة ترويها امرأة من إحدى العائلات بفخر أن نساءهن لا يعدن إلى بيوت آبائهن، فتذكر قصة المرأة التي جاءت ليلا لبيت أبيها تبكي فأعادها إلى بيت زوجها فورا، كانت تتحدث بفخر عن أصالة والدها الذي ويا للشهامة لم يمسح دموع ابنته بل أعادها إلى قبرها.
قد تكون هذه الشهادات مكرورة ولكنها حقيقية إلى الآن وكي لا ننسى سطوعها لابد أن تعاد، لقد حدثت وقد لمستها وشهدت عليها يوميا هنا، وذلك يدفعني للسؤال: إذا كانت حالات العنف الشديد الذي قد يودي بالمرأة لدخول قسم الطوارئ الجراحي تحدث بهذا المعدل في مكان صغيرة من العالم العربي فكم تكون نسبة تلك النسوة اللاتي لا يدخلن قسم الطوارئ لكنهم منذ وقت طويل يهبطون درجات في قبور مظلمة وحيدات ومنفصلات عن مجتمع ذكوري بائس لا يزال بكل تبجح ساذج يحتفل بآذار شهرا للمرأة التي لا يعرف عن قلبها ولآلئه شيئا.