لن أعود إلى المنزل!



كادي حكمت
2018 / 4 / 6

لن أعود إلى المنزل!
قبل أيام احتد النقاش على إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حول عمل المرأة ورغبتها في العودة إلى ما سمّاه البعض "دورها الطبيعي". ولا عجب في دفاع الرجل المستميت عن حقها بالعودة لتمارس ذلك الدور . ولا عجب أيضا بأن ينعته ب"الطبيعي" على أساس أن ما غير ذلك زائف ومشوّه ومشبوه ؛ إذ لطالما كان الرجل - بما يجنيه من مال - صاحبَ الكلمة وإلى سلطته الأبوية تخضع الزوجة والأولاد وله تتبع الأنثى كأنها شيء من أشيائه. لعلك عزيزي القارئ تعجب لكون المرأة نفسها ضد استقلالها المادي أحيانا، ولعل الأمر يبدو مستفزاً لك، خصوصا إذا كنت من المؤمنين بإنسانية المرأة ومساواتها بالحقوق والواجبات والقدرات مع الرجل، لكن ماذا لو تطرقنا للأسباب التي تدفع تلك الشريحة للاكتفاء بالحمل والولادة والكنس والطبخ والتربية كدور "طبيعي" واعتبار أي عمل غير ذلك دخيل وثانوي.
أهم الأسباب التي تجعل النظرة إلى عمل المرأة غير منصفة هو الثوب الديني الذي ترتديه ثقافتنا. إذ يوجه لها الدين الأمر الصريح {وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ويؤكد سلطة الرجل عليها وتبعيتها له قائلاً {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم}. ويتجاوز الأمر ذلك ليُعطي الرجل حق منعها من العمل والخروج من بيتها إلا بإذنه فقط.
إن المرأة تدرك جيداً أن تمردها على النصوص والشرائع التي تسلبها حق الاستقلال قد يكلفها الكثير، وفي كثير من الأحيان قد يسلبها حياتها وبدم بارد.
تحتمل المرأة إلى جانب أعباء العمل خارج المنزل وأعباء الحياة داخله، فإلى جانب الحمل والولادة والتربية تتحمل مسؤوليات أخرى قلما يشاركها إياها الرجل، بل في كثير من الأوقات يشكل الزوج مصدرا للضغط النفسي الذي تواجهه المرأة، ففي الحالات التي يتقبل فيها المجتمع أن تقاسم المرأة الرجل الواجبات المادية (التي يعتبرها ذلك المجتمع واجب الرجل الرئيسي) ستجد ذات المجتمع لا يفرض على الرجل مشاركة المرأة "واجباتها المنزلية"، وتجد أن نظرة ذلك المجتمع للرجل الذي يحجّم طموح زوجته في الدراسة والعمل نظرة محايدة في أحسن الأحوال وكأن الأمر حق مشروع له. تقول نوال السعداوي في كتابها (المرأة والصراع النفسي): إنّ المرأة المتعلمة العاملة أكثر عرضة ل"العصاب" إذا ما قارناها بتلك التي لم تكمل تعليمها ولم تتحمل أعباء العمل خارج منزلها وظلت تابعة لزوجها وخادمة في بيتها. فالأولى أكثر وعياً بالظلم الواقع عليها والأعباء التي تحاصرها وتفرض عليها نمطاً مرهقاً للحياة. كما أن المرأة المتزوجة التي تعمل خارج المنزل أكثر عرضةً للقلق والاكتئاب إذا ما تم مقارنتها بالعزباء. إن المتابع لنتائج امتحانات الثانوية العامة وطلاب الجامعات مثلاً سيجد أن نسبة النجاح والتفوق ترجح غالبا لصالح الإناث ومع ذلك تواجه المرأة إحباطاً عظيماً في سوق العمل خصوصاً في مجتمعاتنا. فهي - مهما تفوقت)-ليست أحق من الرجل بالوظيفة وهي مهما عملت أقل أجراً، ولعل أمر التميز بالأجر هذا ليس مقتصراً على المجتمعات العربية بل يتجاوزها ليشمل الدول المتقدمة . ففي عام ٢٠١٧ مثلاً وحسب مجلة "فوربس" فإن إيرادات النجوم الرجال في هوليود تفوق بمراحل إيرادات النساء، فقد كانت "إيما ستون" الممثلة الأعلى أجراً ومع ذلك احتلت المرتبة الخامسة عشر في قائمة النجوم الأعلى أجراً. بل إن أمر التمييز هذا قد يتجاوز معيار الجندر بحيث تتم ممارسته بين النساء أنفسهن بناء على معايير أخرى مثل الشكل والعمر والزواج متجاوزاً بذلك معيار الكفاءة ومشكلاً إحباطاً جديداً تواجهه المرأة في سعيها للحصول على الوظيفة. أفادت دراسة أجراها اتحاد نقابات العمال في بريطانيا بأن أكثر من نصف السيدات(٥٢٪ تقريبا) صرحن بأنهن يتعرضن للتحرش الجنسي في العمل، واعترف معظمهن بأنهن لم يبلغن عن حدوث تلك الوقائع. وأن سبب ذلك يعود لشعور المرأة بالخزي ولخوفها أن تخسر وظيفتها إذ غالباً ما يتمتع المتحرش بسلطة مباشرة أو يكون المدير المباشر في العمل. أما في الأردن فتتعرض ٥٣٪ من النساء العاملات للتحرش وذلك حسب دراسة أعدها محمود جميل الجندي تحت عنوان "التحرش جريمة بلا دليل".
وفي عام ٢٠١٢ صدر قرار حكومي في ايران يمنع الفتيات من الالتحاق بسبعين تخصص (أغلبها تخصصات علمية واقتصادية) في الجامعات. والأمر ليس بالغريب فالمجتمع يتدخل ويحدد غالبا للمرأة نوع وظيفتها . فالمجتمع الأردني مثلا (والعربي كذلك) يُفضل أن تنخرط المرأة بوظيفة تسهّل عليها تقسيم وقتها بين عملها خارج و داخل المنزل ولا اختلاط فيها (كمجال التعليم مثلا) بغض النظر عن حجم الإرهاق الذي قد يلحق بها وبغض النظر عن ميولها وطموحها، فالتفكير في طموح المرأة وميولها حين يتعلق الأمر بالوظيفة يكاد يكون رفاهية لا تكترث لها المجتمعات الفقيرة.

من حقنا - كنساء طموحات وواعيات - أن نرفض العودة إلى الدور الذي الصقه بنا الرجل عبر التاريخ؛ فما كان منطقيا في زمن ما لم يعد اليوم كذلك. ومن حقنا أن ننخرط في المجال الذي نحب دون أن يفرض علينا مجتمعنا خياراته المحدودة ودون التعرض لأي أذى، ومن حقنا أن تتاح لنا الفرص بعدل فلا معيار يحكم تلك الفرص إلا الكفاءة .ومن حقنا أن نتشارك مسؤوليات المنزل مع شركائنا لتصير الحياة أكثر عدلا وإنصافا للجميع.