إقصاء الدّين لجوهر الذّات البشريّة



حنان بن عريبية
2018 / 3 / 29

أصبحت المرأة بسوق عكاظ يتحاصصون ثمنها.. امرأة كلّ ذنبها أن تكون حرّة نفسها في مجتمع القطيع الّذي لا تهّمه الحريّة الذّاتيّة للفرد بصفة عامّة بل يطبق على كلّ نفس حر ويجثم على جميع مكامن الضّوء بالفرد.. في المقابل عليه يكون تابعا وأن يتحمّل جميع أنواع الخساسة واللّؤم.. جميع أنواع الدّسائس وجميع أنشوطات "الجهل المقّدس" التّي تخنق كلّ سبل الخلاص نحو الانفتاح نحو الانعتاق ونحو رحاب شاسعة بجميع المجالات خاصّة الفكر.
كأي شخص وجد نفسه في رقعة جغرافيّة تهذي بشعارات خاوية عن الحريّات عن السّماحة عن احترام الكيان الإنساني عن ثقافة الاختلاف.. وكأي شخص لا يحمل نزعة المكاشفة باللّجوء آليا للتّشويش وبسط ضبابيّة غير واضحة تحوم بالعلّة فقط ونحن بحاجة ماسّة لتشريح أسباب الجهل والهمجيّة وكلّ هذا التّخبط والتّنافر على أرض الواقع.. وكأيّ شخص يروم الولوج مباشرة في مصدر العلّة بغاية التّشخيص الرّاجح للمسائل الشّائكة التّي تتفاقم يوما بعد يوم وتصقل هوّة سحيقة لا انفتاحا.. أجد نفسي في نضال دائم حتّى أكون حرّة الإرادة في أبعادها الكونيّة.

كنت أنظر للمشهد برّمته ولا أتجاهل تعدد المنافذ التّي يمكن النّفاذ من خلالها لصلب المسائل.. واقعيّا ما يجمع المسلمين هو الإسلام وليس الإنسان في حد ذاته ولا يتناول هذا الدّين برؤية ثاقبة ومعمقّة.. فكل شخص له رؤيته. لكن الملاحظ أن أغلبيّة الرّؤى تتربص بالفكر.. مما يبعث عن التّساؤل فعلا أو يحرّك شيئا في خضّم سماكة التحنيط المحيط بنا من كلّ جانب.. أين لا وجود لسلام مشتق من الإسلام بوجدان الفرد تطبيقيا وعلى أرضية الواقع التي تفترض التحلي بثقافة القيم الكونيّة.. لا دينا يوجه دعاته سدودا عشوائيّة.. وفي نفس السياق يتوحد المسلمون في الإسلام تحت غطاء واحد أننا سكان العالم الثالث وتحديدا العالم العربي....

يتوّجب الكثير من التّحميص عند طرح مسألة احترام الأديان أو الخوض فيها بأسس علميّة وأسانيد تاريخيّة لا يمكن دحضها.. فالمسألة ليست ارتداء ثوب لسان دفاع عن الدّين بقدر البحث فيه وليست مسألة سخط أو كفر.. بل إن زج الفكر بين ثنائيّة الأهواء في حد ذاته إقصاء لجوهر التفكير والتّبصر وإعدام لتوالد الأسئلة.. الغاية الأساسيّة في الفكر ليبقى متجددا.

