لماذا نجح الفكر النسوي في الغرب؟ وما زال يعرج في شرقنا المنكوب؟



هيام أبو الزّلف
2018 / 3 / 16

لو عدنا قليلا إلى الوراء، لتذكرنا بأن أوروبا اجتازت حروبا دينيّة بعد انفصال البروتستانت عن الكنيسة الكاثوليكيّة، هذه الحروب التي حدثت "باسم الله" الذي نهى أول ما نهى عن القتل في الوصايا العشر، قد أدت إلى موجة كفر بالدّين وإلى ظهور العلمانيّة التي فصلت الدّين عن الدولة وجرّدت الملك من قدسيته بعد أن كان يحكم بمشيئة الله. وظهرت دول لا علاقة لها بإمبراطوريّة روما المقدّسة.
ومع ظهور الفلاسفة العلمانيين أمثال "هوبس" ثم "لوك" الّذي عاصر الحرب الأهلية الإنجليزية (1642- 1651) ونشر كتابه "عن السلطة السياسية" الّي تطرق إلى الحقوق الطبيعية وحق المُلكية وحريّة الضّمير
بدأت بذور الليبرالية تزرع، وتنبت وتترعرع حتى أن الدستور الأمريكي (1789) استند إلى أفكار "مونتسكيه" الّذي طور نهج فصل السلطات عن "جون لوك" وفي منتصف القرن ال- 19 كتب "جون ستيوارت ميل كتابه الشهير "عن الحريّة" ثم كتاب "عبوديّة المرأة" وفيه أرسى قواعد الفكر النسوي.. وقد نوّه إلى أن زوجته "هارييت تايلور- ميل" قد شاركته الكتابة وبان عدة حجج فيه تنسب إليها، وكانت قد سبقته إلى نشر كتابها ((حق تصويت المرأة" (1851)
هكذا نستنتج أن الفكر النسوي لم ينشأ من فراغ، ولم يكن منعزلا عما دعا إليه مفكرو عهد التنوير في النصف الثّاني من القرن ال- 19. بل كان جزءا من التحرّر الّذي عزّزته الليبراليّة التي خاضت صراعا من أجل المساواة الكاملة في الحقوق بين عامّة النساء. واستبدلت الحرية والمساواة والأفكار التقليديّة بما فيها "مركزيّة الرّجل". و"المرأة: أولاد - مطبخ - حديقة"
ما تقدّم أدّى إلى سنّ قوانين مدنيّة لصالح المرأة إذ أن المفكر الفرنسي "تشارلز فورييه" اعتبر المرأة مفتاح التحرير والمساواة في المجتمع ككلّ. هكذا بدأت المرأة تطرق باب العلم والعمل وتشعر بكيانها المستقل القويّ، إلى أن أصبحت الأسرة النّوويّة المصغرة مؤسّسة اشتراكيّة بكلّ معنى الكلمة، يقوم الرجل فيها بوظائف كانت حصريّة للمرأة، مما سهّل عليها تحقيق ذاتها ومما أدّى إلى تبوئها مناصب رفيعة في المجال الاقتصادي والسّياسي والاجتماعي.
كلّ ما تقدّم يطلق عشرات علامات الاستفهام حول الفكر النسوي العربي- الإسلامي الّذي أعتبره مستوردا هجينا أدّى إلى انتصارات موضعيّة تتقدّم وتتراجع أثناء مواجهة رؤوس التنين التي ما ان تقطع المرأة أحدها حتّى يعاود النمو من جديد.
المطلوب إذن هو توجيه ضربة قاضية إلى قلب التنين، فتتهاوى رؤوسه الواحد تلو الاخر والضربة القاضية هي العلمانيّة، الّتي لن تكون، دون إسقاط أضلع مثلث الفقر والجهل والمرض، وإلا فكيف سيصبح للعلمانيّة قاعدتها الجماهيريّة الواسعة؟ ومدّها الشعبيّ الّذي يندد بكل أسباب التخلف وينادي بالتغيير الّذي سيجعل منا أمة لها دورها الفاعل على السّاحة العالميّة؟
الفكر العلماني يراوح في مكانه لأنه نخبويّ ولأنّ النخبة المثقفة لم تجد بعد الطرق اللازمة للتأثير على العامّة. ما زال المثقفون في برجهم العاجيّ. والتغيير مرهون بالنزول من هذا البرج إلى الشعب من أجل رفعه والارتفاع به.
لم يخرج بعد من أمتنا "مارتن لوثر" مسلم واحد يقود حملة إصلاح للمؤسسة الدينيّة التي تشدّ بنا إلى الوراء وتسيطر على عقول الأمّة وتكرّس لجهلها ولفكرها الحتميّ. "ما رتن لوثر" الألمانيّ كان راهبا مؤمنا، لكنه عرف بأنه إن لم يسع، فلن يسعى الله معه. هكذا خرجت السلطة من يد الكنيسة التي استفادت كثيرا من وراء تجهيل الشعب وترسيخ فكره الغيبيّ. استفادت الأموال الطائلة الثّابتة والمنقولة، واحتكرت العلم حتى جاء عهد الطباعة فخرجت الأمور عن سيطرتها، اخذ الشعب يقرأ ويعرف. فلماذا نحن شعب لا يقرأ ولا يعرف؟
لم يخرج من بيننا مفكر واحد استطاع الترويج لفكره بحيث تقرأه الجماهير، وأنى لها أن تقرأ ونسبة الأمية فيها حتى عام 1970 كانت 70%.

عزيزتي المرأة المثقفة، أنت تحاربين طواحين الهواء ما لم يتحرر الرجل من عباءة أبيه ومسبحة رجل الدّين، وجبروت الحاكم المطلق. لكي تتحررّي أنت يجب تثقيف الذّكور أولا لتحريرهم. ثقافة الرجل ستؤدي إلى تذويته القيم الليبراليّة، فيعي بأنك لست سقط متاعه ولا لعبته، وبأن لك نفس حاجياته بحسب سلّم ماسلو، فيتزحزح عن مركزيتة في الأسرة النوويّة والعشائرية والحزبيّة والأرجح أن يكتفي بزوجة واحدة، ويرغب في تحديد النسل، فنصبح أمة تتّصف بالكيف لا بالكمّ.

عزيزتي المرأة. ما زالت الطريق طويلة جدًّا، وشاقّة جدًّا، فدون الرجل، لن يكون بوسعك توجيه ضربة قاضية إلى قلب التنين.