هوية الجندر والموضة



وليد يوسف عطو
2018 / 3 / 20

هوية الجندر والموضة

تعمل الموضة على اخفاء السياسة الاستهلاكية الراسمالية النيوليبرالية ,والتي تقوم على الشعار التالي ( كلما استهلكت اكثر شعرت بالراحة ومتعت نفسك اكثر).تقول الباحثة الدكتورة خلود السباعي في كتابها (الجسد الانثوي وهوية الجندر):

ان اهم مايميز علاقة الموضة بالجسد هو تعاملها مع الجسد ك (شيء )وتحويله الى قيمة استعمالية وتبادلية لجذب الانتباه , لتصل الى نتيجة مفادها ان تحرير الجسد لم يكن سوى ذريعة لاجل استغلاله . اي ان اكتشاف الجسد في ظل الحداثة لم يكن الهدف منه اكتشاف الانسان لذاته وانما لكي يتم استثماره اقتصاديا وسياسيا ,وفق قوانين اجتماعية تحكمها قوانين العرض والطلب .

في اطار البحث عن السبل الكفيلة بترسيخ اللامساواة الجندرية ,اسندت المجتمعات الذكورية الى المراة المهارات والنشاطات المرتبطة بالتجميل والعناية بالمظهر الخارجي , وعلى راسها الملابس , وهو مايفسر ارتباط المراة منذ القدم لمختلف انواع الانشطة المتعلقة بالغزل والحياكة والتطريز .

شكلت الملابس احدى ابرز العلامات الاجتماعية المعبرة عن هوية الجندر . حيث عملت مختلف المجتمعات والثقافات على تحديد نوع الملابس المخصصة لكل من المراة والرجل مع تحديد مواصفات الملابس من حيث اللون ودرجة كشفه لبعض اعضاء الجسد,او حجبه اياها ,مما دفع بعض الحركات النسائية الى تبني نظرية ميشيل فوكو حول علاقة الجسد بالسلطة .اسفرت هذه الظواهر لاحقا عما نسميه ب(الموضة )والتي اكتسبت بعد الحرب العالمية الاولى ابعادا جديدة نتيجة التولات الاقتصادية العميقة والتي ادت الى خروج المراة الى العمل . فكان من الضروري تغيير ملابس النساء بشكل يساعدعلى تنحية كل ماله علاقة بالجنس او فن الايروتيك عن مجال العمل .

الا ان الموضة تطورت لاحقا بالاتجاه المعاكس من خلال ربط الجسد الانثوي بالجنس وفن الايروتيك في زمن العولمة والسياسات النيوليبرالية .تقول بعض الباحثات ان الموضة هي التي تحرص على ان يبقى مظهر الرجال رجوليا ومظهر النساء انثويا .ومن هنا ظهرت خطورة الموضة عن طريق شاشات الحواسيب والفضائيات والهواتف الذكية في ترسيخ هوية الجندر من خلال حرصها على تحويل ثقافة الجندر الى ثقافة طبيعية .

وكما تقول الدكتورة خلود السباعي (فلقد اصبحت الموضة في ظل الحداثة المعاصرة احدى ابرز الوسائل المعتمدة لاجل (تطبيع )النظام الثقافي , مع اقناع الافراد بان مابلغته الثقافة المعاصرة من تطور هو الاكثر ملائمة وتوافقا مع طبيعتهم البشرية .وهكذا اصبح الناس في معظم انحاء العالم يهيئون الثوب الازرق لاستقبال المولود الذكر , والثوب الوردي لاستقبال الفتاة ,كما ترتبط التنورة بالانوثة وربطة العنق بالذكورة ,والاقمشة الموردة بالنساء والاقمشة ذات اللون الداكن بالرجال ..على الرغم من التجديد المستمر في الموضة ,تبقى الرموز والشفرات المرتبطة بالجندر والجنس ثابتة فيها ,لذلك , وكما تقول الباحثة الدكتورة خلودالسباعي يجب ان نعلم باننا عندما نعتمد على الموضة في ملابسنا , نساهم بشكل عملي في توكيد انتمائنا الجندري , كما نساهم في تزكية السلطة الذكورية التي نلمسها على عدة مستويات , واسواها استغلال الهيئات القضائية للملابس الانثوية في كل الاحكام المتعلقة بالتحرش الجنسي , او الاغتصاب , او غيرها من اشكال العنف الجنسي الموجه ضدالمراة .

اذ غالبا مايستحضر القضاء نوع اللباس الذي ترتديه المراة وطريقة تجميلها لجسدها في اثناء تعرضها للاعتداء , لتبرير تصرفات الرجل ,حيث تصبح المراة وهي الضحية ,طرفا رئيسيا في الادانة , فيحملهاالقضاء مسؤولية تعرضها للاعتداء . وقد يصل في كثير من الاحيان الى براءة الجاني .

يمثل الربط بين القيم الاخلاقية وطريقة لباس المراة احدابرز المقومات الدالة على السلطة الذكورية الموجهة ضد المراة .هنا تصل الباحثة الدكتورة خلود السباعي الى استنتاج مهم جدا , وهو ان مجمل اشكال الخطاب حول المظهر الخارجي , وعلى راسها الموضة , هي قنوات لتمرير السلطة في اشكالها الاكثر تعقيدا ,مرسخة بذلك دونية الجسد الانثوي ,قامعة له ,ومسيطرة عليه .

فاذا كان المظهر الخارجي للرجل مختلفا عن المظهر الخارجي للمراة , فان ذلك لايبرر السلطة اللامتكافئة الممارسة على كلا منهما .في مقابل اهمية الملابس , اعتبر العري في بعض المجتمعات سلوكا مرفوضا قد يعاقب عليه بالاعدام .حيث يوجد التعري , توجد قواعد محددة لاوضاعه ومجالاته عندما يتعلق الامر بظروف يسمح فيها بالتعري مثل الذهاب الى الشاطيء او الحمام , او في غرفة النوم .يبقى من المفروض ان ترتدي الاجساد اشكال معينة من الملابس, او توضع على الجسد اكسسوارات معينة , مثل عطر او عقد .لذلك نلاحظ انه حيثما يوجد التعري , توجد قواعد محددة لاوضاعه ومجالاته .

ان اختلاف ثقافة الجندر بين المدينة والريف يعكس الاختلاف في النظر الى ثقافة التعري .ففي القرية تعتبر بعض ازياء النساء تعبير عن عري المراة وتوصف المراة بالفاسدة او العاهرة , لذا يعتبر هذا النوع من الملابس غير ملائم لمجتمع القرية .

مقالات ذات صلة :

مقالتنا ( هوية الانثى من الناحيةالثقافية)والمنشورة على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=592394