ففي المجتمعات العربيّة يجد الإنسان العقلاني نفسه قسرا في محاولة نضال دائم أنّه إنسان يرى مالا يراه الآخرون ولا تسكن بعقله سدود التّابوهات ولا "الثّالوث المقدس" ولا يتقبّل المسلمات التّي تسطّر له أدق تفاصيل حياته ليحيا فقط على الخنوع...
كنت على قناعة أنّ أمور التخلف يجب أن تدرس ويبحث فيها مع الأخذ بعين الاعتبار ما يوّحد الجميع في هذا الإطار..ولكن لم أجد المجتمع يتوحد في احترام الذّات البشرية ولا يتوّحد في هذا السّلام المشتق من الإسلام.. مجتمع قوالب بامتياز خاصة في عدم السيطرة على غرائزه الجنسيّة التّي تطغى على جميع تصرفاته وانفعالاته وتوحده في الكراهيّة الموغلة في الحقد والجشع ولا يتوحد في استيعاب ثقافة الإنسان ولا في الوعي بالمضي نحو النّور نحو المحبّة نحو التّعامل بطرق حضاريّة.. وجدت أنّه مجتمع حريص على أن يستجمع جميع قواه ليتوحد على الفتك بكل من لا يسلّم له عقله أو نفسه.. يتوحد في نهش جميع بذور الجمال في الحياة.. في المرأة.. وفي تشويه كلّ سبل الانفتاح.. مجتمعات تتكتل على فكرة وجدوها مختلفة ويحاربونها ولا يتجنّدون ضد تفشي العاهات والجهل والفقر وضد من يسيء للإنسانية ككل.

ربّما يعتقد العديد أنّي عندما أحاول أن أكون محايدة وموضوعيّة في تحليل مسألة ما أبحث عن استقطاب ثنائيّة من يتفق ومن لا.. وهذا ليس عادلا لأنّي لا أبحث سوى عن عقل منفتح ينتمي لإنسان حر لا للقطيع.. فعلا احترم جميع الدّيانات ولكن فوق الدّيانات تسليم كامل باحترام دين الإنسانية الذّي وجدت نفسي أعتنقه بقناعة تامّة.. هو دين لا يحمل ذرّة أحكام مسبقة عن الشخص مهما كان شكله أو مذهبه أو معتقده...
دين الإنسانية لا يقيّد تعبدك أو يفرض عليك بنودا لا يجب الحياد عنها لا يتدخّل في لباسك في حياتك الشّخصيّة لا يراقب جميع سكناتك وتحركاتك وخلجاتك.. أخلاقه لا تصب كلّها في الجسد بقدر ماهي أخلاق تسمو به.. دين يجعل الواحد منّا يشعر فعلا أنه إنسان يتدفق ويجتاح جوهر الإنسان.. يجد الترحاب بالعقل الحر لا يكبّله.

دين يجعلنا نفكر.. يجعلنا نؤمن بالقيم الكونيّة.. لا يحتاج دعاة ولا يحتاج واسطة بين الإنسان وبين من يجد فيه فعلا أنه إنسان منعتق.. دين الإنسانية هو من يجعلنا نتحمل سطوة التعصب وهو من يجعلنا نتحلّى بأخلاق الحر لا العبد التابع الخانع والخاضع.. هو دين يوحد البشر في الحب وهذا الحب الذّي ينبع منه هو حبّ من نوع آخر لا يحيا في الحسّي فقط ولا يقوّم بالمادّة بل أرفع من ذلك...
لم تعلمنا أخلاق المسلم أن الإسلام ينبع من السّلام على أرض الواقع بل أنّه دين مخيف يراقب أدق جزئيّات البشر ومحتكر للحياة يفصّلها كما يشاء وينخرها كما يشاء ومن خلاله يفعل المسلم ما يريد من هتك الأعراض.. من ملاحقة الناس وعلى أرض الواقع إقصاء كلّي للإرادة الحرّة.. للحريّات الفرديّة.. لثقافة الاختلاف...إقصاء لجوهر الذّات البشريّة.. فكيف نعتنق سلاما يسجننا ويعرقل جميع السّبل نحو إرساء فعلي لدولة الحداثة والمدنيّة. هذا السلام لا يؤمن حتى بالحياة الشخصيّة للفرد سلام يحول دون الفرد ان يعتنق الحياة والإنسانية.

