نساء وأمهات سورية كل يوم وأنتن الصبر والشموخ



إيمان أحمد ونوس
2018 / 3 / 21



يُطلُّ آذار مُجدداً وعده للإنسانية بالأمل والعطاء، يُطلُّ حاملاً في جعبته أكثر من وعدٍ وعيد.. حافلاً بمناسبتين أنثويتين، أولاهما عيد المرأة في الثامن منه، وثانيهما عيد الأم في الحادي والعشرين منه أول أيام الربيع، وما بينهما يحلُّ عيد المعلّم في الخميس الثالث منه امتناناً لإنسان قامت على أكتافه وأفكاره المجتمعات، وهنا لا عجب أن تكون النسبة الأكبر من المعلمين هي من النساء اللواتي تُلقى على عاتقهن في مختلف المجتمعات ولادة وتربية الأجيال على المدى.
والمرأة هذه الإنسانة المعطاءة أبداً، وتلك السنديانة الباسقة دوماً، ممتدة جذورها عميقة في الأرض التي أنجبتها والتي استمدت عطاءها منها، أفلا تُشبّهُ المرأة دائماً بالأرض لاتساع قلبها ومداركها وعواطفها، وخصوبة عطاءاتها الجليلة والعظيمة على الدوام...؟
لكن في سورية، ومنذ سنوات سبع خلت يعود آذار والمرأة السورية ما زالت تحاول لملمة أشلائها المبعثرة ما بين الواقع المُفجِع والحياة المريرة جرّاء حرب لا أمل يلوح في الأفق بإمكانية انتهائها.
يعود آذار باحتفالياته تلك على السوريات وهنّ يتشحن السواد والحزن والقهر، وعلى وقع صُراخ الأطفال وأنين الأمهات وعويل الرجال من عفرين إلى دمشق مروراً بأكثر من مدينة وبلدة ظنّت للحظة أنها تجاوزت ويلات الحرب، فآبت إلى حيويتها وفرحها وأمانها الذي بات واهياً في لحظة خاطفة.
منذ سنوات سبع والمرأة السورية تنافس الرجال قوة وصبراً في امتهان أعمال كانت حكراً عليهم، فأثبتت جدارتها وحضورها الذي يدحض كل المزاعم والفتاوى والأعراف التي قيّدتها زمناً إلى أسوار الحرملك فقط من أجل سطوة ذكور القبائل.
منذ سنوات سبع والمرأة السورية تسعى جاهدة لوقف نزيف الحرب إيماناً منها بالسلام الذي تنزع إليه بطبعها وطبيعتها المتأصلة لدى الكثير من النساء، لتدفعهن باستمرار منفردات أو عبر تنظيماتهن الناشطة للدفاع عن حقوقهن وقضاياهن المرتبطة أساساً بقضايا المجتمع كافة، إلى السعي الحثيث والدؤوب لحل معظم النزاعات الناشئة في محيطهن، وغالباً ما ينجحن في تلك المهام سواء على المستوى الشخصي أو العام. لكن في المحافل الرسمية أو الدولية التي يتمُّ فيها اتخاذ القرارات ذات الصلة بعمليات السلام في المناطق التي تشهد نزاعات وحروب، فإن الأبواب توصد في وجه مشاركة النساء على هذا الصعيد أو سواه، مما يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم/1325/ الداعي إلى مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في مختلف عمليات السلام، من أجل تحقيق السلام المنشود في المناطق الساخنة.
تقول لينا آج الأمينة العامة لمؤسسة(كفينا تل كفينا): "إن عمليات السلام التي تستثني نصف عدد السكان منقوصة، حيث إنها تُخفي احتياجات وخبرات المرأة."
أمّا عيد الأم فما زال منذ سنوات سبع ينأى بنفسه عن أمهات سورية الثكالى والأرامل والمفجوعات تكوي مآقيهن دموع الحزن وصبر الانتظار...
