فى يوم المرأة العالمى تنهض حركات نسائية مشتعلة فى وجه اشتغلالها أبشع استغلال



ايمان الدرع
2018 / 3 / 15

مما لفت انتباهي: حركة ( مي تو) وهي حركة نسائية اجتماعية مناهضة للتحرّش وكافة أنواع العنف الجسدي ضد النساء..حيث قامت بمواجهة العنف بناء على قضايا ملموسة دعت تلك الحركة إلى إظهارها علناً بناء على تجارب شخصية شجعت النساء على المجاهرة بها دون خوف من تهديد أو تحسّب لعواقب مهما كانت الضغوطات..وكان للقضية التي رفعت ضد المنتج السينمائي/ هارفي ونيشتان/ الذي تحرّش جنسياً بالعاملين معه من النساء أو اعتدى عليهن على مدى العقود الثلاثة الماضية، كان لها أثرها البالغ في توالي الإدعاءات بكمّ هائل ومؤسف لما لايعدّ ولايحصى من قصص يندى لها الجبين، إذ غالباً ما تسكت الضحية عن فضح ما جرى خوفاً من نفوذ، أو انتقام..وهذا ماشجع هؤلاء المرضى بالتحرش إلى التمادي في غيّهم والاستمرار في أفعالهم المشينة، وعلى إثر ذلك قامت حركات نسائية مناهضة لمن يستغل المرأة أبشع استغلال..بطرح القضية على الملأ من خلال الندوات واللقاءات والجرائد والإعلام وطرح الهاشتاغ تلو الآخر من خلال مواقع الكترونية..تطلب إلى النساء اللواتي تعرضن إلى مثل تلك الحالة التحدث عن تلك الانتهاكات بلا خوف..مما دفع مئات الآلاف من النساء في العالم للحديث عن تجاربهن مع التحرّش بعد أن كسرن حاجز الصمت وقمن باتنتفاضة نسائية اندلعت بقوة من خلال تفاعل سيدات من مختلف دول العالم..
وصلت ارتدادات هذه الحملة إلى عالمنا العربي ولكن على استحياء..فقد كتبن مداخلات بأسماء مستعارة، أو قمن بتغريدات للدلالة على على المشاركة والتعاطف..قليلات جدا من امتلكن الجرأة وتحدثن عن تجاربهن على الملأ بثقة مطلقة دون اضطراب وقصور أصواتهن..إذ ما تزال المرأة العربية تخشى الفضيحة خوفا من أن تلوك سمعتها الألسن إذ لاظهر لها يحميها..وفي معظم الحالات تضطر إلى ابتلاع ما مرّ بها من تجارب مؤسفة حرصا على مستقبلها أو مستقبل أولادها أو عائلتها بشكل عام.. بينما تعيش معاناة يومية في دفع الأذى عنها في الشارع والوظيفة والبيت أو حتى في وسائل المواصلات..وكم اضطربت أحوالها وهي تصارع ابتزاز ضعاف النفوس لها أو مساومتها على شرفها مقابل تضييق الخناق عليها في قبول ما ينافي طبائعها العربية المهذبة المحتشمة لقاء تنازلات أو مغريات تقع في مطباتها تحت طائلة الفقر والحاجة أو الإلحاح ممن باع ضميره وأتقن قراءة ثغرات في حياتها تمنعها عن الرد بقوة لتفضح هذه النوايا الخبيثة..يثقة وثبات.
.المجتمع دائما يحمّلها الأسباب.. السبب أنت..السبب مظهرك ..السبب في رداءة تربيتك وخيانتك للقيم والعادات والتقاليد.. وقد تتعرض لإيذاء جسدي من ذويها بعقوبات متتالية تمنعها من ممارسة حقوقها أو متابعة تعليمها أو حتى الخروج من بيتها.. حتى أقسام الشرطة أحيانا تميل إلى طي القضية والسكوت عنها أو تغطيتها أو تجاهلها والمماطلة بها..حتى يتم إسقاطها بالتراضي والتصالح والرشوة أحيانا..