كيف يقبل أن يعيش الواحد منّا حياته كاملة يدافع عن نفسه أنّه إنسان وليس عبدا ولا يجد نفسه في سلام متعصب ومتدين اختار الرتابة والجهل ويتأقلم سريعا مع الفضاضة وحتى الهمجية لا تزعجه.. أي سلام هذا الذي يبتر السلام بوجداننا ...والحال أن ملاحقة العقل والتضييق عليه جريمة بشعة في حق أن نحيا بسلام.. كيف يمكن الخضوع لمن يلاحق المرأة وأن تحيا فقط لإثبات أنّها ليست فاجرة.. كيف يعقل التقيد بأخلاق مجتمع القوالب الّذي لا يرى الفجور في الاعتداء عليها وعلى إرادتها وحرمتها ككائن حي.. أي معيار للفجور هذا بالحصار المشدد على كائن بشري كل ذنبه أنه يحيا وفق قناعاته الحرة التي لا تهتم بخصوصيات البشر.. أي معيار للفجور بدرء الفجور الحقيقي كالمظالم والاعتداءات والتّشفي والنّفاق الاجتماعي..والتناحر والتكالب..

أي معيار للفجور الذي يصنع القوالب ولا يبالي بكل إيذاء متواصل وإساءة دائمة وحصار مشدد على كلّ نفس حر.. أي معيار للفجور هذا ونحن نجد العهر في جميع مفاصل المجتمع.. عهر شرس وبشع يتستر تحت رداء الأخلاق التّي سجنت في تنورة قصيرة لا في مغتصب.. أليس هذا عهرا.. أليس من العهر أيضا أن يفعل شخص حقير أي شيء للأنثى فقط لأنّها ترفضه.. أليس عهرا أن يتحول صراعها لإثبات أنها ليست جارية فقط لأن متخلقا جدا استخلص أنّها متاحة للجميع من صورة شخصية أنزلتها وبإرادتها الحرة بموقع التواصل الاجتماعي مثلا.

أليس من العهر أن تلاحق وأن تشوّه كذبا وافتراء أنّها فاجرة لأنّها لا تريد لأي مخلوق أن يتدخل في حياتها الشخصيّة.. أليس من العهر أن يهتك عرضها فقط لأنها جميلة...ولا تستجيب لمجتمع يرى الجمال خطيئة..
أي حضيض سلام وأخلاق نعيش فيه.. وأي قذارة تلطّخ أجسامنا كل يوم غصبا عنّا بكلمات الازدراء والتحقير.. وأي مجتمع محافظ على دينه القويم ويبيح شتّى أنواع التنكيل بالشخص ليسقط في مستنقعه.. أي معيار للصلاح ونجد السّاقط قد يكون حداثيّا أو محافظ تقيّا.. أي معيار إذا استجبنا لمعيار مجتمع القوالب الضّال الّذي لا يتردد الواحد فيه أن يدفع أموالا ليحج إلى بيت الله ويستبيح الفتك بحرمة البيوت واغتصاب الحقوق..

من جهة أخرى هناك من يرى أخلاقه الرّفيعة المستمدة من دين الإنسانية أنه إنسان له كيان له ذات.. وجوهر أخلاقه أن يحترم الذّات البشريّة لا أن يشن حربه الأخلاقويّة والدينيّة المسطرة نقلا على كل من يختلف معه وخاصة المرأة.. فهو من بيئة النساء فيها مصغيات لا قرار لهن أمامه ويريد تطبيق هذا على الجميع على من يقابلها في الشارع في العمل في مواقع التواصل الاجتماعي.. أخلاقه الدينية النقليّة تسمح له بهتك أعراض الناس والتربص بتصرفاتهم أينما حل لنكون في مواجهة أخلاقيات العشائر لدرجة انه لا اعتبار للدولة المدنيّة ولا للدولة ككل بل اعتبار الناس ملكية خاصة يفعل بها ما يشاء.
أي هراء هذا بالمجتمعات العربيّة المبالغة في الأخلاق لدرجة التقيؤ.. هل لا يتم ختم أخلاق المسلم إلا إذا شن حربه على الذّات البشريّة وتطويعها وبالحروب المتواصلة على الفروج النسائية...
يتبع....