فأيُّ عيد لمن فُجِعَت بابنها الذي قضى تحت التعذيب أو برصاصة قنّاص.. أيُّ عيد لأم ما زالت عيناها ترمقان غدٍ علّه يحمل عودة ابنٍ مفقودٍ أو مخطوفٍ أو معتقل حتى كادت آمالها تتلاشى أمام مرارة الانتظار...؟ وأيُّ عيد لأم قارعت اغتصاب ابنتها دون أن تُدرك حمايتها من وحوش بشرية آثرت انتهاك الإنسانية بتمزيق أنوثة الحياة على أعتاب حقدٍ لا حدود له، أو شهوات مريضة استغلت فوضى الحرب لتروي عطش شذوذها.. أو عطش حقد متوارث قابع في دهاليز نفوس مأزومة منذ قرون...؟
وأيُّ عيد لأم تفتقد اليوم من يُعينها على أعباء أسرة وأطفال فقدوا الأب في حرب تُغذيها الأموال والمخططات على جميع الجبهات ومن جميع الأطراف، والخاسر الوحيد فيها هو الشعب البسيط، والوطن الذي كاد أن يغدو فقيد..؟
أيُّ عيد لأم تذروها رياح النزوح أشلاء متناثرة أمام قسوة المخيّمات وذُلّها، ووطأة القدر المتربص بأبنائها حينما صار الصغار وقوداً لغضب الطبيعة وفتك المرض...؟
أيُّ عيد لأم أرغمتها ضراوة غربة التهجير على زواج طفلتها تحت وطأة الذعر على شرف مزعوم انتُهك على عتبات الحرب والحاجة وأزمات الضمير...؟
وأيّ عيد لأم أرغمها الجوع على افتراش الدروب تسولاً أو سلوك مسارب لا أخلاقية بعرف المجتمع من أجل سدّ رمق أطفال لا يعرفون معنى ضرائب الحروب ودافعيها من الفقراء والمساكين...؟
وأيُّ عيد للأم ذكراها ما زالت ندية كتراب لحدها يزوره أطفال لم يشبّوا بعدُ عن الطوق، تذروهم رياح اليُتم مبعثرين في دروب الحياة بلا مُعيل...؟
لكن، رغم كل هذا الوجع والأنين، ورغم ما جرى ويجري، تبقى نساء سوريا شامخات في وجه كل ما يُعيق الحياة، ويُعرقل مسار آمالهن في مستقبل خالٍ من الحروب وويلاتها، مستقبل خالٍ من العنف والاضطهاد والتمييز عبر دستور وطني يلتزم جهاراً بالاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات ذات الصلة بحقوق الإنسان والمرأة والطفل والتي صادقت عليها سورية.
يأتي آذار اليوم والمرأة السورية ما زالت ترنو لقوانين وتشريعات تنصفها وتُساويها مع الرجل في الحقوق والواجبات، قوانين حضارية تُشرّع استناداً إلى ما وصلت إليه هذه المرأة من مستويات تعليمية وثقافية وعملية أهّلتها لمناصب ومكانة أثبتت من خلالها أنها جديرة فعلاً بها، وليس بقوانين وتشريعات متخلّفة سُنَّت منذ قرون ولم تعد تتوافق وروح العصر كقانون الأحوال الشخصية الذي لا يرى في المرأة سوى موطوءة وتابعة في الولاية لرجال القبيلة مهما صغُر شأنهم وعمرهم وهي التي جالت في جميع ميادين العلم والعمل.
فيا جميع نساء وأمهات سورية لا يمكننا أن نقول لكنّ كل عام وأنتنَّ بخير، بل لا يمكننا إلاً أن ننحني إجلالاً أمام عظمتكن التي سطّرت بلا شكّ وطرّزت وشاح الوطن بصبرٍ لا ينفذ ولا يلين..
لَكُنَّ أمهاتنا وعموم نساءنا في كل يومٍ وقفة خشوع لصبركن العظيم، وإجلال لبأسكن الرفيع وشكيمتكن التي لا تُقهر.