هناك بعض إضاءات تظهر ردود أفعال في عالمنا العربي..إذ أن بعض الحركات النسائية بدأت تنادي بصوت عال في حماية المرأة من العنف الجنسي والتحرش بكلّ أشكاله اللفظية والمعنوية والجسدية، تسعى لتوعية النساء بحقوقهن وبنبذ تلك الممارسات الثقافية الضارة، وإمكانية حصولهن على الرعاية الصحية والتمويل والتعليم..وقد أثارت تلك الحركات تعاطف المتنورين من الرجال فأعربوا أيضا عن استنكارهم لهذه الممارسات الشاذة ، مشيرين إلى أن هذا السلوك لاينحصر في شخصية أو مكان معين بل يطال النساء أينما كنّ، مهما كن حريصات على سمعتهن وحسن أخلاقهن ونظافة مسيرتهن..في محاولة للوصول إلى حل جذري لهذه المسألة.من خلال الأسباب المجتمعية والازدواجية التي لاتساوي بين المرأة والرجل.
فقد اتضح أن الكثير من السيدات عندما يخرجن من قبضة الرجال المتحكمة بهن في مجتمعنا العربي وحين يصلن إلى دول أجنبية انفتاحية تحميهن وأطفالهن من العنف والتسلّط يسارعن إلى التحرر من تلك القيود الكاتمة على أنفاسهن.، وللأسف يطلبن الطلاق وأحيانا لأسباب غير مقنعة فقد انعدم هنا التوازن لأن المرأة قد خرجت فجأة من قبضة محكمة خانقة ارتضتها وتأقلمت معها في بلدها قسراً.. ووجدت ذاتها فجأة في حالة استقلالية لم تعتدها قبلا...
لقد ذقن معنى حرية التعبير وطعم الحقوق والحماية والكيان المستقل..والتعبير الإرادي الحرّ..بلا انتقاص أو استهلاك لطاقتهن أو ترويض على الخنوع والذل والقبول بكثير من تناقضات لاتطاق..وقد اضطرت من خلال صمتها للحفاظ على منزلها بعدم السقوط في ألسنة المجتمع التي لا ترحم..وكم من حوادث مؤسفة من خيانات متبادلة وجرائم أخلاقية قد تصل حد القتل جراء هذه التربية التي تجسدت في الطبائع قبل السفر وتنسّم أنفاس الحياة من أوسع أبوابها بعده.
وتمّت دراسات نفسية فيزيولوجية لهذه العينات المرضية التي تعيث تشويها في بنية المجتمع من دراسة الأسباب من خلال البيت والمدرسة والشارع والمجتمع..تؤكد أن شروخا نفسية عميقة تصيب من يقوم بذلك.. وأن إتاحة الفرصة لتقويم ذاك الاعوجاج من خلال إصلاح الفرد وزرع المبادئ السامية وتبصيره بواجباته وحقوقه والحفاظ على احترام الآخر وعدم المساس بحقوق النساء بدءا من الطفولة من خلال زواج القاصرات إلى تشويههن جسديا من خلال الختان المؤسف في بعض المناطق..إلى الإكراه في قبول الشريك، إلى تحمّل أعباء الحياة بجهود فردية وسط أنانية الرجل المتسلّط على الغالب..إلى ابتلاع منغّصات الحياة واجترار الألم بصمت وسط بعبع يخيفها من الفضيحة إن تكلّمت أو طلبت الطلاق أو طالبت بحقوقها كاملة بما يؤهلها أن تكون في مساواة مع الرجل..لها صوتها ومكانتها العالية ومناصبها الوظيفية النخبوية الجديرة بها..وعندما تدرك المراة العربية ذلك..تعرف طريقها إلى نجاح مساعيها في وصول صوتها الحرّ العالي بما يكفي كي تكون في صدارة المشهد..ولعلّ ذلك ما يحصل في يوم قريب.